كتاب ومقالات

المتقاعدون.. النزيف والاستنزاف

عبداللطيف الضويحي

لو كان لدينا تخطيط للموارد البشرية لما استدعينا الحلول الاجتماعية لمشكلاتنا الاقتصادية، ولو كان لدينا تخطيط اجتماعي لما كانت المسافات والمساحات بين من يملك العربة ومن يملك الحصان. ولو كان لدينا تخطيط مالي لأنسنة بنوكنا منتجاتها قبل أن تؤسلمها، ولقدمت برامج ادخارية لموظفي القطاعين العام والخاص، فلا يجد كثير من المتقاعدين أنفسهم على رصيف الجمعيات، ولما وصل بعضهم سن التقاعد قبل أن يملك سكنا وتأمينا صحيا.

ليس كل متقاعد مضطراً للعمل، وليس كل متقاعد خبيراً تماما مثلما أن ليس كل متقاعد عاجزاً عن العمل، وليس كل متقاعد زاهداً بالعمل وميسورا مادياً. فعلينا أن نعترف بشيء من الندم بأن هدرنا للوقت جعلنا نتمادى بهدر طاقاتنا البشرية وفي مقدمة طاقاتنا البشرية المهدرة خبرات المتقاعدين والمتقاعدات، ناهيك عن الفاقد التاريخي للذاكرة الوطنية الجمعية الذي نمارسه من خلال هدرنا لأهم محتوى من محتويات أرشيفنا الوطني الجمعي المتمثل بالمتقاعدين.

ليس المطلوب أن يأخذ المتقاعدون مكان غيرهم من الخريجين والمهنيين الشباب، ولا يجوز أن ينافس المتقاعدون مواطنيهم من العاطلين على فرص، الخريجون أحق بها وأجدر، إنما المطلوب هو وقف هدر الطاقات والخبرات المتراكمة لهؤلاء المتقاعدين حسب مجالاتهم ومستويات خبراتهم.

المتقاعدون ليسوا منافسين للمهنيين والمؤهلين والخريجين من الشباب، ولا يجوز أن يكونوا كذلك، لكن المتقاعدين خبرات فردية رأسية بحاجة إلى جهد مؤسسي لتحويل تلك الخبرات الرأسية إلى خبرات أفقية لتتم الاستفادة منها بشكل مستديم ومنتظم وبطريقة تعود على أصحاب تلك الخبرات بمردود مادي ومعنوي يتساوى مع القيمة الحقيقية لهؤلاء وخبراتهم..

المهمة ليست صعبة أو معقدة، لكنها ليست سهلة في الوقت نفسه، إلا إذا توفرت الجدية والمهنية لتحويل المتقاعدين من كتلة اجتماعية وعبء اجتماعي إلى فرص اقتصادية نوعية. الفرصة مؤاتية والمناخ مناسب الآن في ظل برامج التحول الوطني وضمن أهداف رؤية المملكة، وقد تكون كل هذه الطرق تبدأ بإيجاد شركة حكومية أو شركة تشرف عليها جهة حكومية على أن ينبثق عن هذه الشركة بنك للخبرات الوطنية وأن تتولى هذه الشركة حصر كافة الخبرات الوطنية في قاعدة واحدة مع كشوفات مفصلة بمسارات هذه الخبرات وتصنيفها في مجالات الاستفادة منها بشكل يسهم بتأسيس ثقافة تعيد الاعتبار للخبرات وتضع لها مؤشرات وطنية اقتصادية واجتماعية، فإلى الآن لا توجد مرجعية وطنية لمثل هذه الخبرات وتكون بمثابة بنك وطني لتلك الخبرات. نحن لا نخدم المتقاعدين بهذا المشروع، لكننا نخدم المجتمع والبلد كذلك.

المتقاعدون في المملكة ليسوا فئة طارئة أو استثنائية وأعدادهم هي أرقام مليونية حسب المصادر المتاحة، وهي أرقام يجب ألا تتم قراءتها كمياً فحسب، إنما هي أرقام جديرة بالقراءة النوعية، لما يمثله المتقاعدون من وزن اقتصادي إذا ما تم استثمار تجاربهم الرأسية استثمارا أفقيا.

كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org