خيري بشارة: خطوات السينما السعودية مدهشة
أكد أن الموسيقى تعيش في داخله.. والمخرجون الشباب يقودون الساحة
الجمعة / 24 / جمادى الأولى / 1442 هـ الجمعة 08 يناير 2021 02:01
أنس اليوسف (جدة) 20_anas@ (تصوير: مديني عسيري)
يعيش المخرج المصري القدير خيري بشارة أحد أيامه السعيدة في مسيرة مليئة بكسر القواعد والنجاحات، إذ يجيء ترميم مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي لثمانية من أعماله السينمائية خطوة جادة في تخليد تجربة بشارة السينمائية لأجيال قادمة. ومن على الضفة الأخرى للبحر الأحمر في مدينة جدة يتحدث خيري بشارة مع جميع السينمائيين السعوديين وغيرهم بابتسامة لا تغيب عن محياه، وهو يرى أفلامه تُعرض بصورة أكثر صفاوة وأفضل دقة وأشد جذباً على هامش إطلاق أفلامه المرممة في صالات السينما أخيراً. بشارة الذي يبدو أكثر حماساً للسينما اليوم من بداياته في الستينات بفضل ترميم أعماله، قال لـ «عكاظ» في حوار مطول: «إن عينيه دمعتا حين علم برغبة المؤسسة ترميم أعماله». فإلى نص الحوار:
• بداية ماذا يمكن لك أن تقول لنا عن كواليس اختيار أفلامك الثمانية المرممة من قبل مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي أخيراً؟
•• بدأت القصة عندما أتاني المخرج السعودي الموهوب جدّاً محمود صباغ والمستشار الفني أنطوان خليفة في القاهرة لإبلاغي برغبتهما في أن أكون في المجلس الاستشاري للمهرجان، وشكرتهما على ذلك رغم عدم بحثي للمناصب، وبعدها أبلغاني بنية المؤسسة ترميم أفلامي، لحظتها دمعت عيناي وتأثرت جدّاً لأنني لا أملك أفلامي، وهي بالتأكيد خطوة مهمة.
• ماذا تقصد بعدم امتلاك نسخ لأفلامك؟
•• جميع أفلامي على أشرطة VHS ومع الوقت تتقادم وتختفي الألوان وتصبح الأفلام أبيض وأسود، ومع الوقت تختفي الصورة، وحينها تخلصت من أفلامي لعدم رغبتي في الاحتفاظ بها بهذه الطريقة المزعجة.
• بعد ترميم الأفلام الثمانية، هل هناك خطة لعرض الأفلام للعامة؟
•• فريق المؤسسة نجح في الاتفاق مع مختلف المنتجين والموزعين الذين يملكون أفلامي، ورمموا 8 من أفلامي، وأنا لدي 13 فيلماً، اثنان منها ديجيتال، و3 أفلام لم يتم ترميمها، وهي «الأقدار الدامية»، و«رغبة متوحشة»، و«قشر البندق»، ما عدا ذلك جميع أفلامي متاحة اليوم في السعودية مرممة، و5 من الأفلام عرضت في صالات السينما السعودية. ولدى مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي خطة طموحة للأفلام المرممة، ومن المقرر أن يجوبوا بها مهرجانات دولية في أوروبا وأمريكا مثل مهرجان فينيسا ومهرجان كان، إضافة إلى وجود خطة لعرض الأفلام في سينما زاوية في القاهرة. ولزاما علي القول إن أجمل ما في مؤسسة البحر الأحمر وجود كتيبة هائلة خلف هذه الأعمال من شباب وشابات سعوديين واعدين وفخور جدّاً بالعمل معهم وهم يظهرون عمق التغيير في السعودية.
