ساعة الحقيقة
الاثنين / 24 / ربيع الأول / 1442 هـ الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 00:05
نوفل ضو
لم يترك الساسة اللبنانيون، على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، أسلوباً من أساليب المساومة أو التسوية أو التنازل إلا واعتمدوه في التعاطي مع المشروع الإيراني في لبنان.
فباسم «لبننة» حزب الله كان التخلي عام 2005، عن قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي ينص على نزع السلاح غير الشرعي، وكانت مقولة إن «سلاح الحزب مسألة لبنانية داخلية تحل بالحوار»، وكان التفاهم الرباعي بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله عشية الانتخابات النيابية مما سمح لحزب الله بتحضير نفسه لثورة مضادة لثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال وللانقلاب على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والشرعية.
ومن خلال التلطي بطاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري استدرج حزب الله المنظومة السياسية في لبنان إلى تغطية حربه مع إسرائيل عام 2006، التي انتهت بقرار مجلس الأمن الدولي 1701. لكن حزب الله انقلب مرة جديدة على الحكومة اللبنانية وعلى القرار 1701 وارتد إلى الداخل باسم «انتصار إلهي» مزعوم، ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعطل المجلس النيابي، وحاول شل عمل الحكومة، واحتل بيروت في 7 أيار 2008.
وباسم «اتفاق الدوحة» وافقت المنظومة السياسية في لبنان على ضرب الدستور ومنح حزب الله الثلث المعطل في الحكومة في سابقة جعل منها حزب الله «قاعدة» تسمح له بالتحكم بقرارات الدولة اللبنانية السيادية.
وباسم «الوفاق الوطني»، تمّ تجاوز نتائج الانتخابات النيابية في العام 2009 عندما قرر الشعب اللبناني منح الأكثرية النيابية لقوى 14 آذار، فتمّ إشراك كل من حزب الله وحلفائه في الحكومة بالثلث المعطل الذي سمح لأذرع المشروع الإيراني في لبنان بالانقلاب مرة جديدة على نتائج الانتخابات وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وفرض حكومة من لون واحد (8 آذار) بعدما منع استعراض القمصان السود في بيروت الأكثرية النيابية من إعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وكان التدخل العسكري لحزب الله في سوريا واليمن والعراق والبحرين وغيرها من الدول العربية خدمة لمشروع الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة من خلال زعزعة استقرارها!
وباسم «الحفاظ على السلم الأهلي»، كانت نظرية «ربط النزاع» مع حزب الله مع بدء عمل المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه التي افتتحت أعمالها لمحاكمة كوادر من حزب الله في التخطيط للجريمة وتنفيذها. وقد تجدد العمل بهذه النظرية مع صدور الحكم المبرم بإدانة أحد كوادر حزب الله سليم عياش في هذه الجريمة.
وباسم الإنقاذ «الاقتصادي والمؤسساتي» و«استعادة الاستقرار السياسي والأمني» و«نقل العماد ميشال عون من موقع التحالف مع حزب الله الى موقع وسطي» كانت تسوية انتخاب المرشح الوحيد لحزب الله العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية التي شاركت فيها معظم الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والحزبية على قاعدة تقاسم المناصب الرئاسية والحكومية والنيابية والإدارية مع التخلي عن القرارات السيادية في الأمن والسياسة الخارجية لحزب الله والمشروع الإيراني في لبنان.
وباسم «الديموقراطية وتداول السلطة وإعادة إنتاجها» رضخ أركان التسوية جميعهم لقانون انتخاب على قاعدة النسبية سمح لحزب الله وحلفائه بالحصول على الأكثرية النيابية، في مقابل محاصصات لا تصرف إلا في الصراعات الداخلية على السلطة، ليطبق بذلك منفرداً ودستورياً على السلطتين التنفيذية والتشريعية للمرة الأولى في تاريخ لبنان!
وباسم «الإنقاذ المالي والاقتصادي» يحاول معظم السياسيين في لبنان إعادة إنتاج التسوية بشروط جديدة تتغير فيها بعض الأسماء والوجوه، لكنها تثبت سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكأن خمس عشرة سنة من «التجارب» لم تكفِ لاستخلاص العبر من الفشل المتراكم وتغيير المسارات التنازلية والتسوَوية، على الرغم مما وصل إليه لبنان من انهيار داخلي وثورة شعبية وعزلة عربية وعقوبات دولية!
