منوعات

لجوء الأطفال للتلفاز يفقدهم التركيز والتواصل الاجتماعي

الاستخدام الصحيح للتلفاز يتطلب جهدًا من الأسرة والإعلام والمدرسة

«عكاظ» (جدة)

باتت متابعة أجهزة التلفاز من الطرق السهلة التي تستعين بها الأمهات لشغل أوقات أطفالها، فأي طفل لا يجد ما يشغل به وقت فراغه يلجأ إلى متابعة التلفاز، مما يفقده التركيز ويجنبه المجهود الجسماني، ويفقده التواصل الاجتماعي، ما يعني أن هذا الجهاز لا يمكن له أن يكون بديلاً عن الوالدين ليترك الأبناء أمامه يستقوا منه مبادئهم وسلوكياتهم، أكثر من جلوسهم مع والديهم.

وإضافة للمشكلات التي تتأتى من المشاهدة في تكوين الطفل في هذه المرحلة، خصوصا ما يتعلق بتشتت التركيز وافتقاد المهارات، فإن المحتوى المقدم عبر الشاشات لا يكون مناسباً في أغلب الأوقات لهم، وبشكل خاص مشاهد العنف بأشكالها المختلفة.

وترى الطبيبة والكاتبة الدكتورة هدى بنت يوسف الصعيب أن الدور السلبي الأكبر لوسائل الإعلام هو التعامل مع العنف بوصفه أمرًا عاديًا، وتعمل على نزع الخوف من التعامل بعنف ضد الغير، فلقطات العنف التلفزيونية وأصوات الأسلحة النارية ومشاهد الجثث المكومة، تشاهد باستمرار طوال فترة عرض الفلم.

وتشير الصعيب إلى أن خطورة مشاهد العنف التلفزيونية تتمثل في آثارها على تصرفات الأطفال في مرحلة التقليد، بجانب إمكانية ظهور جيل يتأثر بالعنف، ويرتبط بسلوك الانتقام، وحتى عندما يصلوا لمرحلة الشباب، يكونوا قد اعتادوا على إيذاء الآخرين.

ولا ينفي ذلك الدور الكبير الذي تقدمه وسائل الإعلام بصورها المختلفة من محتوى قيِّم سواء في المحتوى الترفيهي والفني، أو الإخباري، أو التعليمي، ولكن يجب أن يكون تعامل الأطفال مع ما يُقدَّم لهم وفق ضوابط ومتابعة أسرية دقيقة.

ومن بين الكثير من الدراسات والأبحاث المهمة التي تناولت هذه القضية، بحثٌ نشرته منظمة «الائتلاف الدولي ضد العنف التلفزيوني» استمر 22 سنة حتى تم الانتهاء منه، كشف أضرار التلفاز لمدة عقدين من الزمان.

وربط البحث بين مشاهد العنف التي تم عرضها في ستينات القرن الماضي، وبين زيادة معدل الجريمة في السبعينات والثمانينات، وأن النسبة المئوية بين 25% و50% من جرائم العنف في مختلف دول العالم، ناتجة عن لقطات العنف التي عرضت في التلفاز ودور السينما، وأنه في ذلك الوقت ازدادت الجرائم بسبب عروض التلفاز بأمريكا التي تحوي مشاهد عنف، مما أكسب الأطفال صفات عدائية، وبعد تقدمهم في العمر باتوا يميلون للعمل الإجرامي.

وبيَّن البحث أن الطفل الأمريكي عند بلوغه الـ12 من عمره فإنه قد شاهد نحو 12 ألف مشهد قتل تلفزيوني، وذلك بناءً على دراسة لـ15 ألف عائلة، بحسب ما ورد في كتاب «أثر التلفزيون في تربية المراهقين» للكاتبة نزهة الخوري.

وبعد أن يشاهد الأطفال تلك المشاهد، فإنهم يطبقونها في حياتهم، مما نتج عنه الكثير من الحوادث، ومن ضمنها ما لاحظه طاقم طبي بأحد مستشفيات أمريكا من تعرض العديد من الأطفال لإصابات وكسور في رؤوسهم، وبعد أن أجرى الأطباء دراسة لاستكشاف الأسباب، تبين لهم أن الأطفال تأثروا بمشاهدة فيلم يظهر فيه شاب ضخم البنية، اعتاد أن يتعارك مع آخرين ويطرحهم على الأرض ومن ثم يصيب مؤخرة رؤوسهم في زاوية الرصيف.

ولمواجهة هذا التأثير غير المرغوب فيه، يجب أن تكون الجهود متكاتفة ما بين وسائل الإعلام بتقديم المسؤولية المجتمعية على الرغبة في زيادة المشاهدات وتحقيق الربح وأن تتحول إلى مواجهة العنف بدلاً من ترويجه، ومتابعة ذلك من قبل الجهات الرسمية، ثم يأتي دور المدرسة بتربية الأطفال على طرق التعامل الصحيح مع التلفاز بشكل عام ومع مشاهد العنف بصورة خاصة.

وعلى الرغم من أهمية جهود كل هذه الجهات، إلا أن دورها لا يمكن أن يحقق أي تقدم إذا غاب دور الأسرة، خصوصا أننا في عصر السماوات المفتوحة وسهولة انتقال البيانات والحصول عليها، ولا تقتصر مشاهد العنف على البث التلفزيوني، بل يضاف إليه البث الرقمي والمشاهدة عبر الإنترنت.

لذا يجب على كل أسرة وضع قواعد خاصة بها للتعامل مع التلفاز، يتم الاتفاق عليها بين أعضائها مع التوضيح للأبناء أسباب ذلك لتكون هذه القواعد قابلة للتنفيذ وليست تعليمات فوقية يسعى الأبناء لخرقها إذا ما غاب أحد الأبوين أو يتحايلون على بنودها، كما أنه لا يمكن أن يتم فرضها بالتعنيف لما يمثله ذلك من تأثير عكسي ويزيد تطلع وفضول الأبناء للمشاهدة ويسيء للعلاقة الأسرية.

ومن أهم النقاط التي يجب الاتفاق عليها أسريًّا، تحديد أوقات معينة لمشاهدة التلفاز وكذلك تحديد البرامج المسموح بمشاهدتها، مع مشاركة الأبوين لأطفالهما مشاهدة برامجهم المفضلة دون أن يشعروهم أنهم مراقبون.

كما يمكن للوالدين اقتراح أنشطة يستفيد منها أبنائهم بدلًا عن التسمر أمام التلفزيون، ويجب عليهم تجنب وضع جهاز التلفاز في غرفة الأطفال أو في غرفة الطعام، وعدم استخدام التلفاز وسيلة للثواب والعقاب، ومنع التلفاز وقنوات التواصل الاجتماعي من الاستحواذ على وقت اجتماع الأسرة الشحيح.