مستقبل السعودية مطمئن
• التقيت مجموعةً من السينمائيين السعوديين خلال الأيام الماضية، هل ترى فرصاً واعدةً للسينما السعودية؟
•• أنا لدي احتكاك مبكر غير مباشر مع السينمائيين السعوديين، اكتشتفه مع هيفاء المنصور وفيلمها الطويل الأول «وجدة» في مهرجان دبي السينمائي، شكرتني حينها على المسرح قبل عرض الفيلم على نصائح قدمتها لها، وكنت حينها في لجنة تحكيم الأفلام من دول الخليج. وتذكرت حينها مشاهدتي لأفلام سعودية ذات نزعة تجريبية تبني نفسها. وفي السنوات الأخيرة ما يحدث شيء مدهش، هناك مخرجات ومخرجون سعوديون يقدمون تجارب جريئة وشجاعة وبلغة سينمائية عصرية وتتمكن من المشاركة في مهرجانات دولية وإما تفوز بجوائز أو تحظى بتنويه، وتجد بعض الأعمال على منصات مثل «نتفلكس»؛ لذا نرى اليوم خطوات مدهشة للسينما السعودية الشابة، فهي تدهشك لأنها جريئة في اقتحام الواقع وهناك مساحة للحرية، والرقابة متفهمة للطرح الإبداعي وما يمكنني أن أقوله إن ما يحدث هو شيء عظيم يبعث الطمأنينة حول مستقبل الصناعة في السعودية. هذا الانفتاح في الأفكار مفيد ليس فقط للسعودية، بل للعالم العربي.
• وهل تعتقد أن الأفلام السعودية ستكون محصورةً محلياً؟
•• أنا متأكد أن الأفلام السعودية ستصل للوطن العربي ومصر، دائماً ما أسمع من زملائي المصريين عن أفلام سعودية جيدة لم أشاهدها من قبل، حتى أن أحد المخرجين صارحني بغيرته من أحد الأفلام السعودية التي شاهدها في إحدى المهرجانات، واعتبر المخرج السعودي شاباً أكثر من غيره.
السينما في مأزق
• في وقتٍ يتغيّر فيه سلوك الجمهور لمتابعة الأعمال الفنية، ما مستقبل السينما؟
•• لا يمكن التنبؤ بمستقبل السينما، فالمنصات الحديثة مثل أمازون برايم وشاهد ونتفلكس أصبحت اليوم تنتج أعمالاً مختلفة ومسلسلات مغايرة للسائد، فالتغيير السريع في منصات العرض الحديثة بدأت تمثل تحدياً لصالات السينما، ومثل كورونا اليوم أعاقت فرصة تطور السينما، إذ قللت من نسب إشغال الصالات ما يعود سلباً على العوائد؛ لذا السينما اليوم في مأزق، ولكن رغم ذلك السينما مثل الكتاب لها سحرها، وهناك في مصر والسعودية وتونس والمغرب والإمارات تجارب مميزة. وأستذكر تجارب مخرجين واعدين في مصر مثل شريف البنداري وأحمد عامر وأحمد فوزي صالح ومحمد حماد وأيتن أمين، ولأول مرة حصدت السينما المصرية سعفة كان الذهبية عن الفيلم القصير «ستاشر» للمخرج سامح علاء. المستقبل يعتمد على الشباب بقدر دعمك للشباب ومنحهم مساحات للحرية والتفكير ينتظرك مستقبل أفضل.
• ماذا عن صناعة أفلام جماهيرية وأفلام للمهرجانات؟
•• المهرجانات بدأت تراعي أن تكون الأفلام يقبل عليها الناس وناجحة جماهيرياً إلا في استثناءات محدودة لأفلام مغرقة في فنيّتها أو خصوصيتها، لكن هذا خلاف السائد عن الأفلام، السائد يقول إن الأفلام المقبولة من المهرجان تنجح لدى الجمهور.