منذ العام 2005، اختارت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عدم الاستماع إلى النصائح العربية والدولية، والتخلي عن تاريخ لبنان وموقعه الطبيعي في قلب العالمين العربي والحر، وفضلت المساومة مع المشروع الإيراني على حساب الهوية والسيادة والحاضر والمستقبل، وعلى حساب الأمن القومي اللبناني والعربي، واختارت التموضع في محور الدول المارقة والخارجة عن القانون الدولي الذي تقوده إيران، بحجة الحفاظ على الاستقرار الذي لم يبق منه شيء لا اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا ولا أمنيا!
ومع ذلك، تستمر المكابرة، ويتواصل اللعب على الوقت، من دون أن يخرج من بين الطبقة السياسية من يتحلى بالجرأة الأدبية والمعنوية والسياسية والوطنية ليجاهر بالحقيقة ويدعو إلى وقف لعبة الموت الإيرانية وإلى العودة إلى منظومة الشرعيتين العربية والدولية كمدخل إلزامي لاستعادة الشرعية اللبنانية من مخالب إيران ومنظومتها المحلية!
لقد آن أوان الخروج من الأوهام، ودقت ساعة الحقيقة التي يعترف فيها الساسة اللبنانيون بفشلهم وفشل رهاناتهم تاركين الساحة لطبقة سياسية جديدة تؤمن بتضامن لبنان الكامل وتفاهمه المطلق مع محيطه العربي واندماجه في الاستراتيجية العربية التي ستعتمدها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من الدول العربية لمواجهة الاستحقاقات الإقليمية والدولية المتمثلة بالتصدي للتطرف الإيراني والتركي ولمشاريعهما التوسعية في لبنان ودول المنطقة. فمثل هذا الخيار الواضح عشية المتغيرات الدولية المحتملة الناجمة عن الانتخابات الأمريكية هو المدخل الوحيد والحصري والأقل كلفة على اللبنانيين ومؤسساتهم العامة والخاصة لاستعادة عافية لبنان وشعبه ولمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ووقف الانهيار!
سياسي وصحافي لبناني
naufaldaou@
فباسم «لبننة» حزب الله كان التخلي عام 2005، عن قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي ينص على نزع السلاح غير الشرعي، وكانت مقولة إن «سلاح الحزب مسألة لبنانية داخلية تحل بالحوار»، وكان التفاهم الرباعي بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله عشية الانتخابات النيابية مما سمح لحزب الله بتحضير نفسه لثورة مضادة لثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال وللانقلاب على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والشرعية.
ومن خلال التلطي بطاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري استدرج حزب الله المنظومة السياسية في لبنان إلى تغطية حربه مع إسرائيل عام 2006، التي انتهت بقرار مجلس الأمن الدولي 1701. لكن حزب الله انقلب مرة جديدة على الحكومة اللبنانية وعلى القرار 1701 وارتد إلى الداخل باسم «انتصار إلهي» مزعوم، ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعطل المجلس النيابي، وحاول شل عمل الحكومة، واحتل بيروت في 7 أيار 2008.
وباسم «اتفاق الدوحة» وافقت المنظومة السياسية في لبنان على ضرب الدستور ومنح حزب الله الثلث المعطل في الحكومة في سابقة جعل منها حزب الله «قاعدة» تسمح له بالتحكم بقرارات الدولة اللبنانية السيادية.
وباسم «الوفاق الوطني»، تمّ تجاوز نتائج الانتخابات النيابية في العام 2009 عندما قرر الشعب اللبناني منح الأكثرية النيابية لقوى 14 آذار، فتمّ إشراك كل من حزب الله وحلفائه في الحكومة بالثلث المعطل الذي سمح لأذرع المشروع الإيراني في لبنان بالانقلاب مرة جديدة على نتائج الانتخابات وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وفرض حكومة من لون واحد (8 آذار) بعدما منع استعراض القمصان السود في بيروت الأكثرية النيابية من إعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وكان التدخل العسكري لحزب الله في سوريا واليمن والعراق والبحرين وغيرها من الدول العربية خدمة لمشروع الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة من خلال زعزعة استقرارها!
