صدمة السي إن إن والإعلام المحايد !
الأربعاء / 09 / جمادى الأولى / 1442 هـ الخميس 24 ديسمبر 2020 00:08
محمد الساعد
أحدث بث قناة «السي إن إن» برامجها الإخبارية لأول مرة للعالم العربي العام 90 في أعقاب الاجتياح العراقي للكويت، صدمة كبيرة في المتلقي العربي، كان اندهاشا من التقنيات الخبرية وإعجابا بما وصف وقتها بحرية الصحافة واستقلاليتها، فهل كانت مستقلة؟
كانت «السي إن إن» تبث من بغداد على الهواء مباشرة وينقل مراسلها من فندق الرشيد الصواريخ المتساقطة على المباني والأحياء السكنية. المراسل مع فريقه يتنقل بين المباني والمؤسسات التي تأثرت من القصف العنيف ويلتقي المسؤولين والأهالي العراقيين. للوهلة الأولى يظن المتابع أن القناة تنقل وجهتي النظر، بينما هي كانت تعزز وجهة النظر الأمريكية في أعين المتلقي في العالم. لقد كانت آلة دعاية ممتازة.
أحدثت «السي إن إن» شقا عميقا في جدار الإعلام العربي الصلب، الذي بقي محصورا داخل رحم وزارات الإعلام تحت اسم الإعلام الرسمي لأكثر من 6 عقود، كان إعلاما يشابه بعضه، لا فرق إلا في التفاصيل الصغيرة.
بلا شك كانت التجربة الجديدة ملهمة للإعلام العربي، فقد أكسبته خبرات ونوافذ أطل منها على العالم. بعض الحكومات العربية كالسعودية تنبهت مبكرا فدعمت الإعلام الخاص الذي تبنى التقنيات والمهنية الغربية، فنشأت «الإم بي سي» و«إي آر تي»، وتبعتها العربية، وإيلاف. السعوديون أعطوا لتلك المنصات مساحة من الحرية والمهنية، لكن بعض العرب لبس بدلة الإعلام الغربية فوق السروال أو الجلابية فخرج إعلاما مشوها.
انفجرت القنوات العربية وتوالدت مثل الفطر من منصات إخبارية إلى منوعات، وموسيقى، حتى وصلت إلى أكثر من 2000 قناة دفعة واحدة.
كان للقنوات الإخبارية تأثيرها الحقيقي وجمهورها الواسع في الشارع، فقد خرج العالم العربي بعد تحرير الكويت مختلفا عما كان، أكثر شغفا بالمعلومة، أكثر تلهفا على الإبهار البصري، لكنه لم يكن واعيا بأن ذلك الانجراف كانت وراءه أجندات غربية خفية عنه، بدأ بتنفيذها عبر مسارات عديدة، منها خلق معارضات داخلية، وبناء مجاميع يسارية وإسلاموية ستقوم بدورها ذات يوم، فضلا عن تهريب مرتزقة للخارج للقيام بأدوار تخريبية (المسعري والفقيه) مثل لها.
بعد أحمد سعيد من صوت العرب في القاهرة، تولت إذاعات البي بي سي، ومونت كارلو، وصوت أمريكا مهمة تزويد العرب بالأخبار والتقارير خارج الخط الإعلامي الرسمي، لكن ذلك كله سقط مع خروج لاري كينج على السي إن إن. صدق العرب حينها أن الإعلام الغربي مستقل. محايد. مهني. استقصائي. مخلص. يبحث عن الحقيقة. ولا يختلق الأخبار والقصص. كانت كذبة كبيرة ووهما دارجا.
حاول العرب إثر ذلك إنشاء إعلامهم «المستقل» على الموديل الغربي، فإذا بهم يصبحون أسرى الأيديولوجيا العروبية وتنمر عرب الشمال وحماقات الإسلامويين والتنظيمات الإرهابية، فكانوا نسخة مشوهة من السي إن إن، والنيويورك تايمز، والواشنطن بوست، والديلي ميل، ودير شبيغل.
السعوديون كانوا في عين عاصفة الإعلام، فالعرب حسدوها ونقموا عليها لعلاقاتها المميزة مع الغرب، والغرب لم يرض عنها لأنها مستقلة ولم تخن قضاياه، فأصبح العرب يظنونها شيطان الغرب، وأصبح الغرب يظنها شيطان العرب.
أضحى الإعلام الغربي خادما عند عتبات الأيديولوجيا الغربية ومخرجات الأحزاب وبيوت المال والنفوذ، ينفذ سياسات مرجعياتها الحزبية والمالية، ويدافع عنها ويهاجم خصومها.
من هنا يمكن فهم علاقة الإعلام الغربي بالسعودية، فطوال 7 عقود كانت قضايا اجتماعية سعودية هي رأس الرمح في الهجوم عليها، من قيادة المرأة السيارة، إلى الولاية، إلى العمل، إلى الكفالات، مرورا بالقضاء والأحكام الشرعية.. إلخ، كلها كشفت عن الوجه القبيح المختبئ خلف شعارات الإنسانية والحقوق.
إعلام غربي مؤدلج لا يرضى إلا بالسقوط الكلي للمشروع السعودي. مخطط غربي منحاز يرى السعودية أولا وفضاءها العربي والإسلامي ثانيا مصدر خطورة عليهم وحائط سد وقف ضد كل المخططات السياسية والثقافية الإباحية المنفلتة التي يريدون تسويقها في عالمنا العربي والإسلامي.
ولذلك فإن الحديث عن إعلام سعودي محايد، أو كتاب ومثقفين عقلانيين هو نوع من إتاحة الفضاء أمام غول الإعلام الغربي للاستيلاء على المشهد وشيطنة الرياض وقيادتها وشعبها. ولا حل في نظري إلا بالتصدي والانحياز والوقوف ضد المشاريع اليسارية العابرة التي تبدأ في مكتب متطرف يساري في شيكاغو وتمول من أمازون وتنشر في النيويورك تايمز.