المخرجون الشباب هم الأبطال
• من يقود المشهد اليوم في الساحة السينمائية بين المخرج والمنتج والممثل؟
•• اليوم المخرجون الشباب هم الأبطال، هم الذين يقودون أعمالهم، ومن أبرز المخرجين الشباب اليوم في الساحة مروان حامد، وفي تجربة مثل «تراب الماس» كان ناضجاً بشكل عالٍ جداً. أما معادلة الإنتاج فهي تاريخياً لا تتغير، دائماً هناك منتج يتسيد الموقف أو ممثل أو مخرج، واليوم هناك أعمال يقف خلفها النجم وهناك أعمال وراءها المنتج مثل أعمال السبكي.
• كيف ترى سلطة الرقابة على الأعمال السينمائية؟
•• الرقابة في السينما العربية أحيانا متعنتة، لكن في العموم هناك مساحة من حرية التعبير نسبياً معقولة.
• هل تتطلب السينما الواقعية من المخرج العيش في واقع الحياة؟
•• أنا ضد النصيحة، أعتبر نفسي «ما بعد حداثي»، لكن ما يمكنني قوله للمخرجين الشباب هو البدء في العمل على أفلام قصيرة أو تسجيلية، تعتمد على معالجة خلاقة للواقع، فالمخرج يبدأ في التعرف على ناس عاديين وعرض قصص حياتهم وتُبنى من خلالها تجربة المخرج الإنسانية ويتعرف على أبناء وطنه أفضل، والمواصلة في زيادة المعرفة عن طريق هذا الأسلوب يزيد من الغنى المعرفي بخلاف معرفتك من الثقافة والقراءة، والفيلم القصير أيضاً يشجع المخرج على التجربة بشكل أكبر، لاعتبارات عدة فهو لا يستهدف جمهوراً عريضاً وهو بعيد عن صراعات المنتجين الشرسة؛ لذا يمنح المخرج فرصة للتجربة واستكشاف أسلوبه وسقف الموهبة.
الأغاني ساحرة وتنعشني
• المتتبع لأفلام خيري بشارة يشعر وكأنما الموسيقى تعيش في أفلامه، ما سر هذا الولع الشديد بالموسيقى وتوظيفها باستمرار في أغلب الأعمال؟
•• أنا أعشق الموسيقى والأغاني رغم أن صوتي بشع عندما أغني، رغم ذلك لدي تذوق للموسيقى، أنا أنام على صوت الموسيقى، الميزة التي أراها للموسيقى والشعر في الأفلام هي إمكانية نقلها لعدد هائل من المشاعر بشكل مكثف في وقت وجيز وتلخيص تجربة تريد قولها دون الحديث. وأنا أحب الأغاني لأنها ساحرة وتنعشني. وقلت لزوجتي في حال شعرتِ أنني أقترب من النهاية غني لي أغنية أنا أعشقها اسمها «بيلا تشاو» وفي حال غنيتِها سأفيق على الفور، وهناك فيلم كل ما أشعر بـ«مسحة اكتئاب» أشاهد فيلماً للمخرج الألماني فيم فيندرز «بوينا فيستا كلوب» صوره في كوبا أشعر بعده بالانتعاش فالأغاني فيه ساحرة وتبعث فيك حب الحياة.
• هل تواجه صعوبة في إقناع الممثلين بالغناء في أفلامك؟
•• أغلب الممثلين لا يحتاج للإقناع بالغناء في حال لديه الموهبة، لأن الفنان يعي بأن الأغنية تعيش أحياناً أطول من الفيلم نفسه ويرددها الناس في أعيادهم وأفراحهم باستمرار، ومن هذا المنطلق لم أواجه صعوبة في إقناع أحمد زكي بالغناء في فيلم كابوريا.
