اقتصاد

دور المشاركة المجتمعية في تحفيز الاقتصاد الإبداعي ومكافحة الفقر

عبير الفوتي.

بقلم عبير الفوتي (المدير التنفيذي للمبادرات العالمية في مؤسسة الوليد للإنسانية)

تزامناً مع اليوم الدولي للمشاركة المجتمعية، نودّ في مؤسسة الوليد للإنسانية تسليط الضوء على قوة ودافعيّة الأفراد والمنظمات، وتأثيرهم على الارتقاء بصحة ورفاهية مجتمعاتهم والمساعدة في التغلب على التحديات الراهنة.

شهد العالم على مدى الاثني عشر شهراً الماضية الكثير من الأمثلة التي قدمها كل من الأفراد والمجموعات في مساعدة مجتمعاتهم خلال الأزمة، كلنا شهدنا كيف استضافت العديد من الفنادق في مختلف أنحاء العالم المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 والمحتاجين لمأوى في مبانيها، إلى جانب الدور الفعّال الذي لعبته فرق المتطوعين لتوفير الإمدادات الحيوية للأشخاص غير القادرين على مغادرة منازلهم، إلى جانب انضمام الأخصائيين الطبيين المتقاعدين إلى الخطوط الأمامية لتخفيف الضغوطات الكبيرة على قطاع الخدمات الصحية. إن هذه الأمثلة على المشاركة المجتمعية المذهلة يجب أن تسجل كدروس نحرص على تطبيقها في المستقبل وتجعلنا أكثر حرصاً على تحمل المسؤولية.

إن جائحة كوفيد-19 أثرت على العديد من القطاعات الاقتصادية وسبل العيش، وأدت إلى زيادة حادة في عدد الأشخاص الذين باتوا أكثر قرباً إلى خط الفقر. وفي الوقت الذي يتطلع فيه الجميع إلى إصلاح الأضرار التي نجمت عن هذه الأزمة، يظهر الدور المهم الذي تلعبه المشاركة المجتمعية في مساعدة الناس للتغلب على الصعوبات. بالتالي، فإن هذا يدفعنا إلى تخصيص وقت أكثر وحشد الجهود لدعم الفئات الأكثر تهميشاً وفقراً في المجتمع من خلال العمل على تحديد احتياجاتهم بشكل أدق وإيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجتها بصورة جماعية، وذلك من خلال تعزيز التعاون بين جميع القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية بما في ذلك السكان المحليون والمجموعات الثقافية والتطوعية وصولاً إلى المجموعات الافتراضية.

جدير بالذكر أن اليوم الدولي للمشاركة المجتمعية لهذا العام له أهمية خاصة حيث يأتي بالتزامن مع إعلان الأمم المتحدة تسمية العام 2021 «السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة». يأتي هذا الإعلان ليشجع البلدان والمؤسسات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والأفراد على تعزيز التعاون والتواصل وتبادل أفضل الممارسات والخبرات وتهيئة البيئة التمكينية اللازمة لبناء بيئة إبداعية. أما بالنسبة إلى تحفيز الاقتصاد، فستكون مشاركة المجتمع العالمي أمراً حيوياً لتعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي المستدام والشامل وتوفير الفرص للجميع في أعقاب جائحة كوفيد-19. إن الاقتصاد الإبداعي بأشكاله المتنوعة سواء كان فناً أو مسرحاً أو تصميماً غالباً ما ينشأ بشكل قريب من الناس ويعكس بيئتهم لذا يكون له قبول واسع و أثر كبير في دعم الاقتصاد.

وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى التعافي من الجائحة، فإن التعاون والمشاركة بين الكيانات الحكومية والمنظمات غير الربحية والخاصة مسألة في غاية الأهمية، ولا يمكن تعزيز ذلك إلا من خلال توفير فرص متساوية للجمهور وإرساء تحالفات استراتيجية. نحن في مؤسسة الوليد للإنسانية نشجع هذا النوع من المشاركة ومن الأمثلة على ذلك شراكتنا مع مؤسسة جبل الفيروز في المملكة العربية السعودية، التي نهدف من خلالها إلى الحفاظ على الحرف التقليدية وإحيائها وتنمية المجتمعات المحلية. كما أثمرت شراكتنا مع متحف بيرغامون في برلين عن إطلاق برنامج «الملتقى»، الذي ندرب من خلاله اللاجئين السوريين والعراقيين ليصبحوا مرشدين سياحيين في المتاحف لتعزيز الانفتاح والقبول. بالإضافة إلى ذلك، عقدنا شراكة مع مؤسسة البيوت النوبية، التي توفر مساكن مناسبة للمجتمعات في أفريقيا من خلال منهجية ريادة الأعمال المجتمعية.

إن دمج المشاركة المجتمعية بنجاح في الاقتصاد الإبداعي سوف يسهم بكسر الحواجز وتعزيز الشراكات فيما بعد، وستلعب الأعمال الخيرية أيضاً دوراً حيوياً في دعم الفئات المهمشة أو الذين يفتقرون إلى الفرص الاقتصادية مثل النساء والشباب.

وبناء على ما سبق، وحتى يتمكن العالم من التعافي من آثار هذه الجائحة فإنه يجب علينا أن نتوحد تحت مظلة مجتمع واحد. نحن في مؤسسة الوليد للإنسانية حرصنا دائماً على تقديم العديد من المشاريع التي نهدف من خلالها إلى ترسيخ مفهوم المجتمع العالمي، وخير مثال على ذلك شراكتنا مع المنظمة العالمية للحركة الكشفية لإلهام الشباب والشابات حول العالم للعمل على تحسين مجتمعاتهم خاصة في مجالات التعليم إضافة الى إدارة الكوارث وحماية الطفل والمساواة بين الجنسين والعمل البيئي والحوار بين الثقافات.

إن إزالة الحواجز الثقافية والعيش في عالم موحّد يقود إلى تهيئة البيئة اللازمة لبناء اقتصاد إبداعي ومزدهر. لذلك، ينبغي علينا جميعاً المشاركة في تحسين مجتمعاتنا لنجعل عالمنا مكاناً أفضل.