كاتب سعودي
massaaed@
كانت «السي إن إن» تبث من بغداد على الهواء مباشرة وينقل مراسلها من فندق الرشيد الصواريخ المتساقطة على المباني والأحياء السكنية. المراسل مع فريقه يتنقل بين المباني والمؤسسات التي تأثرت من القصف العنيف ويلتقي المسؤولين والأهالي العراقيين. للوهلة الأولى يظن المتابع أن القناة تنقل وجهتي النظر، بينما هي كانت تعزز وجهة النظر الأمريكية في أعين المتلقي في العالم. لقد كانت آلة دعاية ممتازة.
أحدثت «السي إن إن» شقا عميقا في جدار الإعلام العربي الصلب، الذي بقي محصورا داخل رحم وزارات الإعلام تحت اسم الإعلام الرسمي لأكثر من 6 عقود، كان إعلاما يشابه بعضه، لا فرق إلا في التفاصيل الصغيرة.
بلا شك كانت التجربة الجديدة ملهمة للإعلام العربي، فقد أكسبته خبرات ونوافذ أطل منها على العالم. بعض الحكومات العربية كالسعودية تنبهت مبكرا فدعمت الإعلام الخاص الذي تبنى التقنيات والمهنية الغربية، فنشأت «الإم بي سي» و«إي آر تي»، وتبعتها العربية، وإيلاف. السعوديون أعطوا لتلك المنصات مساحة من الحرية والمهنية، لكن بعض العرب لبس بدلة الإعلام الغربية فوق السروال أو الجلابية فخرج إعلاما مشوها.
انفجرت القنوات العربية وتوالدت مثل الفطر من منصات إخبارية إلى منوعات، وموسيقى، حتى وصلت إلى أكثر من 2000 قناة دفعة واحدة.
كان للقنوات الإخبارية تأثيرها الحقيقي وجمهورها الواسع في الشارع، فقد خرج العالم العربي بعد تحرير الكويت مختلفا عما كان، أكثر شغفا بالمعلومة، أكثر تلهفا على الإبهار البصري، لكنه لم يكن واعيا بأن ذلك الانجراف كانت وراءه أجندات غربية خفية عنه، بدأ بتنفيذها عبر مسارات عديدة، منها خلق معارضات داخلية، وبناء مجاميع يسارية وإسلاموية ستقوم بدورها ذات يوم، فضلا عن تهريب مرتزقة للخارج للقيام بأدوار تخريبية (المسعري والفقيه) مثل لها.
بعد أحمد سعيد من صوت العرب في القاهرة، تولت إذاعات البي بي سي، ومونت كارلو، وصوت أمريكا مهمة تزويد العرب بالأخبار والتقارير خارج الخط الإعلامي الرسمي، لكن ذلك كله سقط مع خروج لاري كينج على السي إن إن. صدق العرب حينها أن الإعلام الغربي مستقل. محايد. مهني. استقصائي. مخلص. يبحث عن الحقيقة. ولا يختلق الأخبار والقصص. كانت كذبة كبيرة ووهما دارجا.
حاول العرب إثر ذلك إنشاء إعلامهم «المستقل» على الموديل الغربي، فإذا بهم يصبحون أسرى الأيديولوجيا العروبية وتنمر عرب الشمال وحماقات الإسلامويين والتنظيمات الإرهابية، فكانوا نسخة مشوهة من السي إن إن، والنيويورك تايمز، والواشنطن بوست، والديلي ميل، ودير شبيغل.
السعوديون كانوا في عين عاصفة الإعلام، فالعرب حسدوها ونقموا عليها لعلاقاتها المميزة مع الغرب، والغرب لم يرض عنها لأنها مستقلة ولم تخن قضاياه، فأصبح العرب يظنونها شيطان الغرب، وأصبح الغرب يظنها شيطان العرب.
أضحى الإعلام الغربي خادما عند عتبات الأيديولوجيا الغربية ومخرجات الأحزاب وبيوت المال والنفوذ، ينفذ سياسات مرجعياتها الحزبية والمالية، ويدافع عنها ويهاجم خصومها.
من هنا يمكن فهم علاقة الإعلام الغربي بالسعودية، فطوال 7 عقود كانت قضايا اجتماعية سعودية هي رأس الرمح في الهجوم عليها، من قيادة المرأة السيارة، إلى الولاية، إلى العمل، إلى الكفالات، مرورا بالقضاء والأحكام الشرعية.. إلخ، كلها كشفت عن الوجه القبيح المختبئ خلف شعارات الإنسانية والحقوق.
إعلام غربي مؤدلج لا يرضى إلا بالسقوط الكلي للمشروع السعودي. مخطط غربي منحاز يرى السعودية أولا وفضاءها العربي والإسلامي ثانيا مصدر خطورة عليهم وحائط سد وقف ضد كل المخططات السياسية والثقافية الإباحية المنفلتة التي يريدون تسويقها في عالمنا العربي والإسلامي.
ولذلك فإن الحديث عن إعلام سعودي محايد، أو كتاب ومثقفين عقلانيين هو نوع من إتاحة الفضاء أمام غول الإعلام الغربي للاستيلاء على المشهد وشيطنة الرياض وقيادتها وشعبها. ولا حل في نظري إلا بالتصدي والانحياز والوقوف ضد المشاريع اليسارية العابرة التي تبدأ في مكتب متطرف يساري في شيكاغو وتمول من أمازون وتنشر في النيويورك تايمز.
كاتب سعودي
massaaed@