هذا سر اختيار عمرو دياب
• لماذا اخترت عمرو دياب تحديداً في بطولة «آيس كريم في جليم»؟
•• عندما بدأت في العمل على «آيس كريم في جليم» شرعت في عملية بحثٍ وتقصٍّ بين الشباب، أسأل شبابا عاديين لا علاقة لهم بالسينما عن من هم الفنانون الذين يتابعونهم، وكانت الإجابة الأكثر بين الناس هو عمرو دياب، الفيلم في ظاهره موسيقى غنائي، ولكن في الوقت نفسه يطرح أفكاراً مهمة للغاية من خلال عولمة العالم في وقتٍ كان العالم يراقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان هناك حوار عميق بين شخصيات ذات اتجاهات مختلفة، وحرصت على وجود عمرو دياب في الفيلم باعتباره محبوباً جدّاً بين الناس، ومشكلتي كانت أن الأغاني التي غناها عمرو دياب في الفيلم كانت جديدة عليه ومختلفة عما يغنيه في السابق، إلا أنه كان مستمتعاً بالتجربة ومستسلماً تماماً ولديه رغبة في السير معي في الطريق نفسه الذي كنت أفكر فيه.
صيني يموت في القاهرة
• بعد سنوات من العزوف عن الأعمال السينمائية، هل ينتظر المتابع أعمالاً جديدة من خيري بشارة؟
•• أعمل على مشروع جديد مع 8 مخرجين من مصر والسعودية والمغرب وفلسطين ولبنان، هو تجربة مثيرة ومختلفة ومن المقرر عرضها على منصة نتفلكس. ولدي فيلم كتبته عن مواطن صيني ينتقل للعيش في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي ويموت على أرضها في 1994، قصة هذا الإنسان البسيط الأمي الذي تتوطد علاقته بالتحف والمزادات لاحقاً، ومن ثم يكون ثاني شخص يفتتح مطعماً صينياً في مصر، والقصة هنا أن صديقاً صينياً يدعى «هان يان» صورت أحد مشاهد فيلم كابوريا في مطعمه، ومنذ حينها توثقت علاقتي به، وعايشت حينها قصة شخصية له عندما خرج والده الذي يعاني الزهايمر من المنزل وظلوا يبحثون عنه لأيام ووجدوه نائماً على الرصيف عند «سينما دولي» في شبرا، واتضح لاحقاً أنه يبحث عن البيت الكبير في الصين، تركت هذه القصة أثراً كبيراً في نفسي وظلت تلاحقني حتى كتبت سيناريو الفيلم أخيراً، وجارٍ العمل على كتابتها كرواية أيضاً.
كورونا لم تزعجني
• ماذا فعلت كورونا بخيري بشارة؟
•• الزمن لا يتوقف، أنا بطبعي متفائل عموماً، وليس لدي نظرة تشاؤمية للمستقبل ولا للحاضر، حتى كورونا لم تزعجني، أنا لدي طاقة إيجابية تملأ البحار، وأزمة كورونا منحتني مزيداً من الوقت للكتابة والقراءة والعائلة.
• بداية ماذا يمكن لك أن تقول لنا عن كواليس اختيار أفلامك الثمانية المرممة من قبل مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي أخيراً؟
•• بدأت القصة عندما أتاني المخرج السعودي الموهوب جدّاً محمود صباغ والمستشار الفني أنطوان خليفة في القاهرة لإبلاغي برغبتهما في أن أكون في المجلس الاستشاري للمهرجان، وشكرتهما على ذلك رغم عدم بحثي للمناصب، وبعدها أبلغاني بنية المؤسسة ترميم أفلامي، لحظتها دمعت عيناي وتأثرت جدّاً لأنني لا أملك أفلامي، وهي بالتأكيد خطوة مهمة.
• ماذا تقصد بعدم امتلاك نسخ لأفلامك؟
•• جميع أفلامي على أشرطة VHS ومع الوقت تتقادم وتختفي الألوان وتصبح الأفلام أبيض وأسود، ومع الوقت تختفي الصورة، وحينها تخلصت من أفلامي لعدم رغبتي في الاحتفاظ بها بهذه الطريقة المزعجة.
