سفينة السعودية.. في بحر أمريكا الغزير !
الخميس / 28 / صفر / 1442 هـ الخميس 15 أكتوبر 2020 00:21
محمد الساعد
لعل من المصادفات أن العلاقة السعودية الأمريكية بدأت على ظهر سفينة عندما التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر البارجة كوينسي، ولا زالت تلك السفينة تسير في بحر العلاقات بين واشنطن والرياض وتعبر تقلبات السياسة بثبات ورشاقة، على الرغم من تغير الظروف وتقلب الأجواء.
لكن المؤكد أن البحر الأمريكي غزير جدا وعلى قائد السفينة السعودية أن يعبر تلك المياه الغزيرة بحرفية عالية، فأحيانا يعلو الموج حتى يصبح كالجبال العالية، وفي أوقات كثيرة تكون المياه هادئة تعبر من خلالها السفن السعودية بكل سهولة ويسر، إلا أن المدهش هو المرونة السعودية العالية في التعامل مع أهوال وأجواء تلك العلاقة واللياقة الرياض التي استطاعت الرسو دائما في بر الأمان، على الرغم من تغير المرسى كل أربعة أعوام.
كانت ولا زالت العلاقة بين الرياض وواشنطن علاقة بين دولتين وعاصمتين، تتأثر بشكل واضح بطبيعة اهتمامات الرئيس الأمريكي وتوجهاته خلال فترة رئاسته، بينما السياسة في الرياض ثابتة منذ وضع إستراتيجيتها المؤسس لليوم.
ولعلنا نتذكر حديث الأمير بندر بن سلطان (السفير) ورئيس جهاز الأمن الوطني الأسبق في أحد اللقاءات التلفزيونية القديمة عندما شرحها قائلاً: إن بعض الرؤساء ومن الحزبين يأتي لكرسي الرئاسة ولديه معلومات مشوشة أو غير واضحة عن الرياض وطريقة تعاملها مع الملفات السياسية، لكن ذلك الرئيس سرعان ما يستطيع تمييز الرياض عن غيرها، فهي صادقة ما تقوله في العلن هو ما تقوله في السر وليس لديها أجندات ضد أحد.
بهذه الكلمات عبر بندر بن سلطان عن طبيعة علاقة بلاده مع العالم وهو أمر استمر منذ الملك عبدالعزيز ومن بعده الملوك السعوديون حتى الملك سلمان.
ولا شك فقد شهدت العلاقات السعودية الأمريكية محطات عديدة من الجيد التذكير بها خلال اللقاء الإستراتيجي المنعقد بين البلدين هذه الأيام في واشنطن.
كان اللقاء الأول بين الملك عبدالعزيز والرئيس «الديموقراطي» روزفلت هو المفتاح الذي دلفت منه العلاقات وكان مؤذنا بشراكة استمرت لأكثر من ثمانين عاما، ليأتي اكتشاف الزيت على أيدي شركة أمريكية ليعظم من تلك العلاقة وينقلها إلى شراكة حقيقية.
ولكن مع مجيء الرئيس الأمريكي الديموقراطي «جون كيندي» العام 1961، ارتفع الموج الأمريكي وبدأ النظر للمنطقة بشكل مختلف ومنها السعودية التي استطاعت استيعاب المد العالي «الكيندي» والمرور منه بسلاسة.
في العام 1973 كان حتميا على السفينة السعودية اتخاذ موقف صارم من الانحياز الأمريكي ضد القضايا العربية بالأخص الموقف من حرب أكتوبر 73، لتسارع الإدارة الأمريكية للرياض بحثا عن مخارج تخفف من الغضب السعودي، والتي وجدها كيسنجر في الخيمة الصحراوية التي استقبله فيها الفيصل في رسالة واضحة تقول قد نتخلى عن السفينة والبحر ونعود لسفينة الصحراء، فهم البيت الأبيض تلك الرسالة واستوعب غضبة الرياض.
المحطة الرابعة كانت الشراكة في المجهود المقاوم للمد الشيوعي في العالم والذي اتضح بشكل جلي في الدعم لعسكري والسياسي للمقاومين الأفغان ضد الاحتلال الروسي، والمجهود العراقي ضد محاولات احتلال إيران للبوابة العربية الشرقية (العراق).
