منوعات

عبدالفتاح أبو مدين.. كشف حجاب «الأدب» فحلَّقت عصافير «اللغة»

طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@

بين خلطة عجين مواد بناء، ومباشرة زبائن مقهى، وحمل أثقال فُرن للخبز؛ هناك «حكاية الصبي مفتاح»، التي اختصرت قصة طفل عشق رائحة الكتب وتحبير القلم.. وحين كدح صغيراً ليُجني قروشاً قليلة ويملأ بطناً جائعاً ويمتلك كتاباً يقرأه؛ انتقل من حلم فتى تائق إلى أديب وناقد لا يشيخ.. وبين هذا وذاك؛ هناك مهارة معرفة وحذاقة فكر وضعها أديب أمام جيل حديث من المثقفين.. إنه الأديب الراحل عبدالفتاح أبو مدين.

من وسط حياة مُثخنة بالشظف والفقر والفقد؛ عبَر «اليتيم» ابن بائع الحطب والفحم محطات التحدي بأمان وسلام.. ومن ثقافة القساوة وحِبال المعاناة؛ نَسج عالَمه بعقيدة التطلُّع وفكر التضلُّع.. وحين تجاوز العقبات وتحدى الصعوبات؛ ألجم معترضي مقولة «الإبداع يولد من رحم المعاناة»، فظل إرثه في ذاكرة الناس وأحاديث المثقفين.

وحين كتب يوم أن كان الذين يكتبون اليوم يتهجون أسماءهم، ونشر يوم أنَّ أكثر الناس لا يعرف غير نشر الخشب بقلم الرصاص؛ نقل المعرفة في وقت كانوا يختزلون السعادة بالركض في فناء المدرسة.. ولما فحص الرؤى في باحات الفعل الثقافي؛ أخضب رجالاً ونساء أحبوا الفكر والنقد وأنتجوه وعلَّموه.

عند فكر تنويري خاص برز بوجهه الأدبي الطامح، وفي تجربة لحالة استثنائية يجب أن تتكرر؛ فتح أُفقاً جديداً لمتابعٍ مختلف جمع بين العرض والاحتياج.. وحين التقت الأطياف الأدبية بالجمهور المتلهف للإبداع في المؤسسات الثقافية؛ ظهرت تجلياته في ربع قرن رئيساً لنادي جدة الأدبي، فاتحاً أبواباً أدبية بإزميل الثقافة. ومع «الأدب» و«الصحافة»؛ أوجد توازناً وعلاقة خاصة بين المجالين.. وعندما أطلق خطواته الصحفية المكللة بالأحلام والتنقلات؛ راهن إلا أن يكون في تحدٍ دائم.. ولما وضع تطلعاته لمسيرة تحريرية لمطبوعات صحفية أشرف عليها وسط عالم مكتظ بالإنجاز؛ انكب على عوالمه الإبداعية الخاصة برتبته «أديب الصحفيين».. وبينهما عمل إداري رابح. ولما أطلَّت الظواهر الصوتية من مدعي المعرفة والثقافة، وتهافتت على منصات التكريم دون إنتاج؛ زهِد عنها «مفتاح» تفرغاً لصناعة «مفتاح» باب التحدي والإنجاز دون ثرثرة.. ولما أحدث الفارق لبناء ثقافة مجتمعية جادة؛ لم يأبه بمن لا يعمل ولا يأنس لمن يعمل، فأثرى المحافل الثقافية بدراسات ومؤلفات وأفكار ثرية.