• بعد ترميم الأفلام الثمانية، هل هناك خطة لعرض الأفلام للعامة؟
•• فريق المؤسسة نجح في الاتفاق مع مختلف المنتجين والموزعين الذين يملكون أفلامي، ورمموا 8 من أفلامي، وأنا لدي 13 فيلماً، اثنان منها ديجيتال، و3 أفلام لم يتم ترميمها، وهي «الأقدار الدامية»، و«رغبة متوحشة»، و«قشر البندق»، ما عدا ذلك جميع أفلامي متاحة اليوم في السعودية مرممة، و5 من الأفلام عرضت في صالات السينما السعودية. ولدى مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي خطة طموحة للأفلام المرممة، ومن المقرر أن يجوبوا بها مهرجانات دولية في أوروبا وأمريكا مثل مهرجان فينيسا ومهرجان كان، إضافة إلى وجود خطة لعرض الأفلام في سينما زاوية في القاهرة. ولزاما علي القول إن أجمل ما في مؤسسة البحر الأحمر وجود كتيبة هائلة خلف هذه الأعمال من شباب وشابات سعوديين واعدين وفخور جدّاً بالعمل معهم وهم يظهرون عمق التغيير في السعودية.
مستقبل السعودية مطمئن
• التقيت مجموعةً من السينمائيين السعوديين خلال الأيام الماضية، هل ترى فرصاً واعدةً للسينما السعودية؟
•• أنا لدي احتكاك مبكر غير مباشر مع السينمائيين السعوديين، اكتشتفه مع هيفاء المنصور وفيلمها الطويل الأول «وجدة» في مهرجان دبي السينمائي، شكرتني حينها على المسرح قبل عرض الفيلم على نصائح قدمتها لها، وكنت حينها في لجنة تحكيم الأفلام من دول الخليج. وتذكرت حينها مشاهدتي لأفلام سعودية ذات نزعة تجريبية تبني نفسها. وفي السنوات الأخيرة ما يحدث شيء مدهش، هناك مخرجات ومخرجون سعوديون يقدمون تجارب جريئة وشجاعة وبلغة سينمائية عصرية وتتمكن من المشاركة في مهرجانات دولية وإما تفوز بجوائز أو تحظى بتنويه، وتجد بعض الأعمال على منصات مثل «نتفلكس»؛ لذا نرى اليوم خطوات مدهشة للسينما السعودية الشابة، فهي تدهشك لأنها جريئة في اقتحام الواقع وهناك مساحة للحرية، والرقابة متفهمة للطرح الإبداعي وما يمكنني أن أقوله إن ما يحدث هو شيء عظيم يبعث الطمأنينة حول مستقبل الصناعة في السعودية. هذا الانفتاح في الأفكار مفيد ليس فقط للسعودية، بل للعالم العربي.
• وهل تعتقد أن الأفلام السعودية ستكون محصورةً محلياً؟
•• أنا متأكد أن الأفلام السعودية ستصل للوطن العربي ومصر، دائماً ما أسمع من زملائي المصريين عن أفلام سعودية جيدة لم أشاهدها من قبل، حتى أن أحد المخرجين صارحني بغيرته من أحد الأفلام السعودية التي شاهدها في إحدى المهرجانات، واعتبر المخرج السعودي شاباً أكثر من غيره.
السينما في مأزق
• في وقتٍ يتغيّر فيه سلوك الجمهور لمتابعة الأعمال الفنية، ما مستقبل السينما؟
•• لا يمكن التنبؤ بمستقبل السينما، فالمنصات الحديثة مثل أمازون برايم وشاهد ونتفلكس أصبحت اليوم تنتج أعمالاً مختلفة ومسلسلات مغايرة للسائد، فالتغيير السريع في منصات العرض الحديثة بدأت تمثل تحدياً لصالات السينما، ومثل كورونا اليوم أعاقت فرصة تطور السينما، إذ قللت من نسب إشغال الصالات ما يعود سلباً على العوائد؛ لذا السينما اليوم في مأزق، ولكن رغم ذلك السينما مثل الكتاب لها سحرها، وهناك في مصر والسعودية وتونس والمغرب والإمارات تجارب مميزة. وأستذكر تجارب مخرجين واعدين في مصر مثل شريف البنداري وأحمد عامر وأحمد فوزي صالح ومحمد حماد وأيتن أمين، ولأول مرة حصدت السينما المصرية سعفة كان الذهبية عن الفيلم القصير «ستاشر» للمخرج سامح علاء. المستقبل يعتمد على الشباب بقدر دعمك للشباب ومنحهم مساحات للحرية والتفكير ينتظرك مستقبل أفضل.
