حبيس الإطار
الجمعة / 15 / صفر / 1442 هـ الجمعة 02 أكتوبر 2020 00:49
أسامة يماني
صديق جادت به الحياة تلاقيت به في غمار ولجاجة الزمن وزحمة المشاغل. هذا الصديق يحمل أعلى الشهادات، قارئ، مطلع، ذو خبرة طويلة، ناجح في حياته الوظيفية والعملية، ناجح في أعماله الخاصة، تستطيع أن تُطلق عليه أنه من الصفوة الذين وظفوا جميع الفرص للنجاح والتفوق.
وخلال مسيرة ليست بالطويلة نمت علاقة صداقة صافية فيها كثير من الود والاحترام. وسمحت الظروف بالتعرف على بعض جوانب هذه الشخصية الإنسانية من خلال تعامله مع الأحداث التي اطلعت على شيء يسير منها أو عبر الحديث والحوارات الثقافية التي كانت تدور بيننا.
اكتشفت أن لهذا الصديق كثيرا من المواقف الإنسانية والخصال الحميدة مثل خصلة الوفاء التي قد تدفعه في بعض الأحيان إلى الدفاع عن القناعات أو الأشخاص الذين يخلص في حبهم بشكل يتجاوز الموضوعية في الطرح.
في غضون حواراتي مع هذه القامة وجدت أغلالاً وقيداً لا يستطيع تجاوزه ولم يفلح في الخروج من سطوته، رغم علمه وشهاداته وخبراته العالية والعالمية؛ كأن في داخله «ماردا» لا يستطيع الخروج عن سطوته، وإن كان قد غلفه بشيء من المنطق المقنع ظاهريًا، وبرره بكثير من الحجج التي تخال أنها موضوعية، هذا المارد أو الإطار الذي يقيده كان الثقافة التي نشأ فيها، والحياة الصعبة التي فتح عينيه عليها.
في طرحي هذا لست بصدد تقييم التجربة الإنسانية وأبعادها وأعماقها لهذه النفس الإنسانية التي عركتها الحياة وطورتها الأحداث. ولست بصدد إعطاء أحكام أو قناعات عن صديق له تجارب وخبرات ومعرفية تستحق الإبحار فيها وسبر أعماقها والاستفادة من تجربته الإنسانية والحياتية والعملية والفكرية.
علاقتي بهذا الصديق أظهرت بوضوح مدى قوة الثقافة التي ننشأ فيها. يقول المفكر إبراهيم البليهي: «الإنسان لا يولد بعقل جاهز وإنما يولد بقابليات فارغة مفتوحة؛ وبالتكامل بين هذه القابليات والحواس يتكوَّن لكل فرد عقل فردي يختلف بأنماطه عن أنماط عقول كل الأفراد الآخرين؛ فالعقل الفردي يكَوِّنه ويحتله ويتحكم به الأسبق إليه، ولهذا تبقى الأنماط العقلية القاعدية دون تغيير مهما تعلم الفرد، فالتعليم يُكَوِّن للفرد أنماطًا منفصلة ومتمايزة عن الأنماط القاعدية، فليس غريبًا أن يكون الشخص عالم ذرة أو طبيبًا أو قاضيًا أو إداريًا ناجحًا ويقف خاشعًا بكل ثقة وإيمان أمام تمثال بوذا... لأن البنية العقلية القاعدية تحتجب في اللاوعي عن فاعلية العقل النقدي الفاحص... إن هذه هي المُعضلة البشرية التي تندلع منها معظم المشكلات البشرية وما تزال لا تنال الاهتمام والمعالجة اللازمين لأنها تحمي ذاتها ببداهة الغفلة فلا يحصل اكتشاف هذا المتحكم الخفي إلا بصدمة تخلخل بداهة الغفلة فيعيش الفرد بداهة اليقظة... ولا يحصل ذلك إلا في حالات فردية نادرة هي التي أنجبت رواد الفكر.
ولولا هذا الانفصال الفردي المتكرر خلال التاريخ وعند مختلف الأمم لما تطورت الحضارة؛ فالحضارة هي نتاج تراكم التطبيقات العامة للومضات الإبداعية الفردية».