المحطة الخامسة هي صفقة الصواريخ البالستية التي تعاملت معها واشنطن بصدمة، وأدارتها الرياض باستقلالية وصلابة دفعت واشنطن للتراجع بعدما طرد الفهد السفير الأمريكي في الرياض بسبب وقاحة تدخله في الشأن الداخلي السعودي.
سادس المحطات كانت القناعة الأمريكية بالحجة السعودية في قضية احتلال الكويت، ودعمها للمجهود العسكري السعودي والانخراط في التحالف الدولي الذي استطاع تحرير الكويت.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت العاصفة الأكبر التي واجهت السفينة السعودية بل الخطر الداهم الذي كاد أن يعصف بالعلاقة ويقضي عليها لولا حكمة القيادتين وقناعتهما بأن ما حدث كان مخططا له للإيقاع بين الشريكين، خاصة من قوى معادية للرياض كانت بلا شك قطر وإيران والإخوان.
جاء الخريف العربي ليكون حدا فاصلا بين المصالح السعودية والمصالح الأمريكية أثبتت فيها الرياض ما كنت تفعله دائما إستراتيجية تقول: «السعودية أولا»، ففي البحرين ومصر وعلى الرغم من الأعاصير «الاوبامية» رست سفينة الرياض من المنامة والقاهرة دون أن يرف لها جفن، ولعل من المفيد التذكير بتصريح الملك سلمان في البيت الأبيض وعلى مسامع باراك أوباما خلال زيارته لواشنطن في أول رحلة لها بعد تقلده ملك بلاده، (إن السعودية مستقرة وليست في حاجة لأحد، لكنها تريد الاستقرار للمنطقة، كما أكد على أن أول لقاء للملك عبدالعزيز بروزفلت كان في «البحر»، مشيرا إلى أن العلاقة بين البلدين مفيدة للعالم وليس للسعودية وأمريكا فقط).
اليوم ومع احتمال تغير الإدارة الأمريكية الحالية خلال الانتخابات الوشيكة لا تزال الرياض تتعامل مع واشنطن كدولة صديقة يتغير رجالها وقادتها، لكن العلاقة تبقى ثابتة وراسخة مع المؤسسات، تتعامل بالتأكيد مع المتغيرات لكنها تحافظ على القواعد الأساسية.
كاتب سعودي
massaaed@
لكن المؤكد أن البحر الأمريكي غزير جدا وعلى قائد السفينة السعودية أن يعبر تلك المياه الغزيرة بحرفية عالية، فأحيانا يعلو الموج حتى يصبح كالجبال العالية، وفي أوقات كثيرة تكون المياه هادئة تعبر من خلالها السفن السعودية بكل سهولة ويسر، إلا أن المدهش هو المرونة السعودية العالية في التعامل مع أهوال وأجواء تلك العلاقة واللياقة الرياض التي استطاعت الرسو دائما في بر الأمان، على الرغم من تغير المرسى كل أربعة أعوام.
كانت ولا زالت العلاقة بين الرياض وواشنطن علاقة بين دولتين وعاصمتين، تتأثر بشكل واضح بطبيعة اهتمامات الرئيس الأمريكي وتوجهاته خلال فترة رئاسته، بينما السياسة في الرياض ثابتة منذ وضع إستراتيجيتها المؤسس لليوم.
ولعلنا نتذكر حديث الأمير بندر بن سلطان (السفير) ورئيس جهاز الأمن الوطني الأسبق في أحد اللقاءات التلفزيونية القديمة عندما شرحها قائلاً: إن بعض الرؤساء ومن الحزبين يأتي لكرسي الرئاسة ولديه معلومات مشوشة أو غير واضحة عن الرياض وطريقة تعاملها مع الملفات السياسية، لكن ذلك الرئيس سرعان ما يستطيع تمييز الرياض عن غيرها، فهي صادقة ما تقوله في العلن هو ما تقوله في السر وليس لديها أجندات ضد أحد.
بهذه الكلمات عبر بندر بن سلطان عن طبيعة علاقة بلاده مع العالم وهو أمر استمر منذ الملك عبدالعزيز ومن بعده الملوك السعوديون حتى الملك سلمان.
