السعودية تقودُ مجموعة «العشرين»: جهودٌ استثنائية في ظرفٍ استثنائي
الخميس / 17 / جمادى الأولى / 1442 هـ الجمعة 01 يناير 2021 00:53
إيلي القصيفي
بمقدار ما تشكّل قمّة مجموعة العشرين حدثاً اقتصادياً عالمياً فهي تمثل أيضاً حدثاً سياسياً بارزاً على مستوى العالم. وهو ما انطبق بقوّة على قمّة المجموعة هذا العام التي انعقدت برئاسة المملكة العربية السعودية في الرياض في 22 و23 تشرين الثاني الفائت عبر تقنيات الفيديو.
لقد حملت رئاسة السعودية للقمّة هذا العام دلالتين سياسيتين رئيسيتين. وتتمثّل أولاها في قدرة الديبلوماسية السعودية على تدوير الزوايا بين الدول أعضاء المجموعة، لاسيما أنّ تفشّي وباء كورونا كان قد فاقم توتر العلاقات بين البعض منها وتحديداً بين الولايات المتحدة والصين.
أمّا الدلالة الثانية فتتمثّل في أنّ رئاسة السعودية للقمّة شكّلت استثناء في العالم العربي الغارق في الصراعات والأزمات السياسية والعسكرية التي أهلكت اقتصادات دوله وأهدرت ثرواته المادية والبشرية. وما يعزّز هذا الاستثناء هو نجاح المملكة في تنظيم القمة عن بعد بإحكام السيطرة على تحدّيات متشعبة وذلك بتمكنها من إدارة التواصل الإلكتروني بين دول تقع في مناطق زمنية مختلفة، ونجاحها بالموازاة في التصدي للـ2.8 مليون هجمة إلكترونية التي استهدفتها.
وما يزيد في التوكيد على نجاح رئاسة السعودية للمجموعة لعام 2020، أنّ المملكة عندما تسلّمت هذه المسؤولية من اليابان في 23 كانون الثاني (ديسمبر) 2019 لم تكن جائحة كورونا قد انتشرت في العالم بعد. أي أنّ أولويات دول المجموعة كانت مختلفة تماماً وقتذاك عمّا صارت عليه بعد تفشي الوباء مطلع 2020. بالتالي فإنّ هذه الأزمة الصحّية غير المسبوقة في تاريخ البشرية التي خلّفت ولا تزال تبعات اقتصادية واجتماعية هائلة سرعان ما جعلت من رئاسة السعودية للمجموعة التي تضمّ أقوى اقتصادات العالم (19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) رئاسة استثنائية في ظرف عالمي استثنائي. فقد كان الوباء يعبر حدود الدول بسرعة قياسية مهدّداً حياة ملايين البشر ومتسبّباً في انكماش اقتصادي قياسيّ أيضاً. وذلك في وقت بلغ التضامن الدولي في مواجهة هذه الأزمة المزدوجة أدنى مستوياته، في ظلّ تصاعد النزعة «الانكفائية» للدوّل في التصدّي للأزمة الصحية العالمية، في وقت كانت المؤسسات الأممية الراعية والمحفزّة للسياسات متعدّدة الأطراف قد أصيبت بأعطاب رئيسية، سواء منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها أكبر دولة مموّلة لها، أي الولايات المتحدة بالانحياز إلى الصين، أو منظمة التجارة العالمية التي كان عملها قد شلّ منذ 2019 بسبب النزاع التجاري بين بكين وواشنطن كما الخلافات التجارية بين الأخيرة والاتحاد الأوروبي. وقد فاقمت هذه النزاعات اختلال شبكات الإمداد الصحية في ظلّ اتهامات أوروبية وأميركية للصين في التحكّم بتصدير المواد الطبية الضرورية التي تتركز صناعتها على أراضيها، وذلك في وقت عانت دول أوروبية عدّة من نقص في هذه المواد، فدارت «حرب كمّامات» بينها وسعت كلّ منها إلى الاستحواذ على الكمية الأكبر منها ولو عبر القرصنة.