إن الثقافة التي ينشأ عليها الشخص تتحكم فيه من حيث يدري ولا يدري. هذه الثقافة تُلقي بظلالها على الشخص وتجعله حبيس إطارها. وقلة هم من يستطيعون الخلاص من هذا الإطار.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com
وخلال مسيرة ليست بالطويلة نمت علاقة صداقة صافية فيها كثير من الود والاحترام. وسمحت الظروف بالتعرف على بعض جوانب هذه الشخصية الإنسانية من خلال تعامله مع الأحداث التي اطلعت على شيء يسير منها أو عبر الحديث والحوارات الثقافية التي كانت تدور بيننا.
اكتشفت أن لهذا الصديق كثيرا من المواقف الإنسانية والخصال الحميدة مثل خصلة الوفاء التي قد تدفعه في بعض الأحيان إلى الدفاع عن القناعات أو الأشخاص الذين يخلص في حبهم بشكل يتجاوز الموضوعية في الطرح.
في غضون حواراتي مع هذه القامة وجدت أغلالاً وقيداً لا يستطيع تجاوزه ولم يفلح في الخروج من سطوته، رغم علمه وشهاداته وخبراته العالية والعالمية؛ كأن في داخله «ماردا» لا يستطيع الخروج عن سطوته، وإن كان قد غلفه بشيء من المنطق المقنع ظاهريًا، وبرره بكثير من الحجج التي تخال أنها موضوعية، هذا المارد أو الإطار الذي يقيده كان الثقافة التي نشأ فيها، والحياة الصعبة التي فتح عينيه عليها.
في طرحي هذا لست بصدد تقييم التجربة الإنسانية وأبعادها وأعماقها لهذه النفس الإنسانية التي عركتها الحياة وطورتها الأحداث. ولست بصدد إعطاء أحكام أو قناعات عن صديق له تجارب وخبرات ومعرفية تستحق الإبحار فيها وسبر أعماقها والاستفادة من تجربته الإنسانية والحياتية والعملية والفكرية.
علاقتي بهذا الصديق أظهرت بوضوح مدى قوة الثقافة التي ننشأ فيها. يقول المفكر إبراهيم البليهي: «الإنسان لا يولد بعقل جاهز وإنما يولد بقابليات فارغة مفتوحة؛ وبالتكامل بين هذه القابليات والحواس يتكوَّن لكل فرد عقل فردي يختلف بأنماطه عن أنماط عقول كل الأفراد الآخرين؛ فالعقل الفردي يكَوِّنه ويحتله ويتحكم به الأسبق إليه، ولهذا تبقى الأنماط العقلية القاعدية دون تغيير مهما تعلم الفرد، فالتعليم يُكَوِّن للفرد أنماطًا منفصلة ومتمايزة عن الأنماط القاعدية، فليس غريبًا أن يكون الشخص عالم ذرة أو طبيبًا أو قاضيًا أو إداريًا ناجحًا ويقف خاشعًا بكل ثقة وإيمان أمام تمثال بوذا... لأن البنية العقلية القاعدية تحتجب في اللاوعي عن فاعلية العقل النقدي الفاحص... إن هذه هي المُعضلة البشرية التي تندلع منها معظم المشكلات البشرية وما تزال لا تنال الاهتمام والمعالجة اللازمين لأنها تحمي ذاتها ببداهة الغفلة فلا يحصل اكتشاف هذا المتحكم الخفي إلا بصدمة تخلخل بداهة الغفلة فيعيش الفرد بداهة اليقظة... ولا يحصل ذلك إلا في حالات فردية نادرة هي التي أنجبت رواد الفكر.
ولولا هذا الانفصال الفردي المتكرر خلال التاريخ وعند مختلف الأمم لما تطورت الحضارة؛ فالحضارة هي نتاج تراكم التطبيقات العامة للومضات الإبداعية الفردية».
إن الثقافة التي ينشأ عليها الشخص تتحكم فيه من حيث يدري ولا يدري. هذه الثقافة تُلقي بظلالها على الشخص وتجعله حبيس إطارها. وقلة هم من يستطيعون الخلاص من هذا الإطار.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com