مجتمع الجزيرة العربية
الخميس / 11 / ربيع الثاني / 1442 هـ الخميس 26 نوفمبر 2020 23:55
أسامة يماني
دأبت كتب التراث والمستشرقين وكثير من الكتاب والمفكرين، على تصوير مجتمع الجزيرة العربية بأنه مجتمع متخلف جاهلي، وخاصة قبل البعثة المحمدية.
الصورة السائدة عن أغلب مجتمعات الجزيرة العربية أنها مجتمع بدوي بدائي قائم على الرحيل والترحال ورعي الإبل والتنقل. هذه الصورة لا تعكس الواقع، وخاصة قبل البعثة وما بعد البعثة إلى أن دخلت الأمة العربية في نوم وسبات عميق بعد أن فرض الاستعمار التركي العثماني سطوته على معظم المنطقة.
وثبت هذه الصورة من كان يطلقون على أنفسهم رجال الصحوة، الذين سعوا إلى إظهار المنطقة بمظهر التخلف، وربط أغلب منطقة الجزيرة بالجهل، وبأنه مجتمع بدوي لا ديني تقريباً تسوده الشركيات والتخلف، حتى أصبح كتاب وفلاسفة كبار يعتقدون مثل هذا الانطباع.
إن التلاقح الثقافي بين الإمبراطوريات والمجتمعات العربية ظاهراً وجلياً في مفردات اللغة العربية وفي أنواع المؤسسات والأشكال الثقافية؛ ففي الشمال الشرقي كانت مدينة الحيرة عاصمة اللخميين مركز الفنون الجميلة والعلوم (الطب) والعمارة والأدب.
اعتنق اللخميون المسيحية منذ القرن الميلادي الرابع، وأخذوا بالعقيدة النسطورية والبعض منهم اعتنق الزردشية واليهودية.
كما أقام الغساسنة في الشمال الغربي اقتصاداً يقوم على فلاحة متطورة وتجارة وصناعة وتأثروا بالإرث اليوناني.
الأسواق المعروفة كانت متعددة، مثل السوق في دومة الجندل، والسوق التي بساحل عمان الذي يرتاده التجار الهنود والصينيون، وثقتها الحفريات بجزيرة دبة في الخليج العربي، وقد أشارت مصادر صينية لذلك.
مكة التي نجح فيها قصي في بناء شبكة للتجارة الدولية، كما استطاعت قريش تثبيت تقويم يمكن تأمين حركة التجارة ويوقف القتال. وكما يقول الدكتور وائل حلاق: «كان الحفاظ على النظام بهذه الصيغة يضمن لقريش قوة اقتصادية ومكانة اجتماعية ودينية».
وبالرغم من أن المجتمع العربي كان مجتمعاً قبلياً، إلا أنه كان حضرياً؛ مثل الأحساء المعروفة بنخيلها وحدائقها الغناءة منذ العصور اليونانية الأولى. ومناطق الهفوف والمبرز والقصيم والعارض وغيرها من المناطق الزراعية.
وكذلك البحرين وساحل عمان بصحار الذي جاء ذكر الطواحين في الرسائل المتبادلة بين النبي وكيفو ابن الملك الجلندي.
وتشير الحفريات إلى وجود نظام للري المتطور في الخرج والأفلاج بجنوب نجد منذ القرن الميلادي السابع.
كان هناك نظام قانوني متطور باليمن منذ القرن الأول، يدل على الحضارة التي وصلت إليها.
مجتمع الجزيرة العربية مهد الأديان عاش حياة نشيطة من خلال ارتباطه المباشر وغير المباشر من خلال التجارة الدولية العالمية مع العالم القديم، وارتباط ذلك بالإنتاج الثقافي والمؤسساتي بالقدر الذي تسمح به الجغرافيا.
الكشوفات الأثرية التي يحاول الظلاميون طمسها تكشف مدى التنوع الحضاري والتلاقح الثقافي الذي عاشه مجتمع الجزيرة العربية.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com
الصورة السائدة عن أغلب مجتمعات الجزيرة العربية أنها مجتمع بدوي بدائي قائم على الرحيل والترحال ورعي الإبل والتنقل. هذه الصورة لا تعكس الواقع، وخاصة قبل البعثة وما بعد البعثة إلى أن دخلت الأمة العربية في نوم وسبات عميق بعد أن فرض الاستعمار التركي العثماني سطوته على معظم المنطقة.
وثبت هذه الصورة من كان يطلقون على أنفسهم رجال الصحوة، الذين سعوا إلى إظهار المنطقة بمظهر التخلف، وربط أغلب منطقة الجزيرة بالجهل، وبأنه مجتمع بدوي لا ديني تقريباً تسوده الشركيات والتخلف، حتى أصبح كتاب وفلاسفة كبار يعتقدون مثل هذا الانطباع.
إن التلاقح الثقافي بين الإمبراطوريات والمجتمعات العربية ظاهراً وجلياً في مفردات اللغة العربية وفي أنواع المؤسسات والأشكال الثقافية؛ ففي الشمال الشرقي كانت مدينة الحيرة عاصمة اللخميين مركز الفنون الجميلة والعلوم (الطب) والعمارة والأدب.
اعتنق اللخميون المسيحية منذ القرن الميلادي الرابع، وأخذوا بالعقيدة النسطورية والبعض منهم اعتنق الزردشية واليهودية.
كما أقام الغساسنة في الشمال الغربي اقتصاداً يقوم على فلاحة متطورة وتجارة وصناعة وتأثروا بالإرث اليوناني.
الأسواق المعروفة كانت متعددة، مثل السوق في دومة الجندل، والسوق التي بساحل عمان الذي يرتاده التجار الهنود والصينيون، وثقتها الحفريات بجزيرة دبة في الخليج العربي، وقد أشارت مصادر صينية لذلك.
مكة التي نجح فيها قصي في بناء شبكة للتجارة الدولية، كما استطاعت قريش تثبيت تقويم يمكن تأمين حركة التجارة ويوقف القتال. وكما يقول الدكتور وائل حلاق: «كان الحفاظ على النظام بهذه الصيغة يضمن لقريش قوة اقتصادية ومكانة اجتماعية ودينية».
وبالرغم من أن المجتمع العربي كان مجتمعاً قبلياً، إلا أنه كان حضرياً؛ مثل الأحساء المعروفة بنخيلها وحدائقها الغناءة منذ العصور اليونانية الأولى. ومناطق الهفوف والمبرز والقصيم والعارض وغيرها من المناطق الزراعية.
وكذلك البحرين وساحل عمان بصحار الذي جاء ذكر الطواحين في الرسائل المتبادلة بين النبي وكيفو ابن الملك الجلندي.
وتشير الحفريات إلى وجود نظام للري المتطور في الخرج والأفلاج بجنوب نجد منذ القرن الميلادي السابع.
كان هناك نظام قانوني متطور باليمن منذ القرن الأول، يدل على الحضارة التي وصلت إليها.
مجتمع الجزيرة العربية مهد الأديان عاش حياة نشيطة من خلال ارتباطه المباشر وغير المباشر من خلال التجارة الدولية العالمية مع العالم القديم، وارتباط ذلك بالإنتاج الثقافي والمؤسساتي بالقدر الذي تسمح به الجغرافيا.
الكشوفات الأثرية التي يحاول الظلاميون طمسها تكشف مدى التنوع الحضاري والتلاقح الثقافي الذي عاشه مجتمع الجزيرة العربية.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com