التسريح.. فن تسوية الحسابات
مفتاح ضائع
السبت / 02 / رجب / 1442 هـ الاحد 14 فبراير 2021 00:02
أنمار مطاوع
(حين يتم تسريح موظف من عمله في الشركة، هذا يعني ضمنياً أنه سيبدأ فورا في: مهرجان الفضائح، وإظهار المستور، وتشويه السمعة.. وعلى المكشوف).
قد تكون هذه الجملة هي ملخص شرح لحالات كثيرة تظهر في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي.. وربما تتحول لقضايا تتناقلها الآراء المختلفة. لكن.. هذا ليس صحيحاً دائماً.. خصوصاً حين التحدث عن الشركات الكبرى.. وربما بعض الشركات المتوسطة.
في أحد صباحات أيام الأسبوع الأولى، تفرّغ موظف قسم في إحدى الشركات الكبرى ليجري اتصالات (لحجز وترتيب حفل غداء ليوم الخميس..). إلى هنا.. المشهد ضمن مواقف الحياة اليومية. الغريب هو مناسبة الغداء: (تسريح زميل في القسم من العمل!). من الخارج، تبدو المناسبة أشبه بحفلات الطلاق الممجوجة.. ولكن من الداخل، هي أكثر رقيّا ومنطقية.
يتحدث الموظف عن زميلهم الذي يقيمون له المناسبة: «هذا ليس مجرد زميل فقط.. هو صديقي المفضل.. عرفته من خلال العمل.. قضى معي عامين في الشركة.. وتوطدت علاقتنا سويا داخل وخارج العمل..». «.. تسريحه من العمل لم يكن مفاجئا لنا ولا له. بعد نهاية العام الأول، تقييمه لم يكن جيدا أبدا. وخلال العام التالي تم إعطاؤه خططاً بديلة ليعمل عليها. للأسف لم يحقق حتى الحد الأدنى منها. تلقّى خطاباً تلو الآخر يحدد نقاط قصوره وآلية المواكبة طوال فترة مسيرته في العام الأول والثاني..»، «.. هو يعرف أن إنجازه دون الحد الأدنى.. ويعرف أنه يستحق التسريح. أجل.. لم يكن تسريحه مفاجئا». «.. الشركة حافظت على ماء وجهه أمام الكل. لا يخفى على أحد.. كنا نشاهد ما سيحدث بترقب دقيق.. فهذه رؤية استشرافية لما قد يحدث لكل واحد منا..»، «.. حقيقة.. كان المشهد -رغم مأساويته- مطمئنا. كل الإجراءات النظامية -بما فيها إخلاء الطرف- قامت بها الشركة دون إراقة لماء وجهه..».
الاحترافية لم تنتهِ هنا.. بل بدأت. الشركة بعد تسليم الموظف قرار الفصل بيومين فقط، عقدت معه اجتماعا مغلقا -وكأن هناك حسابا باقيا يحتاج لتسوية- لتبرير أسباب عدم تحقيقه الحد الأدنى من المستهدفات المطلوبة. مع استيضاح رؤيته لبيئة العمل والمنشأة ككل. والأهم، هو التحدث عن الخبرة التي اكتسبها من خلال عمله؛ ليتم إضافتها لخطاب التوصية؛ الذي ستكتبه له الشركة. «.. زميلنا حصل على خطاب توصية.. وعلى راتب شهرين أيضا. نعم.. نحن نعمل في شركة محترمة جدا».
التسريح بهذه الاحترافية، لم يترك أثرا سلبيا لا على الموظف ولا على بقية زملائه.. على العكس تماما.
هذا فن لا تجيده سوى شركات الثقافة الاحترافية.
كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com
قد تكون هذه الجملة هي ملخص شرح لحالات كثيرة تظهر في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي.. وربما تتحول لقضايا تتناقلها الآراء المختلفة. لكن.. هذا ليس صحيحاً دائماً.. خصوصاً حين التحدث عن الشركات الكبرى.. وربما بعض الشركات المتوسطة.
في أحد صباحات أيام الأسبوع الأولى، تفرّغ موظف قسم في إحدى الشركات الكبرى ليجري اتصالات (لحجز وترتيب حفل غداء ليوم الخميس..). إلى هنا.. المشهد ضمن مواقف الحياة اليومية. الغريب هو مناسبة الغداء: (تسريح زميل في القسم من العمل!). من الخارج، تبدو المناسبة أشبه بحفلات الطلاق الممجوجة.. ولكن من الداخل، هي أكثر رقيّا ومنطقية.
يتحدث الموظف عن زميلهم الذي يقيمون له المناسبة: «هذا ليس مجرد زميل فقط.. هو صديقي المفضل.. عرفته من خلال العمل.. قضى معي عامين في الشركة.. وتوطدت علاقتنا سويا داخل وخارج العمل..». «.. تسريحه من العمل لم يكن مفاجئا لنا ولا له. بعد نهاية العام الأول، تقييمه لم يكن جيدا أبدا. وخلال العام التالي تم إعطاؤه خططاً بديلة ليعمل عليها. للأسف لم يحقق حتى الحد الأدنى منها. تلقّى خطاباً تلو الآخر يحدد نقاط قصوره وآلية المواكبة طوال فترة مسيرته في العام الأول والثاني..»، «.. هو يعرف أن إنجازه دون الحد الأدنى.. ويعرف أنه يستحق التسريح. أجل.. لم يكن تسريحه مفاجئا». «.. الشركة حافظت على ماء وجهه أمام الكل. لا يخفى على أحد.. كنا نشاهد ما سيحدث بترقب دقيق.. فهذه رؤية استشرافية لما قد يحدث لكل واحد منا..»، «.. حقيقة.. كان المشهد -رغم مأساويته- مطمئنا. كل الإجراءات النظامية -بما فيها إخلاء الطرف- قامت بها الشركة دون إراقة لماء وجهه..».
الاحترافية لم تنتهِ هنا.. بل بدأت. الشركة بعد تسليم الموظف قرار الفصل بيومين فقط، عقدت معه اجتماعا مغلقا -وكأن هناك حسابا باقيا يحتاج لتسوية- لتبرير أسباب عدم تحقيقه الحد الأدنى من المستهدفات المطلوبة. مع استيضاح رؤيته لبيئة العمل والمنشأة ككل. والأهم، هو التحدث عن الخبرة التي اكتسبها من خلال عمله؛ ليتم إضافتها لخطاب التوصية؛ الذي ستكتبه له الشركة. «.. زميلنا حصل على خطاب توصية.. وعلى راتب شهرين أيضا. نعم.. نحن نعمل في شركة محترمة جدا».
التسريح بهذه الاحترافية، لم يترك أثرا سلبيا لا على الموظف ولا على بقية زملائه.. على العكس تماما.
هذا فن لا تجيده سوى شركات الثقافة الاحترافية.
كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com