في ظلّ هذا الوضع الدولي شديد التعقيد والخطورة، تمثّل التحدّي الأوّل والرئيسي أمام السعودية منذ الأسابيع الأولى لرئاستها «قمة العشرين» في إطلاق مبادرة للتعاون الدولي تعيد الاعتبار للسياسات متعدّدة الأطراف في مواجهة تحديين متداخلين: تفشّي وباء كورونا، والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه. وبالفعل سارعت مبادرة السعودية بطلب عقد قمّة استثنائية لمجموعة العشرين نظّمت عبر تقنية الفيديو في 26 آذار 2020، وذلك قبل الموعد الرسمي للقمة بسبعة أشهر. وقد مكّنت جهود المملكة حينها من كبح النزاعات بين دول العشرين من خلال التوصل إلى تأكيد المجموعة في البيان الختامي للقمة الاستثنائية التزام الدول الأعضاء تشكيل جبهة موحّدة لمواجهة الخطر المشترك، وتقديم الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية وتعزيز صلاحياتها، كما تعهدت دول المجموعة بضخّ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي لتخفيف آثار الوباء. والجدير ذكره في هذا السياق أنه بالاستناد إلى وجاهة ونجاعة تجربة مبادرة السعودية عقد قمّة استثنائية، فقد اقترح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ختام قمة الرياض في نوفمبر أن تعقد قمة العشرين من الآن فصاعداً مرتين، الأولى افتراضية في منتصف العام، والثانية حضورية في نهايته.
بالتالي نجحت السعودية، من خلال هذه القمة الاستثنائية، في إعادة تفعيل السياسات متعددة الأطراف في أوج تصاعد موجة «الأنانيات الوطنية» وتقاذف الاتهامات والمسؤوليات بين الدول، إذ شكّلت هذه القمّة المحطّة المفصلية في مسار تضافر الجهود لمكافحة الوباء على المستوى العالمي والحدّ من تبعاته الاجتماعية والاقتصادية عبر تأكيد ضرورة التنسيق الدولي في التصدّي للجائحة وإرساء مبدأ الموازنة بين الضرورات الصحيّة والتحديات الاقتصادية. ويتماشى هذا الإنجاز مع نهج السعودية المتمسّك بمبدأ تعددية الأطراف في العلاقات الدولية، لاسيما في المجالين الاقتصادي والتجاري، الذي أكد عليه مراراً محمد التويجري، وزير الاقتصاد السابق للمملكة الذي كان مرشحا لغاية أكتوبر الماضي لإدارة منظمة التجارة العالمية، حيث صرّح أن هذه المنظمة «تحتاج إلى انبعاث جديد لتكون قادرة على تمثيل جميع البلدان وضمان احترام الجميع لنظام تجاري متعدد الأطراف منصف وعادل وفعال»، مشدداً على كون «آلية التجارة متعددة الأطراف وحدها هي التي ستكون قادرة على الاستجابة لأخطر الظواهر العالمية». (صحيفة الوكالة الاقتصادية والمالية في جنيف 8 أيلول 2020).
ثمّ استتبعت قمّة آذار بسلسلة اجتماعات ومبادرات في سياق التوفيق بين الموجبات الصحية والضرورات الاقتصادية، بدأت باجتماع وزراء مالية المجموعة في 15 نيسان حيث اتفق على نهج منسق حيال تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الأشد فقراً بدءاً من أول أيار وحتى نهاية العام. ثمّ في حزيران الماضي، وضعت مجموعة الفكر T20 20 مقترحاً بحثياً لمكافحة الفايروس، عبر مسارات تشمل القطاعات الصحية والمالية والاقتصادية والتعليمية والمناخية. وفي الشهر نفسه أعلنت المجموعة عن تعهدات بأكثر من 21 مليار دولار، لدعم تمويل «الصحّة العالمية».
