ديمقراطية في أزمة!
الاثنين / 10 / ربيع الأول / 1442 هـ الثلاثاء 27 أكتوبر 2020 00:22
طلال صالح بنان
الولايات المتحدة الأمريكية هي أول ديمقراطية حديثة، مقارنة بالديمقراطيات البرلمانية الغربية التقليدية. الولايات المتحدة ديمقراطية فتية، يقترب عمر تجربتها الفذة، من القرنين ونصف، فقط.
سر قوة، بل عظمة الولايات المتحدة، ليس في وفرة مواردها الطبيعية.. ولا تقدمها التكنولوجي، ولا تفوقها العلمي، فحسب... بل أكثر: عبقرية نظامها السياسي، الأكثر استقرارا، بصيغته الرئاسية الفذة. الاستقرار هنا يُقاس بالنمطية المنضبطة، التي تتحكم في حركة نظامها السياسي.. وتضبط إيقاع دورية مؤسساته الفيدرالية، بفترات زمنية دقيقة، تضمن استقراراً للحكم، مع توقع حركة تغييراته، بدقة متناهية.
وكذا أخذ النظام السياسي الأمريكي بصيغة مرنة ومتداخلة للفصل بين السلطات. إلا أن آلية تداول السلطة السلمي، تُعتبر من أبرز مظاهر استقرار الحكومة الأمريكية، بمؤسساتها الرسمية الثلاث. آلية التدول السلمي للسلطة، لم يُنص عليها في الدستور صراحةً، بقدر ما تطورت بعرفٍ سياسي، صبغَ الديمقراطيةَ الأمريكية، بتواترٍ نمطيٍ متكرر، في منتهى الدقة والسلاسة.
لم يحدث في تاريخ الممارسة الديمقراطية الأمريكية أن تلكأت سلطة قائمة، في تسليم السلطة لأخرى قادمة، تنفيذاً لإرادة الناخب الأمريكي. أحياناً قد يُلجأ إلى القضاء في حسم نتيجة الانتخابات، إذا كانت النتيجة متقاربة.. أو ظهرت صعوبات وجيهة في إحصاء بعض الأصوات... لكن لم يحدث أن كان سبب تعطيل آلية التداول السلمي للسلطة، بادعاءات يجرمها القانون، مثل الدفع بتزوير الانتخابات، بقصد التلاعب بنتيجتها.
لكن ما يتطور هذه الأيام من ممارسات غير مواتية.. وسلوكيات غير مألوفة، تَشِي بإمكانية تعطيل آلية التداول السلمي للسلطة، مختلفةً عن الدستور والعرف، افتِئاتاً على إرادة الناخب الأمريكي، إنما هو تطورٌ خطيرٌ، من شأنه إدخال البلد في نفقٍ مظلمٍ من عدم الاستقرار.
المشكلة، هنا، ليست في حدة الخطاب السياسي، بين مرشحي الرئاسة، الذي تجاوز النبرة التقليدية المتعارف عليها، تاريخياً، بل التهديد بعدم الاحتكام لنتيجة الانتخابات والاعتراف بها. لأول مرة في التاريخ، يعلن رئيس يسعى لفترة رئاسية ثانية، إمكانيةَ طعنه في نتيجة الانتخابات قبل إجرائها.
هذا التطور السلبي المحتمل، الذي ينال من تاريخ طويل للامتثال لإرادة الناخب والاحتكام لآلية التداول السلمي للسلطة، ولصيغة مدنية الممارسة الديمقراطية وعدم تدخل مؤسسات فرض القانون، خارج نطاق القانون نفسه وحكم القضاء، إنما هو أخطر ما يواجه استقرار النظام السياسي الأمريكي، ويجعله إلى حدٍ كبيرٍ، ينحدرُ إلى مستوياتِ فسادِ الأنظمة المتخلفة، في مجتمعات العالم الثالث.
