أخبار

3 November بدء الحرب على «البيت الأبيض»

معرفة نتيجة الاقتراع الرئاسي قد تتأخر حتى ديسمبر.. وانقسامات الأمريكيين تمنع تعديل نظامهم الانتخابي

«عكاظ» (واشنطن) OKAZ_online@

الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، ليست كأي انتخابات مماثلة شهدتها الولايات المتحدة عبر قرنين، أو ما قد يزيد على ذلك؛ إذ إن جائحة فايروس كورونا الجديد المستمرة منذ اندلاعها في ديسمبر 2019، في الصين، تلقي بظلال كثيفة على هذه الانتخابات التي من المقرر أن تجري الثلاثاء القادم، الذي يصادف الثالث من نوفمبر 2020. وهي بلا شك ظلال كثيفة، لأنها قد تطيح بسيد البيت الأبيض الحالي، الرئيس دونالد ترمب. وستكون أيضاً تركة ثقيلة لأي رئيس جديد؛ في حال كان النصر حليفاً للمرشح الديموقراطي جو بايدن، الذي عمل نائباً للرئيس السابق باراك أوباما. وقد أثرت الجائحة على سير الانتخابات، خصوصاً بعدما تم تأكيد إصابة الرئيس ترمب بالفايروس مطلع أكتوبر. كما أن كثيراً من الأمريكيين يخشون أن يصابوا بالفايروس إذا خرجوا للإدلاء بأصواتهم في الثالث من نوفمبر. لذلك عمد هؤلاء الى الإدلاء بأصواتهم من خلال البريد. ويقول الخبراء المتخصصون في متابعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية إن إقبال أكثر من 70 مليون ناخب على الاقتراع من خلال البريد سيؤدي إلى تأخير ظهور نتيجة الانتخابات. وقد يستغرق ذلك أياماً، وربما أسابيع. وبما أن التوقعات تشير إلى أن الجائحة ستظل عاملاً مؤثراً في حياة الشعب الأمريكي حتى حلول الخريف القادم، فسيدوِّنُ التاريخ رئاسيات 2020 باعتبارها أكثر انتخابات غير تقليدية تشهدها الولايات المتحدة منذ تأسيسها.

ولم يخفِ الرئيس ترمب استياءه من القرار الذي قضى بالسماح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم مبكراً في مكاتب البريد الأمريكي، محذراً -في تغريدة- من أن ذلك سيسمح بتزوير الاقتراع، وبالتالي إلى نتيجة مغشوشة. وقال ترمب إنه على رغم استخدامه هذه الطريقة في الاقتراع في أوقات سابقة من حياته، إلا أنها تتيح فرصاً لغش التصويت.

ومما تنبغي الإشارة إليه أن تاريخ الاقتراع لانتخاب رئيس للولايات المتحدة ليس مضمناً في الدستور الأمريكي. لكن العادة جرت على إجراء الانتخابات الرئاسية في يوم الثلاثاء التالي لأول يوم إثنين في نوفمبر. ويعني ذلك من ناحية فنية صرف أنه يمكن تغيير هذا اليوم بأي يوم آخر.

ويملك مجلسا الكونغرس (الشيوخ والنواب) وحدهما حق تأجيل يوم الاقتراع. بيد أن ذلك يكاد يكون مستحيلاً في الوقت الراهن، لأن مجلس النواب تسيطر عليه غالبية ديموقراطية، فيما يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. لذلك يستحيل أن يتوصل المجلسان الى إجماع إذا كانت ثمة رغبةٌ في تأجيل يوم الاقتراع. لكن الدستور ينص صراحة على أن الرئيس الجديد الذي تسفر الانتخابات عن فوزه بالرئاسة يجب أن يتم تنصيبه، ويؤدي القسم في 20 يناير.

تعقيدات النظام الانتخابي الأمريكي

يعد نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية غاية في التعقيد؛ إذ إن الشعب الأمريكي يصوّت لصالح أشخاص يسمون «الناخبين» في ولاياتهم. وتسمى هذه العملية «الكلية الانتخابية». وكلما كثر عدد سكان الولاية كان عدد ناخبيها كبيراً. ففي ولاية كاليفورنيا، التي يقطنها 38.8 مليون نسمة، هناك 55 صوتاً في الكلية الانتخابية. وفي ولاية ديلوير، التي لا يزيد عدد سكانها على 936 ألفاً، هناك ثلاثة أصوات فقط في الكلية الانتخابية. ويصل مجموع «الناخبين» في الكليات الانتخابية في جميع الولايات إلى 528 ناخباً، يعادلون عدد أعضاء مجلس النواب البالغ 435 نائباً، إضافة إلى أعضاء مجلس الشيوخ البالغ 100 مشرع، علاوة على ثلاثة ناخبين إضافيين لمنطقة كولومبيا. ويحظر الدستور الأمريكي على أي موظف فيدرالي؛ سواء أكان منتخباً أو معيناً، أن يكون «ناخباً». ويعتبر المرشح فائزاً بالرئاسة إذا حصل على أكبر عدد من الكليات الانتخابية بالولايات. ويعلن أول مرشح يحصل على 270 صوتاً انتخابياً رئيساً جديداً للبلاد.