وعلى المنوال نفسه فقد طغت على قمّة الرياض في 22 و23 تشرين الثاني الفائت قضيتان رئيسيتان ومتداخلتان كما وضّحهما البيان الختامي: الأولى «حشد الموارد الّلازمة لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة في مجال الصحة العالمية لدعم الأبحاث والتطوير والتصنيع والتوزيع لأدوات التشخيص والعلاجات واللقاحات الآمنة والفاعلة للفيروس، وضمان وصولها العادل للجميع بتكلفة ميسورة».
أمّا القضية الثانية فتخصّ «دعم جميع الدول النامية والدول الأقل نمواً في مواجهة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة لفايروس كورونا». وفي السياق نفسه فقد تمّ التعهّد بـ«ضمان مواصلة المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية ذات العلاقة تقديم الدعم الضروري للدول الناشئة والنامية ومنخفضة الدخل». كما التزمت المجموعة بتطبيق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين إلى حزيران 2021. وقد استفادت 46 دولة من هذه المبادرة، حتى 13 تشرين الثاني، بينما يمكن أن تستفيد منها 73 دولة مؤهلة للحصول على قروض دولية.
وبذلك يمكن القول إنّ القمّة المنعقدة برئاسة السعودية قد رسمت الطريق لعبور العالم بأسره إلى «حقبة ما بعد الجائحة»، وهي حقبة سيكون عنوانها الأبرز إعادة الاعتبار إلى السياسات الدولية متعددة الأطراف كما يستدلّ من البيان الختامي للقمّة الذي أكّد في جملته الأولى على «ضرورة تنسيق الإجراءات العالمية والتضامن والتعاون متعدد الأطراف في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات الراهنة واغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع».
وهو ما يعكس الخطوط العريضة للديبلوماسية السعودية التي ما فتئت تشدّد على التضامن والتعاون الدولي، لاسيما من خلال إطلاقها «مبادرة الرياض حول مستقبل منظمة التجارة العالمية» في 11 آذار الماضي. وتهدف هذه المبادرة إلى تحديد أرضية مشتركة لمبادئ السياسة التجارية، التي يمكن أن توفّر الأساس لمناقشات إصلاح منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى توفير الدعم السياسي المبني على المبادئ التأسيسية التي ستدعم المنظمة على مدى الأعوام الـ25 المقبلة وما بعدها. وقد أيّدت دول المجموعة هذه المبادرة في البيان الختامي لقمّتها.
لقد شاءت الأقدار أن تتسلّم السعودية رئاسة «العشرين» من اليابان في كانون الأول 2019، أي على أعتاب تفشّي جائحة كورونا، وأن تسلّمها لإيطاليا مع بدايات بزوغ الأمل في إمكان خروج العالم من نفق الوباء مع بدء اعتماد اللقاحات المضادة له. كلّ ذلك يؤكّد استثنائية الظرف الذي تولّت فيه السعودية رئاسة «العشرين»، ولا شك أنّها نجحت في المهمّة الصعبة الملقاة على عاتقها. وذلك بالرغم من حملات التشويش الأمنية والإعلامية والسياسية التي تعرضّت لها، سواء لجهة القصف الصاروخي على مدن ومؤسسات سعودية بالتزامن مع عقد القمّة أو لناحية شنّ ملايين الهجمات الإلكترونية بهدف التشويش على الاجتماعات وتخريبها، وقد صدّت كلّها بنجاح.
هذا كلّه يجعل من رئاسة السعودية لقمّة «العشرين» - 2020 محطّة مضيئة في المسار السياسي والديبلوماسي للمملكة التي أثبتت من خلال قدرتها على إدارة قمّة من هذا النوع وفي هذا الظرف بالذات أهليتها للعب دور كبير على الساحة الدولية، وتحديداً بالنظر إلى قابلية ديبلوماسيتها على تدوير الزوايا بين الدول الكبرى المتنازعة في ما بينها، وهو ما تؤكّده دعواتها ومبادراتها الهادفة إلى جعل التعاون الدولي أكثر فاعلية في ظلّ التحديات المعاصرة.
