منوعات

عباس طاشكندي.. عالم مكتبات فَرَكَ والده «القناعة» في جبينه

عباس طاشكندي

طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@

في «زقاق» جبلي بالحي التاريخي «المسفلة»، عُمق البلدة المعظمة «مكة»؛ قَطَنت أسرته بمحاذاة «مركاز» الأدباء والكتَّاب «قهوة عبدالحي».. ومع أول أعوام الأربعينات الميلادية، وفي تلك الأماكن الضيقة الفسيحة بسكانها؛ استبشر «الأهل» بولادة ابنهم الأوسط، وعاش طفولته الأولى مجاوراً للحرم المكي.. ومن أجل «لقمة عيش» لصناعة أبناء عمالقة خُلُقاً وعِلماً؛ انتقلت الأسرة إلى «حارة البحر» بجدة.. وعلى الطريقة التربوية القديمة؛ أدَّبه أبوه وعلَّمه وهذَّبه وثقَّفه.. إنه البروفيسور عباس طاشكندي.

عند بداياتٍ عذبة في زمن جميل؛ تلونت نشأته الأولى داخل الأحياء الجنوبية من «جدة العتيقة» في طفولة لم يلوثها شيء.. ومن حركة مقيَّدة إلا في حدود المكان؛ نشأ بين البيت و«الكتاتيب» والمسجد والمدرسة، و«دكان الخردوات» لوالده في السوق العتيقة «شارع قابل».. وبتلك الحكايات المُكتنِزة يستدير بذاكرته إلى الخلف.

وحين يعود لذكريات والدٍ فَرَكَ «القناعة» في جبينه؛ يتذكر دعاءه «اللهم لا تمنع عني ما أريد، لا تمنحني أكثر مما أريد».. وحين جعل من الحكايا القديمة قِيمة؛ يعود إلى كِتاب «المُفرَد العَلم في رسم القلم»، الذي أهداه إليه أبوه لتفوقه في الصفوف الابتدائية الأولى، فتعلَّم منه اللغة والبلاغة.

عندما جمع حركة «الكدح» المتناثرة داخله عقب «الثانوية»؛ بحث عن «الكَدّ» بوظيفة صيفية بـ«أرامكو».. ولما مشى إلى أحلام الدارسة خارجياً؛ مضت مخيلته صوب بعثة «أمريكا»، فتحولت لجامعة القاهرة على غير رغبته.. وعندما وقف مبهُوراً أمام «الفلسفة»؛ نقلته أنظمة الابتعاث إلى «المكتبات».. تغيُّرات وَجَدَها الأجدى عن علمٍ رفضه سابقاً.

ولما كان أول سعودي يتخرج من «المكتبات»؛ أضاءت «الوظائف» أنوارها أمامه، ولم تملأ قلبه إلا «الإذاعة» لقربها من والديه في جدة.. وحين أشمست عليه «جامعة الملك عبدالعزيز» بنورها؛ عانق شعاعها كأول موظف سعودي يرتدي قميصها.. وحين كان تائقاً لخلطة العلم في أمريكا؛ نال شهادتين في «الماجستير» والثالثة «الدكتوراه».

أما عندما طارده حلم الاقتران بامرأة تنتظر قصراً من الشوق؛ لم يجد إلا ابنة المربي والمؤرخ محمد عبدالحميد مرداد، فكانت له «دواء» وكان لها «عيداً».. وحين أرادا تخفيف إرهاصات الحياة بأصوات أبناء يعيشون معهما الفرح؛ أنجبا «أسماء وخالد وعامر»، فأرشداهم وأحفادهما عبر غابات الزمن لمناطق يبتسم لها الوقت.

ومن المقاصد العميقة الرابضة في زوايا ثمانيني قنوع ابتُليَّ بـ«السرطان» ويعمل 12 ساعة يومية؛ سار مهرولاً نصف قرن، أكاديمياً وعميداً وبروفيسوراً وباحثاً.. وحين نسج عش تخصصه بأصابع هادئة؛ ساهم بلوائح «المكتبة الوطنية»، وحماية «المخطوطات»، و30 كتاباً، ومثلها أجزاء لموسوعة «تاريخ مكة والمدينة»، وخمسة مؤلفات لتوثيق تاريخ الحرمين الشريفين.

مسيرة حياة عباس صالح طاشكندي

عالم مكتبات

الولادة: مكة المكرمة (1361هـ).

جامعة القاهرة:

بكالوريوس مكتبات ومعلومات (1966).

جامعة بتسبرج الأمريكية:

«دكتوراه» (1973)، «ماجستير» (1969)، ماجستير آخر (1971)، وكلها في تخصص «المكتبات والمعلومات».

جامعة الملك عبدالعزيز بجدة:

أستاذ علم المكتبات والمعلومات، وعميد شؤون المكتبات، وأمين عام المجلس العلمي.

أمين عام موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمحرر الرئيس.

أصدر 30 مؤلفاً وبحثاً محكماً عن علوم المكتبات والمعلومات وتاريخهما، منها خمسة كتب لتوثيق تاريخ الحرمين الشريفين.

ونشرت أبحاثه المحكمة الكثير من المجلات العلمية المتخصصة في علوم المكتبات.

أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه داخلياً وخارجياً.

شارك في الكثير من المؤتمرات والملتقيات العلمية داخلياً وخارجياً.