أخبار

بايدن وأسرار الاستدارة.. التحول تحت غطاء المراجعات

إعادة عقارب الساعة لحقبة أوباما

فهيم الحامد (الرياض) Falhamid2@

الاستدارة المبكرة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حيال عدد من قضايا المنطقة وطبيعة القرارات التي اتخذت تحت غطاء المراجعات كانت متوقعة؛ ولكن ليس بهذه السرعة باعتبار أن أمريكا لديها حلفاء دائمون في المنطقة وهناك شراكات تعود لعقود ولن تحقق الاستدارة أهدافها؛ كون هناك متغيرات في العالم ولدى دول المنطقة العديد من الخيارات للتوجه إلى الشرق أو أوروبا أو محاور في العالم تعزز مصالحها الأمنية والاقتصادية والعسكرية. إن تغيير بوصلة إدارة بايدن وإعادة الارتباط مع دول أخرى سيؤدي إلى تغيير في موازين القوى، ولا يمكن لواشنطن التحرك بعيدا عن حلفائها الإستراتيجيين. ثمّة أسئلة كثيرة لا يمكن معرفة إجاباتها. بالمقابل هنال نقاط يمكن البدء بربطها خصوصا سرعة مراجعة إدارة بايدن لتصنيف الحوثي منظمة إرهابية وإعلان وزارة الخارجية تجميد صفقات أسلحة لبعض الدول الحليفة لواشنطن؛ الأمر الذي يعكس رغبة صناع القرار الديموقراطيين في صياغة رؤية خارجيّة واحدة مختلفة تحت مظلة المراجعات. ويرى مراقبون ينتمون لليسار الأمريكي ومن المؤيّدين لتخفيض اعتماد واشنطن على القوّة العسكريّة وتخفيض الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط أنّ بايدن ينتمي بشكل أو بآخر إلى نسخة محدثة للفكر الأوباومي وفق منطلقات جديدة يمسك بمفاصلها صقور الديموقراطيين الذين يسيطرون على الكونغرس وسيعملون على تمرير أجندتهم في الشرق الأوسط تحت غطاء المراجعات ومزاعم حقوق الإنسان.

وحذر مراقبون إدارة الرئيس الأمريكي الجديد من الارتهان لفلسفة الحقبة الأوباموية على أساس الأفكار المتعلقة بشأن مزاعم وضع حقوق الإنسان، وحجج الديموقراطية والهرولة باتجاه النظام الإيراني، بيد أن الدول المعتدلة لديها خياراتها وأدواتها في المنطقة والعالم للتسلح للحفاظ على أمنها الوطني وعدم السماح للنظام الإيراني بالتضخم من جديد.

وخلال الفترة الثانية من حكم أوباما ثم دونالد ترمب حصلت تغييرات جدية في التفكير الجيوستراتيجي لدى دول المنطقة، قوامها تنوع علاقاتها مع الشرق والغرب وتعزيز وبناء شراكاتها عسكريا واقتصاديا ونفطيا مع دول ذات وزن مثل الصين والهند وروسيا وفرنسا، على أن تكون هذه الشراكات قائمة على تبادل المصالح.

وإذا رغب جو بايدن تبني إرث رئيسه السابق فإن سياساته ستخضع لاختبار عميق، من قِبَل الأصدقاء والشركاء..

ولا يتردد بايدن ونائبته هاريس في المجاهرة بأنهما سيراجعان سياسات ترمب السابقة سواء تلك الداخلية أو الدولية وهذا من حقهما السيادي ولكن عليهما الاستدراك بأن أي استدارة لها تداعيات سواء الملف النووي الإيراني، أو صفقات الأسلحة، سيضطر حلفاء واشنطن لاستخدام خياراتهم الأخرى.

إن إعادة تنفيد الملف النووي الإيراني يعني إعادة تموضع كاملة لإدارة بايدن. والتوقعات باتفاق جديد يبقي على العقوبات على إيران نظرا لنشاطاتها المرتبطة بالتدخلات الإقليمية ورعايتها للإرهاب، ولكن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي ستكون موضع نقاش، ربما لوضع شروط أكثر حزما ووضوحا وأطر زمنية أكثر إقناعا لإسرائيل. إن على إدارة بايدن-هاريس التحوط إلى أن القناعات الأمريكية إبان الربيع العربي في عهد أوباما لن تكون مقبولة في هذه المرحلة، فالجميع أصبح على علم بفوضى صعود الإسلام السياسي، كون التحول الديموقراطي الشرق أوسطي مرهونا بعدم المساس باستقرار المجتمعات، وأن يكون واقعيا غير حالم. بايدن سيعيد أمريكا لتقود من الخلف كما فعل مع أوباما، ولكن في معرض ذلك يؤمل أن يكون مستمعا جيدا لنصائح الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط.

وهناك الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا ودول المنطقة، واستثمارات مليارية. محاولة بايدن استقاء سياساته الخارجيّة من سياسات أوباما لن تكون مجدية. وهذا يستدعي بدوره رؤية ديموقراطيّة جديدة للسياسة الخارجيّة، لا مجرد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والانطلاق من حيث توقّف أوباما وإذا لم تقم الولايات المتحدة بصياغة نهج جديد فقد يؤدي هذا السيناريو بسهولة إلى زيادة الصراعات في المنطقة.