أسبوعٌ واحدٌ فقط يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يوم الثلاثاء القادم.. ولأول مرة في تاريخ الممارسة الديمقراطية الأمريكية يرتفع مستوى الشك، في احترام طرفي الصراع السياسي، للدستور وعرف الممارسة السياسية السلمي... وقبل كل ذلك إرادة الناخب الأمريكي.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
سر قوة، بل عظمة الولايات المتحدة، ليس في وفرة مواردها الطبيعية.. ولا تقدمها التكنولوجي، ولا تفوقها العلمي، فحسب... بل أكثر: عبقرية نظامها السياسي، الأكثر استقرارا، بصيغته الرئاسية الفذة. الاستقرار هنا يُقاس بالنمطية المنضبطة، التي تتحكم في حركة نظامها السياسي.. وتضبط إيقاع دورية مؤسساته الفيدرالية، بفترات زمنية دقيقة، تضمن استقراراً للحكم، مع توقع حركة تغييراته، بدقة متناهية.
وكذا أخذ النظام السياسي الأمريكي بصيغة مرنة ومتداخلة للفصل بين السلطات. إلا أن آلية تداول السلطة السلمي، تُعتبر من أبرز مظاهر استقرار الحكومة الأمريكية، بمؤسساتها الرسمية الثلاث. آلية التدول السلمي للسلطة، لم يُنص عليها في الدستور صراحةً، بقدر ما تطورت بعرفٍ سياسي، صبغَ الديمقراطيةَ الأمريكية، بتواترٍ نمطيٍ متكرر، في منتهى الدقة والسلاسة.
لم يحدث في تاريخ الممارسة الديمقراطية الأمريكية أن تلكأت سلطة قائمة، في تسليم السلطة لأخرى قادمة، تنفيذاً لإرادة الناخب الأمريكي. أحياناً قد يُلجأ إلى القضاء في حسم نتيجة الانتخابات، إذا كانت النتيجة متقاربة.. أو ظهرت صعوبات وجيهة في إحصاء بعض الأصوات... لكن لم يحدث أن كان سبب تعطيل آلية التداول السلمي للسلطة، بادعاءات يجرمها القانون، مثل الدفع بتزوير الانتخابات، بقصد التلاعب بنتيجتها.
لكن ما يتطور هذه الأيام من ممارسات غير مواتية.. وسلوكيات غير مألوفة، تَشِي بإمكانية تعطيل آلية التداول السلمي للسلطة، مختلفةً عن الدستور والعرف، افتِئاتاً على إرادة الناخب الأمريكي، إنما هو تطورٌ خطيرٌ، من شأنه إدخال البلد في نفقٍ مظلمٍ من عدم الاستقرار.
المشكلة، هنا، ليست في حدة الخطاب السياسي، بين مرشحي الرئاسة، الذي تجاوز النبرة التقليدية المتعارف عليها، تاريخياً، بل التهديد بعدم الاحتكام لنتيجة الانتخابات والاعتراف بها. لأول مرة في التاريخ، يعلن رئيس يسعى لفترة رئاسية ثانية، إمكانيةَ طعنه في نتيجة الانتخابات قبل إجرائها.
هذا التطور السلبي المحتمل، الذي ينال من تاريخ طويل للامتثال لإرادة الناخب والاحتكام لآلية التداول السلمي للسلطة، ولصيغة مدنية الممارسة الديمقراطية وعدم تدخل مؤسسات فرض القانون، خارج نطاق القانون نفسه وحكم القضاء، إنما هو أخطر ما يواجه استقرار النظام السياسي الأمريكي، ويجعله إلى حدٍ كبيرٍ، ينحدرُ إلى مستوياتِ فسادِ الأنظمة المتخلفة، في مجتمعات العالم الثالث.
أسبوعٌ واحدٌ فقط يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يوم الثلاثاء القادم.. ولأول مرة في تاريخ الممارسة الديمقراطية الأمريكية يرتفع مستوى الشك، في احترام طرفي الصراع السياسي، للدستور وعرف الممارسة السياسية السلمي... وقبل كل ذلك إرادة الناخب الأمريكي.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com