• ماذا عن صناعة أفلام جماهيرية وأفلام للمهرجانات؟
•• المهرجانات بدأت تراعي أن تكون الأفلام يقبل عليها الناس وناجحة جماهيرياً إلا في استثناءات محدودة لأفلام مغرقة في فنيّتها أو خصوصيتها، لكن هذا خلاف السائد عن الأفلام، السائد يقول إن الأفلام المقبولة من المهرجان تنجح لدى الجمهور.
المخرجون الشباب هم الأبطال
• من يقود المشهد اليوم في الساحة السينمائية بين المخرج والمنتج والممثل؟
•• اليوم المخرجون الشباب هم الأبطال، هم الذين يقودون أعمالهم، ومن أبرز المخرجين الشباب اليوم في الساحة مروان حامد، وفي تجربة مثل «تراب الماس» كان ناضجاً بشكل عالٍ جداً. أما معادلة الإنتاج فهي تاريخياً لا تتغير، دائماً هناك منتج يتسيد الموقف أو ممثل أو مخرج، واليوم هناك أعمال يقف خلفها النجم وهناك أعمال وراءها المنتج مثل أعمال السبكي.
• كيف ترى سلطة الرقابة على الأعمال السينمائية؟
•• الرقابة في السينما العربية أحيانا متعنتة، لكن في العموم هناك مساحة من حرية التعبير نسبياً معقولة.
• هل تتطلب السينما الواقعية من المخرج العيش في واقع الحياة؟
•• أنا ضد النصيحة، أعتبر نفسي «ما بعد حداثي»، لكن ما يمكنني قوله للمخرجين الشباب هو البدء في العمل على أفلام قصيرة أو تسجيلية، تعتمد على معالجة خلاقة للواقع، فالمخرج يبدأ في التعرف على ناس عاديين وعرض قصص حياتهم وتُبنى من خلالها تجربة المخرج الإنسانية ويتعرف على أبناء وطنه أفضل، والمواصلة في زيادة المعرفة عن طريق هذا الأسلوب يزيد من الغنى المعرفي بخلاف معرفتك من الثقافة والقراءة، والفيلم القصير أيضاً يشجع المخرج على التجربة بشكل أكبر، لاعتبارات عدة فهو لا يستهدف جمهوراً عريضاً وهو بعيد عن صراعات المنتجين الشرسة؛ لذا يمنح المخرج فرصة للتجربة واستكشاف أسلوبه وسقف الموهبة.
الأغاني ساحرة وتنعشني
• المتتبع لأفلام خيري بشارة يشعر وكأنما الموسيقى تعيش في أفلامه، ما سر هذا الولع الشديد بالموسيقى وتوظيفها باستمرار في أغلب الأعمال؟
•• أنا أعشق الموسيقى والأغاني رغم أن صوتي بشع عندما أغني، رغم ذلك لدي تذوق للموسيقى، أنا أنام على صوت الموسيقى، الميزة التي أراها للموسيقى والشعر في الأفلام هي إمكانية نقلها لعدد هائل من المشاعر بشكل مكثف في وقت وجيز وتلخيص تجربة تريد قولها دون الحديث. وأنا أحب الأغاني لأنها ساحرة وتنعشني. وقلت لزوجتي في حال شعرتِ أنني أقترب من النهاية غني لي أغنية أنا أعشقها اسمها «بيلا تشاو» وفي حال غنيتِها سأفيق على الفور، وهناك فيلم كل ما أشعر بـ«مسحة اكتئاب» أشاهد فيلماً للمخرج الألماني فيم فيندرز «بوينا فيستا كلوب» صوره في كوبا أشعر بعده بالانتعاش فالأغاني فيه ساحرة وتبعث فيك حب الحياة.