ولا يقل عدد الأصوات الانتخابية في كل كلية انتخابية لكل ولاية عن ثلاثة أصوات، في تساوٍ دقيق مع عدد ممثليها في مجلسي النواب والشيوخ. وخصصت ثلاثة أصوات انتخابية لواشنطن. وهناك ولايتان؛ هما ماين ونبراسكا، إذا فاز المرشح بمعظم أصوات الناخبين فيهما فإنه يحصل تلقائياً على الأصوات الانتخابية الثلاثة للكلية الانتخابية في كل منهما. ويعني ذلك أن المرشح الرئاسي الذي يريد الفوز يجب أن يحصل على غالبية من أصوات الكليات الانتخابية البالغ عددها 538 كلية انتخابية. أي أنه يجب أن يحصل على 270 صوتاً على الأقل من تلك الكليات الانتخابية.

ويعني ذلك أن أصوات الكليات الانتخابية تمثل انعكاساً للأصوات الشعبية. ولذلك خسر خمسة مرشحين للرئاسة في أوقات سابقة الأصوات الشعبية، لكنهم فازوا بأصوات الكليات الانتخابية. وغير بعيد من ذلك فوز ترمب في انتخابات عام 2016 بالكليات الانتخابية، في حين فازت منافسته هيلاري كلينتون بالأصوات الشعبية. ولكي تكون رئيساً للولايات المتحدة يشترط الدستور ألا يقل عمرك عن 35 عاماً، وأن تكون مولوداً في الولايات المتحدة، وأن تكون مقيماً في الولايات المتحدة ما لا يقل عن 14 عاماً. ولا يحق للرئيس أن يتولى الرئاسة لأكثر من ولايتين رئاسيتين. والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت، الذي أعيد انتخابه لولاية ثالثة خاصة في أتون معارك الحرب العالمية الثانية.

وعلى رغم أن الانتخابات الرئاسية تجري عادة بين متنافسين؛ ينتمي أحدهما إلى الحزب الجمهوري، والآخر إلى الحزب الديموقراطي؛ فقد يدخل حلبة المنافسة مرشحون مستقلون؛ ومنهم هذا العام كاني ويست، المتزوج من كيم كارديشيان. غير أن فرص المرشح المستقل تكاد تكون معدومة. وفي حين تبدو عملية اختيار كل من الحزبين لمرشحيهما واضحة وسهلة؛ خلال مؤتمرات عامة تعقد في الصيف؛ إلا أن النظام الانتخابي الأمريكي نفسه ليس مباشراً وسهلاً. فقد رفض الآباء المؤسسون للولايات المتحدة في عام 1787 أن تقتصر انتخابات الرئاسة على الأصوات الشعبية. لأنهم كانوا يخشون أن يكون للأصوات الشعبية دور أكبر من حجمها الحقيقي في اختيار الرئيس الأمريكي. لذلك قرروا اختيار النظام الذي تتبعه كلية الكاردينالات الرومان كاثوليك لاختيار البابا. وذلك اعتقاداً من أولئك القادة المؤسسين أن الأشخاص الأكثر معرفة ودراية في كل ولاية يستطيعون اختيار الرئيس بناء على قدراته في القيادة والإدارة، وليس بناء على الولاءات الولائية. لهذا فإن الناخبين الأمريكيين حين يدلون بأصواتهم في الثالث من نوفمبر فإنما يصوتون لمن سينتخبون الرئيس، وليس للمرشحين مباشرة.

الولايات المتأرجحة

يتردد هذا التعبير كثيراً خلال حملات الانتخابات الرئاسية. والمقصود بالولايات المتأرجحة هي الولايات التي صوتت خلال انتخابات سابقة لمرشحين ينتمون إلى الحزبين المتنافسين؛ أي أنها ولايات ليست مضمونة للحزب الجمهوري، ولا الديموقراطي. وعادة ما تكون هذه الولايات المتأرحجة مفتاح الانتصار لأحد المرشحيْن. والولايات المتأرجحة هذه السنة هي كاورلينا الشمالية، وفلوريدا، وميتشيغان، وويسكونسن، وأريزونا.

