كتاب ومقالات

بين جوردن وإثراء.. وطني عانق السماء

أحمد العبدالقادر

في أكتوبر من العام ٢٠١٥، وفي ورشة عمل في مدينة ترييستي، الواقعة على البحر الأدرياتيكي في الشمال الشرقي من إيطاليا؛ كنت مزمّلاً بمعطف من الصوف في الزاوية الخلفية من القاعة. خمسة وعشرون سيدة ورجلاً من أكثر من عشرين دولة يجلسون أمامي يستمعون لمحتوى الورشة التي يقدمها الدكتور جوردن رفقة ثلاثة خبراء آخرين في إدارة المعارض والحشود. الدكتور جوردن بالذات، رجل إنجليزي تجاوز الستين من العمر وبخبرة تتجاوز الثلاثين عاماً في المتاحف وإدارة المعارض. لقد كان رمزاً حتى بالنسبة لبقية الخبراء. في تلك الأثناء، وحينما كنت منزوياً في الزاوية ممسكاً بكأس الشاي الورقي، وإذ بالدكتور جوردن يشير نحوي. أعترف، كنت شارداً نحو المرسى الذي تطل عليه القاعة. كنت أفكر، لماذا لا نملك مرسىً مشابهاً؟ لماذا تتفوق علينا هذه المدينة البعيدة عن العمران والتمدن؟ لماذا أكبر منطقة ساحلية بالمملكة، لا تمتلك مرسى كهذا؟ شريطنا الساحلي يمتد لقرابة 700 كليومتر، وليس هناك مرسى للعامة؟

حين أشار الدكتور جوردن نحوي والتفتت القاعة، وخزني (دييقو) - البرازيلي الذي يشبه صديقي بندر- فنظرت نحو الشاشة...

مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في تصميمه النهائي يتوسط الشاشة، محاطاً ببضعة صور ومعلومات. تمعنت أكثر والصمت يحف المكان - أو هكذا خيّل إليّ- وإذ بالعنوان (تجارب عالمية ناجحة).

تحدث الدكتور جوردن بإعجاب عن (إثراء) وذكر بأنه كان أحد المستشارين الذين عملوا مع فريق المشروع لتقديم التصاميم الداخلية المقترحة وأبرز الأقسام، وأولها (المتحف)!

أسهب كثيراً في الحديث، والجميع يلتفت نحوي بإعجاب بين الحين والآخر. أخيراً نطقت: أتعلمون بأني أطل على هذا المبنى من غرفة نومي؟

تمتم الجميع إعجاباً وربّت (دييقو) على كتفي: كم أنت محظوظ بدولتك..

منذ تلك الشريحة المعروضة وحتى كتابة المقال، وأنا على تواصل مع جلّ الزملاء الذين شاركوني ورشة العمل. زودتهم برابط حفل الافتتاح حين شرف مولاي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- المنطقة الشرقية، وفي كل مناسبة كبيرة أزورهم بروابط ومقاطع ومنشورات.

لقد زرت إثراء قرابة عشر مرات وفي كل مرة أقوم بتوثيق الزيارة وإرسالها لهم والدكتور جوردن.

هذا الأخير أرسل لي خلال فترة الحظر من جائحة كورونا ما يلي:

صديقي العزيز أحمد، أتمنى أنك في تمام الصحة والعافية وأن تكون ومن تحب بعيدين عن هذه الجائحة التي عصفت بنا هنا في لندن. لقد خسر الكثير وظائفهم وأغلقت المتاحف أبوابها، ونجلس خوفاً في منازلنا. أصبحت أقرأ كثيراً، حتى أنني عدت وقرأت الملف الخاص بـ(إثراء) ثم وبتسلسل غير محسوس أصبحت أقرأ عن السعودية وعن الإصلاحات والمشاريع الكبرى. كم أنت محظوظ ببلدك يا أحمد. متأكد من أنك لم تفقد وظيفتك كما حدث لجل الشباب هنا في أوروبا. وطنك أفضل بكثير من البلدان التي تدعي التقدم. وطنك يصنع للغد وبلدان أخرى تعود للوراء دون أن تشعر. أتمنى أن نلتقي قريباً في مشروع كبير، قد يكون مواطناً سعودياً من يديره. ستصبحون منارة كإثراء!

لقد كان محقاً، بلدي في رئاسة العشرين، وإثراء أصبحت منارة ثقافية عالمية، والمشاريع الكبرى باتت أكثر من أن تُحصر!

كاتب سعودي

C_A7md@