• هل تواجه صعوبة في إقناع الممثلين بالغناء في أفلامك؟
•• أغلب الممثلين لا يحتاج للإقناع بالغناء في حال لديه الموهبة، لأن الفنان يعي بأن الأغنية تعيش أحياناً أطول من الفيلم نفسه ويرددها الناس في أعيادهم وأفراحهم باستمرار، ومن هذا المنطلق لم أواجه صعوبة في إقناع أحمد زكي بالغناء في فيلم كابوريا.
هذا سر اختيار عمرو دياب
• لماذا اخترت عمرو دياب تحديداً في بطولة «آيس كريم في جليم»؟
•• عندما بدأت في العمل على «آيس كريم في جليم» شرعت في عملية بحثٍ وتقصٍّ بين الشباب، أسأل شبابا عاديين لا علاقة لهم بالسينما عن من هم الفنانون الذين يتابعونهم، وكانت الإجابة الأكثر بين الناس هو عمرو دياب، الفيلم في ظاهره موسيقى غنائي، ولكن في الوقت نفسه يطرح أفكاراً مهمة للغاية من خلال عولمة العالم في وقتٍ كان العالم يراقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان هناك حوار عميق بين شخصيات ذات اتجاهات مختلفة، وحرصت على وجود عمرو دياب في الفيلم باعتباره محبوباً جدّاً بين الناس، ومشكلتي كانت أن الأغاني التي غناها عمرو دياب في الفيلم كانت جديدة عليه ومختلفة عما يغنيه في السابق، إلا أنه كان مستمتعاً بالتجربة ومستسلماً تماماً ولديه رغبة في السير معي في الطريق نفسه الذي كنت أفكر فيه.
صيني يموت في القاهرة
• بعد سنوات من العزوف عن الأعمال السينمائية، هل ينتظر المتابع أعمالاً جديدة من خيري بشارة؟
•• أعمل على مشروع جديد مع 8 مخرجين من مصر والسعودية والمغرب وفلسطين ولبنان، هو تجربة مثيرة ومختلفة ومن المقرر عرضها على منصة نتفلكس. ولدي فيلم كتبته عن مواطن صيني ينتقل للعيش في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي ويموت على أرضها في 1994، قصة هذا الإنسان البسيط الأمي الذي تتوطد علاقته بالتحف والمزادات لاحقاً، ومن ثم يكون ثاني شخص يفتتح مطعماً صينياً في مصر، والقصة هنا أن صديقاً صينياً يدعى «هان يان» صورت أحد مشاهد فيلم كابوريا في مطعمه، ومنذ حينها توثقت علاقتي به، وعايشت حينها قصة شخصية له عندما خرج والده الذي يعاني الزهايمر من المنزل وظلوا يبحثون عنه لأيام ووجدوه نائماً على الرصيف عند «سينما دولي» في شبرا، واتضح لاحقاً أنه يبحث عن البيت الكبير في الصين، تركت هذه القصة أثراً كبيراً في نفسي وظلت تلاحقني حتى كتبت سيناريو الفيلم أخيراً، وجارٍ العمل على كتابتها كرواية أيضاً.
كورونا لم تزعجني
• ماذا فعلت كورونا بخيري بشارة؟
•• الزمن لا يتوقف، أنا بطبعي متفائل عموماً، وليس لدي نظرة تشاؤمية للمستقبل ولا للحاضر، حتى كورونا لم تزعجني، أنا لدي طاقة إيجابية تملأ البحار، وأزمة كورونا منحتني مزيداً من الوقت للكتابة والقراءة والعائلة.