إذاً، ماذا يحدث في الثالث من نوفمبر؟ يخرج الناخبون الذين لم يدلوا بأصواتهم في مكاتب البريد للإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع. وفي نهاية ذلك اليوم يبدأ فرز الأصوات وعدّها. وعادة ما يقوم ملايين الأمريكيين بالاقتراع في ذلك اليوم. وتختلف مواعيد بدء الاقتراع وانتهائه من ولاية الى أخرى. وتسمح بعض الولايات لمن وقفوا طويلاً في طوابير الناخبين بالإدلاء بأصواتهم. بينما لا تسمح بذلك ولايات أخرى، تعتبر أن موعد إغلاق صناديق الاقتراع مقدس ولا يمكن تغييره. وجرت العادة أن تفتح مراكز الاقتراع في غالبية الولايات في الساعة السادسة صباحاً، وتبقى مفتوحة حتى التاسعة مساء. ويسمح بعض الولايات لمن يستيقظون مبكراً بالاقتراع منذ الخامسة صباحاً، كما هي الحال في ولاية فيرمونت. وعادة ما تغلق مراكز الاقتراع أبوابها عند التاسعة مساء الثالث من نوفمبر (الخامسة صباح 4 نوفمبر بتوقيت المملكة العربية السعودية).

ومع أنه يجب، من ناحية نظرية، أن تصل الأصوات التي تم الإدلاء بها في مقار هيئة البريد إلى اللجنة الرئيسية للانتخابات بعد يومين أو ثلاثة من الثالث من نوفمبر؛ إلا أن بعض الولايات ترسلها متأخرة، ومنها ولايتا بنسلفانيا، وكارولينا الشمالية، اللتان ترسلان الأصوات البريدية بحلول السادس من نوفمبر. وتقوم ولاية نيفادا بإرسال أصواتها البريدية بحلول 10 نوفمبر. أما ولاية أوهايو فإنها ترسلها بحلول 13 نوفمبر. وتبدأ كل ولاية عدّ أصواتها بحلول 10 نوفمبر. وهي عملية قد تتأخر إذا تقررت إعادة عد الأصوات. ويتعين على جميع الولايات -عدا كاليفورنيا- تقديم شهادة بصحة عدد أصواتها بحلول 8 ديسمبر. ويتعين حل أي خلاف على صحة الأصوات، أو المطالبة بإعادة الفرز، بحلول ذلك اليوم من الشهر الأخير في السنة. وعادة يقوم «الناخبون» (أصوات الكلية الانتخابية) بالإدلاء بأصواتهم في 14 ديسمبر. ويقومون بإرسالها إلى واشنطن. ولذلك فإن معرفة الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية لن تتحقق بالسرعة التي يتصورها كثيرون.

الفائز بالكلية والفائز بالأصوات الشعبية

من مفارقات نظام الانتخاب الرئاسي الأمريكي -كما أسلفنا- أن من قد يكسب أصوات الناخبين الأفراد، الذين يخرجون للإدلاء بأصواتهم عبر البريد أو شخصياً في 3 نوفمبر- قد يخسر المعركة، ليفوز بها منافسه الذي حصل على غالبية أصوات الكليات الانتخابية. وهذا هو السبب الذي فاز به دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة في عام 2016. وكان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة منقسمين على أنفسهم، بين من يريدون انتخاب الرئيس بالصوت الشعبي المباشر، وبين من يريدون أن يكون قرار الكونغرس هو الحاسم في تحديد من سيحكم الولايات المتحدة. ولم يكن نظام الحملات الانتخابية، والمناظرات الرئاسية أمراً شائعاً عندما تم الاتفاق على مسألة الكليات الانتخابية في عام 1787. وكان الخوف أن ترجح ولايات كفة أبنائها ليحكموا البلاد، أو أن تهيمن الولايات ذات الكثافة السكانية العالية على الأصوات.

ولكي يتم إعلان الفائز بالانتخابات الرئاسية يتعين على المرشح أن يحصل على النصف زائد واحد من عدد أصوات الكليات الانتخابية؛ أي 271 ناخباً من مجموع 538 ناخباً في الكليات الانتخابية. وما حدث في سنة 2016 هو أن هيلاري كلينتون، وهي وزيرة خارجية سابقة، وسيدة أولى سابقة، فازت بفارق يزيد على 2.9 مليون صوت شعبي، خصوصاً في الولايات ذات الكثافة السكانية العالية، كنيويورك، وكاليفورنيا. لكن ترمب فاز بهامش ضئيل في الكلية الانتخابية.

هل يعني ذلك أن نظام الكلية الانتخابية باقٍ في أمريكا على رغم استياء غالبية كبيرة منه؟ إن إلغاءه يتطلب تعديل الدستور الأمريكي المكتوب. والتعديل يكاد يكون مستحيلاً في الولايات المتحدة، لأنه لن تتحقق غالبية تشريعية في مجلسي الكونغرس لتحقيق ذلك، جراء التنازع التقليدي بين الديموقراطيين والجمهوريين. غير أن ثمة اتجاهاً متزايداً لإقناع عدد من الولايات بأن تخصص أصوات كليتها الانتخابية لمن يفوز بالأصوات الشعبية المباشرة. وهو اتجاه يواجه صعوبات جمة، أسوة بالتعديل الدستوري المشار إليه.