أخبار

منظمة العفو.. تواطؤ لتسليع القيم

بميول متأرجحة .. ومواقف متباينة

علي الرباعي (الباحة)Al_ARobai@

ليس كل من رفع شعارات مثالية صادقاً في توجهه، ولا نقياً في طرحه، فالمتاجرة بالمبادئ والقيم سمة منظمات توصف بالدولية تسلّع علنا حقوق الإنسان، ولا تستحي من الارتزاق المحلي، وتساوم وتغامر وتقامر بالحقوق لكسب المزيد من الدعم المشبوه من نظام ملالي إيران ومن جماعة الإخوان الإرهابية.

ولم تعد كثير من الدول والمؤسسات تثق وتتفاعل مع بيانات وتقارير منظمة العفو الدولية، في ظل تأرجح ميولها، وتباين مواقفها، حتى انطبق عليها المثل «حبة فوق وحبة تحت». وكلما حاولت المنظمة «المثيرة للجدل» تحسين صورتها انكشف أنها رهينة حسابات وممررة لأجندات ظاهرها إنساني «رحيم» وباطنها سياسي «مُشق»، ولا يخفى أن بروزها تزامن مع المد الشيوعي وكانت بوق الغرب في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وإثر انهيار المعسكر الشرقي، أدارت بوصلتها نحو العرب والعالم الإسلامي، وغدت منظمة العفو منظمة للشقاق تعمل وفق أجندات مسيّسة وترضخ لرؤى دول تمولها، وتلتزم اللغة الهادئة تجاه حماقات رعناء تستوجب منها الصرامة.

وليس بمستغرب منها الوقوع في عثرات ومعاناة السقطات كونها تكيل بأكثر من مكيال في وقائع حقوق الإنسان والإرهاب. وعوضاً عن اتخاذ قرار صارم بحق النظام الإيراني، المتطاول على الشعب بالقتل والتعذيب، دعت منظمة العفو الدولية السلطات الإيرانية إلى «ممارسة ضبط النفس، وعدم استخدام القوة أكثر مما هو ضروري للغاية، وبشكل متناسب وقانوني» ما أثار التساؤلات وغلّب سوء الظن في مؤسسة أممية تدعو دولة إلى استخدام القوة وممارسة العنف مع شعب أعزل، ولم تندد بأعمال العنف والقمع في إيران، وتجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان برغم القوة المفرطة والمميتة لسحق الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير، التي أشعلتها زيادة أسعار الوقود في 15 نوفمبر الجاري، في أكثر من 100 مدينة في شتى أنحاء إيران.

وكشفت تقارير عن قتل نحو 200 إنسان في الاحتجاجات الإيرانية وسجن الآلاف من المحتجين، إلا أن منظمة العفو لم تلتزم بمقاصدها الشعاراتية، وغضت الطرف عن مشاهد فيديو لقوات الأمن وهي تستخدم الأسلحة النارية وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق الاحتجاجات وضرب المتظاهرين بالهراوات.

وتشير صور عبوات الرصاص الفارغة التي تركت على الأرض إلى ارتفاع عدد القتلى، وأصدر كبار المسؤولين الحكوميين، بينهم المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، بيانات وصفوا فيها المتظاهرين بـ«أشرار»، وأعطوا قوات الأمن الضوء الأخضر لسحق المظاهرات دون أن يطرف جفن لقيادات المنظمة ولا تهتز من رؤوسهم شعرة. وروى العديد من شهود العيان أن قوات الأمن الإيرانية صادرت جثث الموتى والمصابين من الطرق والمستشفيات، ورفضت إعادة جثامين العديد من الضحايا إلى عائلاتهم، وأجبرت البعض على دفن أحبائهم بطريقة متسارعة، ودون إجراء تشريح مستقل لتحديد الأسباب والظروف المحيطة بأسباب الموت، ما يعد مخالفاً للقانون والمعايير الدولية بشأن التحقيق في عمليات القتل غير المشروع.

ووفقاً لمنظمة نيتبلوكس NetBlocks غير الحكومية، فإن اتصال إيران بالعالم الخارجي قد انخفض إلى 4٪ من المستويات العادية منذ بدء الاحتجاجات. فقد تم قطع جميع شبكات الهاتف المحمول، وحجب شبه كامل، على الصعيد الوطني، للإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية، على الرغم من أن بعض المستخدمين ما زالوا قادرين على الوصول إلى الإنترنت من خلال استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) وغيرها من الوسائل.

واعتمدت المنظمة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا العربية، فانحازت للجماعات المسلحة في ليبيا وسورية، ووفرت غطاء لجبهة النصرة وداعش في هذه الدول، وادعت وجود تعذيب في السجون العربية، ونافحت عن تنظيمات إرهابية، منتقدة إعدام عناصرها المتورطة في ارتكاب جرائم بحق الأوطان والشعوب والأمم، ولا تتبرم من وصف التنظيمات الإرهابية بألطف المصطلحات وكأنما هي أحزاب سياسية مأذون لها بالعمل الحزبي.

من جانبها، رجحت مدير المركز المصري للدراسات الديموقراطية الحرة داليا زيادة أن تكون توجهات العفو الدولية مدفوعة من الإخوان، وعدتها منظمة شريكة ببياناتها المنحازة للعنف وللإرهابيين في جريمتهم، وترى أنه ليس هناك ما يبرر وقوف منظمة حقوقية للدفاع عن إرهابيين.

ويؤكد الناشط الحقوقي اللبناني لقمان سليم لـ«عكاظ» أن مفتاح أزمة منظمة العفو يبدأ بالتمييز بين «حقوق الإنسان» و«سياسات حقوق الإنسان»، موضحاً أن حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من ثقافة عالمنا على ما رسا عليه هذا العالم بعد الحرب العالمية الثانية ومقصد سام لا خلاف عليه وعلى سموه. فيما «سياسات حقوق الإنسان» شيء آخر لا شأن له أحيانا كثيرة بحقوق الإنسان، بل هي أدنى إلى السياسة بالمعنى السيئ للكلمة، وتتمثل في مناورات مغرضة، واعتبارات مصلحية، وتصفية حسابات وهكذا دواليك. وعد تذرُّع بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، أفرادا ومؤسسات، بأن الحقوق مبادئ معيارية تَعلو ولا يُعلى عليها، فتح مساحات الدفاع عن حقوق الإنسان في هذا البلد فتراهم يكتفون بالنصح والتوصية، وتحت العنوان نفسه، بشأن بلد آخر، تراهم يكيلون التهم ويصدرون الأحكام المبرمة. وتطلع إلى الخروج من الالتباس، كونه آن أوان الكف عن التلطي بتلك المعيارية المزعومة لتبرير الكيل بمكاييل شتى خدمة للاعتبارات المصلحية، على خلفية ما تشهده منطقتنا، ولفت إلى ضرورة مصارحة «منظمة العفو الدولية»، وسواها من المؤسسات، بأن الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان لا يكون بانتهاج منطق الصحافة الفضائحية الصفراء، ولا يكون بالتشهير الرخيص، إذ إن الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان يكون أولا بالتخلي عن الأحكام المسبقة وبعدم التوسل بهذه الحقوق أخذاً لثارات متقادمة.

وعلى رغم تواصل «عكاظ» مع نائبة مدير المكتب الإقليمي للمنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديانا الطحاوي والاستفسار عن اختلال معايير المنظمة إلا أنها آثرت الصمت.