كاتب لبناني
Ekosseifi@gmail.com
لقد حملت رئاسة السعودية للقمّة هذا العام دلالتين سياسيتين رئيسيتين. وتتمثّل أولاها في قدرة الديبلوماسية السعودية على تدوير الزوايا بين الدول أعضاء المجموعة، لاسيما أنّ تفشّي وباء كورونا كان قد فاقم توتر العلاقات بين البعض منها وتحديداً بين الولايات المتحدة والصين.
أمّا الدلالة الثانية فتتمثّل في أنّ رئاسة السعودية للقمّة شكّلت استثناء في العالم العربي الغارق في الصراعات والأزمات السياسية والعسكرية التي أهلكت اقتصادات دوله وأهدرت ثرواته المادية والبشرية. وما يعزّز هذا الاستثناء هو نجاح المملكة في تنظيم القمة عن بعد بإحكام السيطرة على تحدّيات متشعبة وذلك بتمكنها من إدارة التواصل الإلكتروني بين دول تقع في مناطق زمنية مختلفة، ونجاحها بالموازاة في التصدي للـ2.8 مليون هجمة إلكترونية التي استهدفتها.
وما يزيد في التوكيد على نجاح رئاسة السعودية للمجموعة لعام 2020، أنّ المملكة عندما تسلّمت هذه المسؤولية من اليابان في 23 كانون الثاني (ديسمبر) 2019 لم تكن جائحة كورونا قد انتشرت في العالم بعد. أي أنّ أولويات دول المجموعة كانت مختلفة تماماً وقتذاك عمّا صارت عليه بعد تفشي الوباء مطلع 2020. بالتالي فإنّ هذه الأزمة الصحّية غير المسبوقة في تاريخ البشرية التي خلّفت ولا تزال تبعات اقتصادية واجتماعية هائلة سرعان ما جعلت من رئاسة السعودية للمجموعة التي تضمّ أقوى اقتصادات العالم (19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) رئاسة استثنائية في ظرف عالمي استثنائي. فقد كان الوباء يعبر حدود الدول بسرعة قياسية مهدّداً حياة ملايين البشر ومتسبّباً في انكماش اقتصادي قياسيّ أيضاً. وذلك في وقت بلغ التضامن الدولي في مواجهة هذه الأزمة المزدوجة أدنى مستوياته، في ظلّ تصاعد النزعة «الانكفائية» للدوّل في التصدّي للأزمة الصحية العالمية، في وقت كانت المؤسسات الأممية الراعية والمحفزّة للسياسات متعدّدة الأطراف قد أصيبت بأعطاب رئيسية، سواء منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها أكبر دولة مموّلة لها، أي الولايات المتحدة بالانحياز إلى الصين، أو منظمة التجارة العالمية التي كان عملها قد شلّ منذ 2019 بسبب النزاع التجاري بين بكين وواشنطن كما الخلافات التجارية بين الأخيرة والاتحاد الأوروبي. وقد فاقمت هذه النزاعات اختلال شبكات الإمداد الصحية في ظلّ اتهامات أوروبية وأميركية للصين في التحكّم بتصدير المواد الطبية الضرورية التي تتركز صناعتها على أراضيها، وذلك في وقت عانت دول أوروبية عدّة من نقص في هذه المواد، فدارت «حرب كمّامات» بينها وسعت كلّ منها إلى الاستحواذ على الكمية الأكبر منها ولو عبر القرصنة.