ولا شك فقد شهدت العلاقات السعودية الأمريكية محطات عديدة من الجيد التذكير بها خلال اللقاء الإستراتيجي المنعقد بين البلدين هذه الأيام في واشنطن.
كان اللقاء الأول بين الملك عبدالعزيز والرئيس «الديموقراطي» روزفلت هو المفتاح الذي دلفت منه العلاقات وكان مؤذنا بشراكة استمرت لأكثر من ثمانين عاما، ليأتي اكتشاف الزيت على أيدي شركة أمريكية ليعظم من تلك العلاقة وينقلها إلى شراكة حقيقية.
ولكن مع مجيء الرئيس الأمريكي الديموقراطي «جون كيندي» العام 1961، ارتفع الموج الأمريكي وبدأ النظر للمنطقة بشكل مختلف ومنها السعودية التي استطاعت استيعاب المد العالي «الكيندي» والمرور منه بسلاسة.
في العام 1973 كان حتميا على السفينة السعودية اتخاذ موقف صارم من الانحياز الأمريكي ضد القضايا العربية بالأخص الموقف من حرب أكتوبر 73، لتسارع الإدارة الأمريكية للرياض بحثا عن مخارج تخفف من الغضب السعودي، والتي وجدها كيسنجر في الخيمة الصحراوية التي استقبله فيها الفيصل في رسالة واضحة تقول قد نتخلى عن السفينة والبحر ونعود لسفينة الصحراء، فهم البيت الأبيض تلك الرسالة واستوعب غضبة الرياض.
المحطة الرابعة كانت الشراكة في المجهود المقاوم للمد الشيوعي في العالم والذي اتضح بشكل جلي في الدعم لعسكري والسياسي للمقاومين الأفغان ضد الاحتلال الروسي، والمجهود العراقي ضد محاولات احتلال إيران للبوابة العربية الشرقية (العراق).
المحطة الخامسة هي صفقة الصواريخ البالستية التي تعاملت معها واشنطن بصدمة، وأدارتها الرياض باستقلالية وصلابة دفعت واشنطن للتراجع بعدما طرد الفهد السفير الأمريكي في الرياض بسبب وقاحة تدخله في الشأن الداخلي السعودي.
سادس المحطات كانت القناعة الأمريكية بالحجة السعودية في قضية احتلال الكويت، ودعمها للمجهود العسكري السعودي والانخراط في التحالف الدولي الذي استطاع تحرير الكويت.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت العاصفة الأكبر التي واجهت السفينة السعودية بل الخطر الداهم الذي كاد أن يعصف بالعلاقة ويقضي عليها لولا حكمة القيادتين وقناعتهما بأن ما حدث كان مخططا له للإيقاع بين الشريكين، خاصة من قوى معادية للرياض كانت بلا شك قطر وإيران والإخوان.
جاء الخريف العربي ليكون حدا فاصلا بين المصالح السعودية والمصالح الأمريكية أثبتت فيها الرياض ما كنت تفعله دائما إستراتيجية تقول: «السعودية أولا»، ففي البحرين ومصر وعلى الرغم من الأعاصير «الاوبامية» رست سفينة الرياض من المنامة والقاهرة دون أن يرف لها جفن، ولعل من المفيد التذكير بتصريح الملك سلمان في البيت الأبيض وعلى مسامع باراك أوباما خلال زيارته لواشنطن في أول رحلة لها بعد تقلده ملك بلاده، (إن السعودية مستقرة وليست في حاجة لأحد، لكنها تريد الاستقرار للمنطقة، كما أكد على أن أول لقاء للملك عبدالعزيز بروزفلت كان في «البحر»، مشيرا إلى أن العلاقة بين البلدين مفيدة للعالم وليس للسعودية وأمريكا فقط).
اليوم ومع احتمال تغير الإدارة الأمريكية الحالية خلال الانتخابات الوشيكة لا تزال الرياض تتعامل مع واشنطن كدولة صديقة يتغير رجالها وقادتها، لكن العلاقة تبقى ثابتة وراسخة مع المؤسسات، تتعامل بالتأكيد مع المتغيرات لكنها تحافظ على القواعد الأساسية.
كاتب سعودي
massaaed@