وباسم «الحفاظ على السلم الأهلي»، كانت نظرية «ربط النزاع» مع حزب الله مع بدء عمل المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه التي افتتحت أعمالها لمحاكمة كوادر من حزب الله في التخطيط للجريمة وتنفيذها. وقد تجدد العمل بهذه النظرية مع صدور الحكم المبرم بإدانة أحد كوادر حزب الله سليم عياش في هذه الجريمة.
وباسم الإنقاذ «الاقتصادي والمؤسساتي» و«استعادة الاستقرار السياسي والأمني» و«نقل العماد ميشال عون من موقع التحالف مع حزب الله الى موقع وسطي» كانت تسوية انتخاب المرشح الوحيد لحزب الله العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية التي شاركت فيها معظم الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والحزبية على قاعدة تقاسم المناصب الرئاسية والحكومية والنيابية والإدارية مع التخلي عن القرارات السيادية في الأمن والسياسة الخارجية لحزب الله والمشروع الإيراني في لبنان.
وباسم «الديموقراطية وتداول السلطة وإعادة إنتاجها» رضخ أركان التسوية جميعهم لقانون انتخاب على قاعدة النسبية سمح لحزب الله وحلفائه بالحصول على الأكثرية النيابية، في مقابل محاصصات لا تصرف إلا في الصراعات الداخلية على السلطة، ليطبق بذلك منفرداً ودستورياً على السلطتين التنفيذية والتشريعية للمرة الأولى في تاريخ لبنان!
وباسم «الإنقاذ المالي والاقتصادي» يحاول معظم السياسيين في لبنان إعادة إنتاج التسوية بشروط جديدة تتغير فيها بعض الأسماء والوجوه، لكنها تثبت سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكأن خمس عشرة سنة من «التجارب» لم تكفِ لاستخلاص العبر من الفشل المتراكم وتغيير المسارات التنازلية والتسوَوية، على الرغم مما وصل إليه لبنان من انهيار داخلي وثورة شعبية وعزلة عربية وعقوبات دولية!
منذ العام 2005، اختارت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عدم الاستماع إلى النصائح العربية والدولية، والتخلي عن تاريخ لبنان وموقعه الطبيعي في قلب العالمين العربي والحر، وفضلت المساومة مع المشروع الإيراني على حساب الهوية والسيادة والحاضر والمستقبل، وعلى حساب الأمن القومي اللبناني والعربي، واختارت التموضع في محور الدول المارقة والخارجة عن القانون الدولي الذي تقوده إيران، بحجة الحفاظ على الاستقرار الذي لم يبق منه شيء لا اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا ولا أمنيا!
ومع ذلك، تستمر المكابرة، ويتواصل اللعب على الوقت، من دون أن يخرج من بين الطبقة السياسية من يتحلى بالجرأة الأدبية والمعنوية والسياسية والوطنية ليجاهر بالحقيقة ويدعو إلى وقف لعبة الموت الإيرانية وإلى العودة إلى منظومة الشرعيتين العربية والدولية كمدخل إلزامي لاستعادة الشرعية اللبنانية من مخالب إيران ومنظومتها المحلية!
لقد آن أوان الخروج من الأوهام، ودقت ساعة الحقيقة التي يعترف فيها الساسة اللبنانيون بفشلهم وفشل رهاناتهم تاركين الساحة لطبقة سياسية جديدة تؤمن بتضامن لبنان الكامل وتفاهمه المطلق مع محيطه العربي واندماجه في الاستراتيجية العربية التي ستعتمدها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من الدول العربية لمواجهة الاستحقاقات الإقليمية والدولية المتمثلة بالتصدي للتطرف الإيراني والتركي ولمشاريعهما التوسعية في لبنان ودول المنطقة. فمثل هذا الخيار الواضح عشية المتغيرات الدولية المحتملة الناجمة عن الانتخابات الأمريكية هو المدخل الوحيد والحصري والأقل كلفة على اللبنانيين ومؤسساتهم العامة والخاصة لاستعادة عافية لبنان وشعبه ولمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ووقف الانهيار!
سياسي وصحافي لبناني
naufaldaou@