في ظلّ هذا الوضع الدولي شديد التعقيد والخطورة، تمثّل التحدّي الأوّل والرئيسي أمام السعودية منذ الأسابيع الأولى لرئاستها «قمة العشرين» في إطلاق مبادرة للتعاون الدولي تعيد الاعتبار للسياسات متعدّدة الأطراف في مواجهة تحديين متداخلين: تفشّي وباء كورونا، والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه. وبالفعل سارعت مبادرة السعودية بطلب عقد قمّة استثنائية لمجموعة العشرين نظّمت عبر تقنية الفيديو في 26 آذار 2020، وذلك قبل الموعد الرسمي للقمة بسبعة أشهر. وقد مكّنت جهود المملكة حينها من كبح النزاعات بين دول العشرين من خلال التوصل إلى تأكيد المجموعة في البيان الختامي للقمة الاستثنائية التزام الدول الأعضاء تشكيل جبهة موحّدة لمواجهة الخطر المشترك، وتقديم الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية وتعزيز صلاحياتها، كما تعهدت دول المجموعة بضخّ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي لتخفيف آثار الوباء. والجدير ذكره في هذا السياق أنه بالاستناد إلى وجاهة ونجاعة تجربة مبادرة السعودية عقد قمّة استثنائية، فقد اقترح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ختام قمة الرياض في نوفمبر أن تعقد قمة العشرين من الآن فصاعداً مرتين، الأولى افتراضية في منتصف العام، والثانية حضورية في نهايته.
بالتالي نجحت السعودية، من خلال هذه القمة الاستثنائية، في إعادة تفعيل السياسات متعددة الأطراف في أوج تصاعد موجة «الأنانيات الوطنية» وتقاذف الاتهامات والمسؤوليات بين الدول، إذ شكّلت هذه القمّة المحطّة المفصلية في مسار تضافر الجهود لمكافحة الوباء على المستوى العالمي والحدّ من تبعاته الاجتماعية والاقتصادية عبر تأكيد ضرورة التنسيق الدولي في التصدّي للجائحة وإرساء مبدأ الموازنة بين الضرورات الصحيّة والتحديات الاقتصادية. ويتماشى هذا الإنجاز مع نهج السعودية المتمسّك بمبدأ تعددية الأطراف في العلاقات الدولية، لاسيما في المجالين الاقتصادي والتجاري، الذي أكد عليه مراراً محمد التويجري، وزير الاقتصاد السابق للمملكة الذي كان مرشحا لغاية أكتوبر الماضي لإدارة منظمة التجارة العالمية، حيث صرّح أن هذه المنظمة «تحتاج إلى انبعاث جديد لتكون قادرة على تمثيل جميع البلدان وضمان احترام الجميع لنظام تجاري متعدد الأطراف منصف وعادل وفعال»، مشدداً على كون «آلية التجارة متعددة الأطراف وحدها هي التي ستكون قادرة على الاستجابة لأخطر الظواهر العالمية». (صحيفة الوكالة الاقتصادية والمالية في جنيف 8 أيلول 2020).
ثمّ استتبعت قمّة آذار بسلسلة اجتماعات ومبادرات في سياق التوفيق بين الموجبات الصحية والضرورات الاقتصادية، بدأت باجتماع وزراء مالية المجموعة في 15 نيسان حيث اتفق على نهج منسق حيال تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الأشد فقراً بدءاً من أول أيار وحتى نهاية العام. ثمّ في حزيران الماضي، وضعت مجموعة الفكر T20 20 مقترحاً بحثياً لمكافحة الفايروس، عبر مسارات تشمل القطاعات الصحية والمالية والاقتصادية والتعليمية والمناخية. وفي الشهر نفسه أعلنت المجموعة عن تعهدات بأكثر من 21 مليار دولار، لدعم تمويل «الصحّة العالمية».
