منوعات

يوسف دمنهوري.. بين مملكة الكتابة وحضارة الحرف.. روعة مسيرة

يوسف دمنهوري.

طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@

وسط «حارة القشاشية» بتلك المدينة المعظمة وذلك البلد الأمين الحاضن لثقافات العالم (مكة)؛ حملته أمه وهناً على وهن، في الثلث الأول للثلاثينات الميلادية.. ومن أسرة مكية عريقة امتهن أجدادها «الطوافة» وخدمة قاصدي الحرم؛ ترعرع «عاشق القراءة» في كنفها.. ولما عاش في بيت أدب وصحافة ودرسهما بالقاهرة؛ كان أحد المؤسسين السامقين لبيادر الحركة الثقافية والإعلامية، وأوائل واضعي اللبنة الأولى لمسيرة الإذاعة والتلفزيون.. إنه الأديب والصحفي الراحل يوسف دمنهوري.

في دار مآثر وكنوز تحيط بها الكتب؛ تربى في بيئة ثقافة وسمو إنتاج وروعة مسيرة.. وعندما ولد تحت ظِل العلم والأدب؛ انتهجت كتاباته أسلوباً تعبيرياً خاصاً.. ولما تأثر برائد الرواية والقصة السعودية وأول كاتبيها أخيه «حامد»؛ حرث الأرض لتأسيس منهج قيمي متوازن، رداً على نقَّادٍ هبطوا بالعُرف الأدبي.

وعن ارتباطه الوطيد بالكتاب والقرطاس والمحبرة؛ في «المراهقة» قارئ نهم أخذ بالفكرة وعرف حضارة الحرف، وفي «الشبيبة» كاتب متجدد تجاوز التكرار وأدرك قيمة الكلمة.. ولما عاش بالمنطقة العميقة لرجل الشارع؛ سطَّر بقلمه الجريء معاني خالدة ووجهاً مشرقاً في كل المحافل.. ذلك ديدن إنسان صافٍ حجز تذكرته مبكراً وودع الدنيا.

أما في بدايات تأسيس التلفزيون السعودي فاختير واحداً من قادة وزارة الإعلام لإنجاز المشروع.. وحين اقتحم «مملكة الكتابة» بمقالته الشهرية في مجلة «قريش»؛ منح لنفسه سلاما واطمئناناً، وأتقن تعريف القلم وفَسَّره.. ولما كانت التجربة الصحفية في زمنه مجالاً لإنتاج المعرفة؛ صنع لذاته تفاعلاً نفسياً ووجدانياً في زمن متسارع.

وبين الحنين إلى معشوقته «الصحافة»، والارتقاء بها بمشاعر تسيل لها الأجفان والوجدان؛ انتقل إلى دور متقدم للسلطة الرابعة كصناعة لا موهبة.. وبين الأداء والشكل والمضمون في بلاط صاحبة الجلالة لم يكن رهيناً للثنائيات الحادة في الكتابة الصحفية.. وحين جذَّر مبادئه وقِيَمه وأصَالته؛ حذَّر من ظهور «التطرف الفكري».

مع زوجته «مريم» وابنيه «مازن ورامي» وابنتيه «مي وميرامار» وأحفاده؛ ربُ أسرة لطيف المعشر نطقت له قلوبهم محبة واعتزازاً.. وعن رفيقة دربه اللذان أمضيا معاً في طريق الحياة، حلوها ومرها؛ جُمِعت بينهما أمشاج أسرتين نبيلتين «دمنهوري وسنبل».. وحين مرضا بـ«السرطان» سوياً؛ ارتقيا إلى خالقهما سوياً، وبُشِّرا بروح وريحان سوياً.