«تدمر».. إعادة إحياء الغصة
آخر أعمال لقمان سليم
الجمعة / 30 / جمادى الآخرة / 1442 هـ الجمعة 12 فبراير 2021 01:57
عُلا الشيخ - ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@
نعم هو من أشد معارضي حزب الله، والمعارضة لديه متعلقة بفكر وتحليل ودارسات، وصناعة أفلام أيضا، لقمان سليم الذي اغتيل قبل أيام، فالحديث عنه إعلامياً تصدر أغلب المحطات العالمية كمجابه صادق لكل أشكال الظلام، لكن بين طيات مجابهته تلك، حس إنساني اقترن بحس فني، ترجمه عبر 3 أفلام وثائقية، «مقاتل» عام 2004، مع شريكته الدائمة مونيكا بورغمان، وتناول فيه مجزرة صبرا وشاتيلا، وفيلم «Sur Place» عام 2009، و«تدمر» عام 2016، وهو الفيلم الذي سنسلط عليه الضوء اليوم باعتباره آخر أعماله السينمائية مع شريكته وزوجته بورغمان.
هل يكفي عنوان الفيلم «تدمر» أن يجعلك تدرك كمية الألم الذي ستشاهده، بمجرد لفظ الاسم الذي ارتبط تاريخيا وبعيدا عن المدينة التاريخية باحتضانه أقسى سجن سياسي في الوطن العربي؟ هل ستتذكر رواية «القوقعة» لمؤلفها مصطفى خليفة مجرد أن يمر أمامك الاسم؟ أم أنك ستكون جاهزا لمعرفة المزيد من خلال شريط سينمائي قدم طريقة عرض مميزة قد تكون شاهدتها في أفلام مختلفة سابقا، لكن موضوع المعتقل السياسي في «تدمر» من خلال معتقلين لبنانيين وفلسطيييين سابقين فيه، حتما سيخلق فضولا عن تحول كل ما سمعناه يوما إلى شهادة صدفت أن تكون على قيد الحياة من جديد. مجموعة من المحررين من سجن تدمر يعيشون حاليا في لبنان، يقررون أن ينقلوا تجربتهم الذاتية مع ذلك المكان الذي من الصعب وصف كمية الإجرام فيه عبر طريقتين؛ الأولى بشهادتهم الذاتية من خلال تركيز الصورة عليهم في مكان فارغ وسماع قصصهم، وثانيا بجعلهم يبنون تلك الأحداث من جديد، تبدأ معها حكاية الفيلم مع وقع أصوات البناء ونشر الخشب وصف البلاط، وتسنين الحديد، ذلك الحديد الذي شكل القضبان الذي عاشوا خلفها سنوات. إعادة بناء حكاية التعذيب بحد ذاتها جرأة وشجاعة لمن أسعفه أن يكون حيا يرزق ليعطى فرصة لروايتها من جديد، لكنك كمتلقٍّ ستشعر لوهلة أن التماهي مع لعب الدور من جديد يجعلك تنسى أنهم يمثلون إعادة احياء العذاب، فقد قسموا أنفسهم إلى جلادين وضحايا، مثّل بعضهم دور الضحية وجسد الآخر دور الجلاد الذي ليس في قلبه رحمة.
الحديث عن هذا الفيلم بتفصيل قد لا يعطيه حقه أمام فرصتك لتشاهده، مثل الحديث عن اللون الأخضر الطاغي في جل مشاهده، الذي يشعرك ليس بالأمان ولون الخضار، بل بالتقزز من كل ما حدث مع هؤلاء وغيرهم، أو الحديث عن طريقة التحكم بنومهم وعقابهم اذا ما تحركت أجسادهم سهواً، فمعاقبتهم كنيام ليست أقل عذابا من عقابهم في الصحو، عن الطعام وتقسيم البيضة الواحدة على عشرات الأشخاص، أم انتظارهم مناسبة وطنية ليحظوا بشيء من اللحم، أم الحظ العاثر الذي وقف أمام أحدهم وهو يشاهد من ثقب صغير في باب الزنزانة أطباق الرز والدجاج المحمر فوقه، ويزف الخبر لرفاقه، لكنه يشاهد منظر الضباط وهم يبولون على الأطباق لأن أحدهم قرر أنهم لا يستحقون إلا البول فهم يكرهون الرئيس، وحيرة الشاهد حول إخبار رفاقه أم يتكتم على الأمر، فيقرر التكتم كي يحظى هؤلاء بشيء أشبه بالحلم بالنسبة لهم، أم نتحدث عن سقف الزنزانة المكشوف لضباط الليل الذين يراقبون النيام من المعتقلين ليقرروا من منهم سيتعذب بما اسمه «الدولاب» في اليوم التالي؟ وللدولاب حكايات كثيرة وتجسيد للحكايات أصعب، أم حكاياتهم مع الموت الذي يصبح أمنية في حضرة تعذيب ممنهج وعشوائي في الوقت نفسه، وجثث الرفاق التي تنام معهم الى أن يقرر الضابط سحبها؟
حكايات تقشعر لها الأبدان، وتجعلك تفكر في اللحظة ذاتها وتتساءل ماذا يحدث حاليا مع المعتقلين السياسيين في سوريا؟ لتحاول الهرب من الإجابة، من خلال النظر إلى عيون المحررين الذين من الواضح أنهم ما زالوا أسرى عتمة ذلك السجن الفاشي.. للحقيقة، «تدمر» فيلم مصنوع بعناية ودقة، وبطريقة تصوير تتماهى مع طبيعة المشهد المطلوب، هي ثابتة وقت ثبات الشخصية، ومرتبكة في حضرة ارتباكهم وتخبطهم، لكن ومع كل هذا من الضروري المرور على مشهد أحد المعتقلين عندما سقط عصفور إلى جانبه، ورعاه وتأمله وشعر بالحرية معه ولو للحظات، هذا المشهد كفيل بأن يؤكد أن كل أنواع التعذيب تذهب سدى في حضرة التفكير في الحرية حتى لو من خلال عصفور جريح.