وعلى المنوال نفسه فقد طغت على قمّة الرياض في 22 و23 تشرين الثاني الفائت قضيتان رئيسيتان ومتداخلتان كما وضّحهما البيان الختامي: الأولى «حشد الموارد الّلازمة لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة في مجال الصحة العالمية لدعم الأبحاث والتطوير والتصنيع والتوزيع لأدوات التشخيص والعلاجات واللقاحات الآمنة والفاعلة للفيروس، وضمان وصولها العادل للجميع بتكلفة ميسورة».
أمّا القضية الثانية فتخصّ «دعم جميع الدول النامية والدول الأقل نمواً في مواجهة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة لفايروس كورونا». وفي السياق نفسه فقد تمّ التعهّد بـ«ضمان مواصلة المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية ذات العلاقة تقديم الدعم الضروري للدول الناشئة والنامية ومنخفضة الدخل». كما التزمت المجموعة بتطبيق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين إلى حزيران 2021. وقد استفادت 46 دولة من هذه المبادرة، حتى 13 تشرين الثاني، بينما يمكن أن تستفيد منها 73 دولة مؤهلة للحصول على قروض دولية.
وبذلك يمكن القول إنّ القمّة المنعقدة برئاسة السعودية قد رسمت الطريق لعبور العالم بأسره إلى «حقبة ما بعد الجائحة»، وهي حقبة سيكون عنوانها الأبرز إعادة الاعتبار إلى السياسات الدولية متعددة الأطراف كما يستدلّ من البيان الختامي للقمّة الذي أكّد في جملته الأولى على «ضرورة تنسيق الإجراءات العالمية والتضامن والتعاون متعدد الأطراف في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات الراهنة واغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع».
وهو ما يعكس الخطوط العريضة للديبلوماسية السعودية التي ما فتئت تشدّد على التضامن والتعاون الدولي، لاسيما من خلال إطلاقها «مبادرة الرياض حول مستقبل منظمة التجارة العالمية» في 11 آذار الماضي. وتهدف هذه المبادرة إلى تحديد أرضية مشتركة لمبادئ السياسة التجارية، التي يمكن أن توفّر الأساس لمناقشات إصلاح منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى توفير الدعم السياسي المبني على المبادئ التأسيسية التي ستدعم المنظمة على مدى الأعوام الـ25 المقبلة وما بعدها. وقد أيّدت دول المجموعة هذه المبادرة في البيان الختامي لقمّتها.
لقد شاءت الأقدار أن تتسلّم السعودية رئاسة «العشرين» من اليابان في كانون الأول 2019، أي على أعتاب تفشّي جائحة كورونا، وأن تسلّمها لإيطاليا مع بدايات بزوغ الأمل في إمكان خروج العالم من نفق الوباء مع بدء اعتماد اللقاحات المضادة له. كلّ ذلك يؤكّد استثنائية الظرف الذي تولّت فيه السعودية رئاسة «العشرين»، ولا شك أنّها نجحت في المهمّة الصعبة الملقاة على عاتقها. وذلك بالرغم من حملات التشويش الأمنية والإعلامية والسياسية التي تعرضّت لها، سواء لجهة القصف الصاروخي على مدن ومؤسسات سعودية بالتزامن مع عقد القمّة أو لناحية شنّ ملايين الهجمات الإلكترونية بهدف التشويش على الاجتماعات وتخريبها، وقد صدّت كلّها بنجاح.
هذا كلّه يجعل من رئاسة السعودية لقمّة «العشرين» - 2020 محطّة مضيئة في المسار السياسي والديبلوماسي للمملكة التي أثبتت من خلال قدرتها على إدارة قمّة من هذا النوع وفي هذا الظرف بالذات أهليتها للعب دور كبير على الساحة الدولية، وتحديداً بالنظر إلى قابلية ديبلوماسيتها على تدوير الزوايا بين الدول الكبرى المتنازعة في ما بينها، وهو ما تؤكّده دعواتها ومبادراتها الهادفة إلى جعل التعاون الدولي أكثر فاعلية في ظلّ التحديات المعاصرة.
كاتب لبناني
Ekosseifi@gmail.com