فيروس الانقلابات

كاظم الشبيب

كنت أستمع واشاهد مقابلة تلفزيونية مع الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله قبل يومين من انقلاب جنرالاته عليه وإنهاء سلطته الدستورية. ظننت حينها بأن عمره في السلطة سيكون قصيراً, لكنني لم أتوقع بهذه السرعة والكيفية أن يُزاح من السلطة. السبب بكل بساطة التوجه العام في موريتانيا, كما هو في العالم, نحو احترام الدستور والمشاركة في الحياة السياسية وفق اللعبة الديمقراطية وقواعدها في كل بلد. بيد أن ما جرى يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي قد خيب ظن الكثيرين! فيروس الانقلابات لم يندثر. فبينما توقع أغلب الناس من النخب السياسية والثقافية في العالم بأن هذا الفيروس بات من علل ومصائب القرن العشرين, فإن ما حدث في موريتانيا يزعزع تلك القناعة ويؤكد على أن ثقافة الانقلاب على السلطة لا يزال لها أهلها من العسكريين والسياسيين. وأكد هذا القلق ما أشار إليه نائب الرئيس الموريتاني- السابق- بيجل ولد حميد حيث وصف الحدث بـ «المؤشر الخطير على تراجع الحرية السياسية في البلاد». وهو الأمر الذي اربك تركيا والأتراك, بل والعالم, خلال الشهور الماضية, من خشية الجميع من تدخل الجنرالات في تغيير الايقاع السياسي القائم فيها.
ما دفع للاقتناع بماضوية الانقلابات واندثارها, كما يظهر, مجموعة من الأسباب. منها: الاستقرار الذي يسود أغلب الدول والمجتمعات سياسياً وأمنياً في الأمريكتين وأوروبا والنسبة الكبرى من دول العالم, حتى أفريقيا, التي اشتهرت بالانقلابات خلال النصف الأخير من القرن الماضي, شهدت استقراراً في أغلب دولها وتراجعاً كبيراً في تأييد أو دعم الانقلابات, وهذا ما دفع الاتحاد الافريقي نحو التنديد بالانقلاب والمطالبة بعودة الشرعية. ومنها: التوجه العالمي نحو ترسيخ قيمة احترام الدستور والنظام, وبالتالي تتم المشاركة السياسية وفق مقتضياتهما.
ومنها: انعكاس الاستقرار على ازدهار الحياة الاقتصادية للناس, بحيث تحولت قوة ونجاح العوامل الاقتصادية إلى رادع للجنرالات من استخدام السلاح للاستيلاء على السلطة. فالاستقرار يجذب الاستثمار. وافريقيا أمست هدفاً رئيسياً للاستثمارات الاجنبية من الصين إلى أوروبا وأمريكا. ويشير إلى المعنى ذاته ما قاله توم كارجيل الباحث بمؤسسة تشاتام هاوس للأبحاث حول أهمية الاستقرار على ازدهار نيجيريا وتخلصها من الانقلابات: «بورصة أسهم نيجيريا تشهد ازدهاراً وقطاعها المصرفي بدأ بالفعل ينطلق. لقد بدأوا يشعرون بالاثار الايجابية والفوائد الاقتصادية التي تأتي من السلام والأمن». الأمر الخطير, والأهم, لتفادي واتقاء عودة هذا الفيروس للدول الافريقية وغيرها, يكمن في معالجة جذرين أساسيين في الثقافة السياسية لدى النخب المتصدية للشأن العام في هذه البلدان. فكما أنه ليس صعباً على من في السلطة تقديم مبررات لأخطائهم, كذلك الأمر مع الانقلابيين, فما أسهل تقديم مبررات لانقلاباتهم. ولكن الإشكال الحقيقي يتمحور في وجهتين: الأولى: في كيفية التعاطي مع أخطاء من هم في السلطة, من قبل المعارضين أو المنافسين. والثانية: في مدى التزام أطراف اللعبة السياسية بقواعد اللعبة الديمقراطية ضمن السياقات الدستورية لكل بلد.
ومهما وعد وسعى الانقلابيون, في نواكشوط أو غيرها, بإعطاء الأولوية للحياة الديمقراطية والمساواة والمشاركة السياسية, فلن يستطيع أحد الثقة بتلك الوعود ما دامت ضمانات عدم تكرار الانقلاب غير متوفرة, بل مع غياب المانع الذي يردع الانقلابيين من الانقضاض على الشرعية القائمة إذا ما اختلفت معهم أو إذا ما انسد الافق السياسي في البلاد.
يأمل عقلاء العالم بما فيهم الاتحاد الافريقي والمنظمات الافريقية أن لا يفتح ما حدث في موريتانيا شهية بعض ساسة الدول الافريقية و جنرالاتها نحو العودة لوسيلة الانقلابات, لأن انتقال العدوى بهذا الفيروس مدمر للمجتمعات والدول وبخاصة إذا كانت مناعتها ومقاومتها للأمراض ضعيفة. والله من وراء القصد.
kshabi@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة