ثقافة وفن

«لويز غلوك» تختطف نوبل الأدب بصوتها الشاعري المميز

استعارت شخصيات المثيولوجيا وعالجت فقدان الشهية بأبسط المفردات

الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يقبّل رأس الشاعرة لويز غلوك.

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

بعيداً عن التوقعات وترشيحات النقاد غدا اسم الشاعرة الأمريكية (لويزغلوك) ملء الأسماع واحتلت صورتها شاشات التلفزة ومواقع التواصل لتكون محط الأنظار منذ تسميتها أمس الفائزة بجائزة نوبل للأدب 2020.

وتعد غلوك الفائزة رقم 16 بين الفائزات بنوبل الأدب وانتصرت للشعر مجدداً وأعادت له وهجه في أروقة الأكاديمية السويدية، التي أوضحت في حيثيات قرارها أن غلوك كوفئت «على صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعاً عالمياً على الوجود الفردي» عانت مطلع حياتها من مرض فقدان الشهية العصبي فداوت تعب الجسد بضماد الروح، وفازت مبكراً بالعديد من الجوائز الأدبية منها وسام العلوم الإنسانية الوطنية، وجائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطنية، وجائزة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة بولينجن، وعينت مستشارة أدبية لمكتبة الكونغرس.

ولدت غلوك في الثاني والعشرين من أبريل 1943، وتعلقت من سني الطفولة بالشعر وحفظ القصائد ودرست في كلية سارة لورانس وجامعة كولومبيا لكنها لم تحصل على شهادة، وسرعان ما تعلقت بالشعراء وتعرفت على عوالمهم واختطت لنفسها مساراً للتعبير عن مشاعرها بأبسط المفردات في حين تستعيد الميثيولوجيا والأسطوري لتصنع عالمها الشعري معتمدة على الإيقاع الخفي وتؤكد أنها تحب الأوزان الشعرية إلا أنها تؤثرها خفية.

وترى أنها تشارك جيلها في الطموح وتختلف معهم في تعريفه، ولا تؤمن بنجاح القصيدة المعتمدة على كثرة المعلومات ولا تعده ثراء بل ثقلاً، وتؤكد أن ما لا يقال في النص هو الجاذب لها. وتجنح لتأمل المضمر بين السطور، وتعترف بتواضع غير متكلف أن ما نجهله عن الكون وعن أنفسنا وعن الفناء أوسع مما نعرفه.

توازن (غلوك) بين مسارين يفصل بينهما خيط رفيع وتنجح غالباً في الحفاظ عليه (مجال العادي، السردي، الأوتوبيوغرافي، اليومي، والواقعي) من جهة، و(المجال الإيحائي، الملغز، الميتافيزيقي، الخرافي أو الأسطوري) من جهة مقابلة، لتنسج قصة متعدّدة المستويات حول الحب والزواج والغياب والرغبة والخيانة والغدر. ولم تغب عن نصوصها شخصيات الأوديسة. ويُعد ديوانها الرئيس «افيرنو» (2006) تفسير رؤيوي لنزول بيرسيفونا إلى الجحيم متمثلة سيرة هاديس إله الموت.

وتذهب بعيداً في تمجيد البساطة ضد التعقيد وتعوّل غليك على اللفظة الواحدة المتفاعلة مع المعنى المتكامل في النص، ولفتت تجربتها النقاد وفازت مجموعتها «القزحية المتوحشة» بجائزة «البوليتزر» المرموقة، ونالت سابقاً جائزة «ناشيونال بوك كريتيك سيركل» عن مجموعة «انتصار أخيل»، ثم اختيرت «شاعرة أميركا المتوجة» بعد بيلي كولينز، وعملت في تحرير سلسلة «يال للشعراء الشباب» بين 2004 - 2007. وبدأت نشر مجموعاتها منذ عام 1968 ومنها البكر والبيت في مارشلاند، والحديقة، وانتصار أخيل، وأرارات، والمجموعات الأربع (المروج، فيتانوفا، الحياة الجديدة، العصور السبعة. وتعمل غلوك حالياً أستاذاً مساعداً وكاتبة مقيمة ضمن برنامج روسينكرانز فى جامعة ييل. وتعيش فى كامبريدج فى ماساتشوستس.

من نصوصها المترجمة

(أغنية بينيلوب)

أيتها الروح الصغيرة، الصغيرة المتجرّدة أبداً

افعلي الآن ما أرجوك أن تفعليه، تسلّقي

أغصان شجرة الصنوبر الشبيهة بالرفوف،

انتظري في الأعلى، متنبهة، مثل

حَرَس أو رقيب. لن يطول الوقت حتى يعود إلي بيته

يتعيّن عليكِ أن تكوني

كريمة. أنتِ لم تكوني

كاملة الأوصاف، بجسدكِ المُرْبِكِ

فعلتِ أشياء ما كان ينبغي

أن تناقشها القصائد.

ولهذا

نادي عليه من خلال المياه المفتوحة

والمياه اللامعة

بأغنيتكِ المظلمة، الطامعة،

أغنيتكِ غير المألوفة، الجيّاشة

مثل ماريا كالاس.

مَن الذي لن يشتهيكِ؟

وهل يمكن أن تفشلي

في تلبية أيّة شهيّة شيطانية؟

سرعان ما سيعود من حيث يذهب،

مُسْمَرّ البشرة من فرط الغياب، توّاقاً

إلي دجاجاته المشوية. آه، ينبغي أن تُحَيّيهِ

ينبغي أن تهزّي أغصان الشجرة

لكي تلفتي انتباهه،

بحذر مع ذلك، بحذر، لئلا

يتشوّه وجهه الجميل

بالكثير من الإبر الساقطة.

(قصيدة حبّ)

ثمة على الدوام شيء يُصنع من الألم

أمُّكَ منكبّة على الحياكة

تحوّل الشالات إلى تلاوين الأحمر كلّها

كانت برسم عيد الميلاد، وكانت تدفئكَ

وهي تنتقل من زيجة إلى زيجة، تصطحبكَ

معها كيف تمكّنتْ من هذا

حين خزّنَتْ قلبها المترمّل طيلة هذه السنين

تماماً كما يؤوب الموتى؟

لا عجبَ أنكَ كما أنت اليوم،

تخاف الدمّ، ونساؤكَ

يتعاقبنَ مثل أحجار الجدار، واحدة تلو الأخرى.

كم هي بديعة،

كأنّ أجسادها لا تعترض سبيلها.

تنزلق خفيفة في العراء

تعبر أشعة الشمس ذات الألواح البرونزية.

ما الذي يجعلها تقف ساكنة هكذا

إذا لم تكن تنتظر؟

لابثة بلا حراك، حتى تصدأ أقفاصها،

والشجيرات ترتعش في الريح

جالسة القرفصاء، عارية من الأوراق.

ليس عليكَ سوى أن تترك الأمر يحدث:

تلك الصرخة - (أطلقها، أطلقها) - مثل القمر

الذي غضّنته الأرض فصعدَ

ممتلئاً بدائرة سهامه.

هكذا حتى تجدهم أمامكَ

مثل أشياء ميّتة، الأجساد صهواتها وأنتَ تعتليها، جريحاً وقاهراً.