هل يكفي عنوان الفيلم «تدمر» أن يجعلك تدرك كمية الألم الذي ستشاهده، بمجرد لفظ الاسم الذي ارتبط تاريخيا وبعيدا عن المدينة التاريخية باحتضانه أقسى سجن سياسي في الوطن العربي؟ هل ستتذكر رواية «القوقعة» لمؤلفها مصطفى خليفة مجرد أن يمر أمامك الاسم؟ أم أنك ستكون جاهزا لمعرفة المزيد من خلال شريط سينمائي قدم طريقة عرض مميزة قد تكون شاهدتها في أفلام مختلفة سابقا، لكن موضوع المعتقل السياسي في «تدمر» من خلال معتقلين لبنانيين وفلسطيييين سابقين فيه، حتما سيخلق فضولا عن تحول كل ما سمعناه يوما إلى شهادة صدفت أن تكون على قيد الحياة من جديد. مجموعة من المحررين من سجن تدمر يعيشون حاليا في لبنان، يقررون أن ينقلوا تجربتهم الذاتية مع ذلك المكان الذي من الصعب وصف كمية الإجرام فيه عبر طريقتين؛ الأولى بشهادتهم الذاتية من خلال تركيز الصورة عليهم في مكان فارغ وسماع قصصهم، وثانيا بجعلهم يبنون تلك الأحداث من جديد، تبدأ معها حكاية الفيلم مع وقع أصوات البناء ونشر الخشب وصف البلاط، وتسنين الحديد، ذلك الحديد الذي شكل القضبان الذي عاشوا خلفها سنوات. إعادة بناء حكاية التعذيب بحد ذاتها جرأة وشجاعة لمن أسعفه أن يكون حيا يرزق ليعطى فرصة لروايتها من جديد، لكنك كمتلقٍّ ستشعر لوهلة أن التماهي مع لعب الدور من جديد يجعلك تنسى أنهم يمثلون إعادة احياء العذاب، فقد قسموا أنفسهم إلى جلادين وضحايا، مثّل بعضهم دور الضحية وجسد الآخر دور الجلاد الذي ليس في قلبه رحمة.
الحديث عن هذا الفيلم بتفصيل قد لا يعطيه حقه أمام فرصتك لتشاهده، مثل الحديث عن اللون الأخضر الطاغي في جل مشاهده، الذي يشعرك ليس بالأمان ولون الخضار، بل بالتقزز من كل ما حدث مع هؤلاء وغيرهم، أو الحديث عن طريقة التحكم بنومهم وعقابهم اذا ما تحركت أجسادهم سهواً، فمعاقبتهم كنيام ليست أقل عذابا من عقابهم في الصحو، عن الطعام وتقسيم البيضة الواحدة على عشرات الأشخاص، أم انتظارهم مناسبة وطنية ليحظوا بشيء من اللحم، أم الحظ العاثر الذي وقف أمام أحدهم وهو يشاهد من ثقب صغير في باب الزنزانة أطباق الرز والدجاج المحمر فوقه، ويزف الخبر لرفاقه، لكنه يشاهد منظر الضباط وهم يبولون على الأطباق لأن أحدهم قرر أنهم لا يستحقون إلا البول فهم يكرهون الرئيس، وحيرة الشاهد حول إخبار رفاقه أم يتكتم على الأمر، فيقرر التكتم كي يحظى هؤلاء بشيء أشبه بالحلم بالنسبة لهم، أم نتحدث عن سقف الزنزانة المكشوف لضباط الليل الذين يراقبون النيام من المعتقلين ليقرروا من منهم سيتعذب بما اسمه «الدولاب» في اليوم التالي؟ وللدولاب حكايات كثيرة وتجسيد للحكايات أصعب، أم حكاياتهم مع الموت الذي يصبح أمنية في حضرة تعذيب ممنهج وعشوائي في الوقت نفسه، وجثث الرفاق التي تنام معهم الى أن يقرر الضابط سحبها؟
حكايات تقشعر لها الأبدان، وتجعلك تفكر في اللحظة ذاتها وتتساءل ماذا يحدث حاليا مع المعتقلين السياسيين في سوريا؟ لتحاول الهرب من الإجابة، من خلال النظر إلى عيون المحررين الذين من الواضح أنهم ما زالوا أسرى عتمة ذلك السجن الفاشي.. للحقيقة، «تدمر» فيلم مصنوع بعناية ودقة، وبطريقة تصوير تتماهى مع طبيعة المشهد المطلوب، هي ثابتة وقت ثبات الشخصية، ومرتبكة في حضرة ارتباكهم وتخبطهم، لكن ومع كل هذا من الضروري المرور على مشهد أحد المعتقلين عندما سقط عصفور إلى جانبه، ورعاه وتأمله وشعر بالحرية معه ولو للحظات، هذا المشهد كفيل بأن يؤكد أن كل أنواع التعذيب تذهب سدى في حضرة التفكير في الحرية حتى لو من خلال عصفور جريح.