منوعات

محمد المختار الفال.. صحافي نَقَدَ أخطاءه وقيَّم كتاباته

محمد المختار الفال.

طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@

على تراب أولى المدن الإسلامية دار الهجرة النبوية؛ وُلِد ابن البلدة المؤمنة ونال بركتها.. وبين أرضها وحرمها وجبالها وآثارها؛ تشبّع من ثراء مآذنها وإرث فتوحاتها وتراث تاريخها.. وفي مدينة الفقه والأدب والشعر؛ أثنى ركبتيه لأخذ علوم الشرع واللغة والبلاغة.. ومن مخزون علمي استقاه عن رجال طيبة وأساتذتها؛ امتلأ رصيده باللغة العربية وآدابها، فكانت تخصصاً أكاديمياً، وتوجهاً صوب الصحافة ومتاعبها.. إنه الكاتب والمحلل محمد المختار الفال.

مع رحلة أربعة عقود نضِرِة في جلباب صاحبة الجلالة محرراً وقيادياً ورئيساً للتحرير؛ غادر «الصحافة» ولم تغادره، امتهنها ولم يجعلها صورة تُهشِّم صورة.. وفي لحظة حسم حصدها بمقالاته؛ قَطَف الثمرة وكسب الجولة.. وعند جيل جديد بمهنة المتاعب؛ أرشدهم إلى أن الأحجار الكبيرة بطريق الكسالى «عقبات»، وفي دروب الطامحين «أمجاد».

ومن أجل معرفةٍ حقيقية لذلك الكاتب الإنسان؛ لا تكفي القراءة له فقط، فما يكتبه بعضٌ منه لا كله.. ولما مارس «التقدير» للآخرين بحبات من اللؤلؤ؛ ظهرت القيمة الإنسانية التي يتقنها.. وحين نما «الاحترام» للناس داخل قفَصه الصدري؛ أتقن كيف يَعْزِف على قلوب البشر.. مثل بحر يفرض لونه كما يشاء.

في تفاهم روحي بين الهدوء والثقة وقلة الكلام؛ لم يرد إحراق شخصيته بكثرة الظهور ومحاولة الحضور في كل أمر.. وحين تزيَّن بقدرات خُلُقيَّة وعِلمية وعَملية؛ واجه التحديات بعزيمة تفوُّق وحذاقة إصرار، فرَامَ «الإجادة» واعتلى «الظَفَر» دون تأجيل.. ولأن أول «المطر» قطرة، وأول «الإنجاز» هِمَّة؛ بات كالغيث أينما وقع نفع.

وبين ثلاثية «العطاء» وصناعته، و«السلام» ورسالته، و«السعادة» وقيمتها؛ حياة وقيمة وذات، ورؤية إيثار ومتعة روح.. مع «العطاء»؛ عِطرٌ رُش من شجرة حُب رُمِيَت بحجرٍ غليظ فَرَمَت الثمر الرطيب.. ومع «السلام»؛ حمامة جعلت من الإنسان إنساناً.. ومع «السعادة»؛ قضية نفسية ارتبطت بقلبه وأحاسيسه وشعوره.. سحرٌ عفوي لمن أحيا الأرض الجرداء.

عند الثراء المادي والحضاري للإرث التليد والتراث المجيد؛ عِشقٌ أصيلٌ تام الأدوات نسجته حروف منهملة من أَلَق ونفحات عَبِقة.. وحين فاضَ بَوْحه الكتابي المتلألئ بلغة الشوق للتراث وقيمته؛ انحَاز إلى الثابت من النصوص المأثورة.. أما مع خزانة الإرث المديني وتاريخه؛ فأعطى قلمه أحقيته في التعبير عن ذكرى الماضي وذاكرة المكان.