أخبار

تطوير مادة شديدة الاسوداد لتعزيز كفاءة الخلايا الشمسية

عالم في «كاوست» يكشف عن مادة ذات قدرة امتصاص عالية للضوء

«عكاظ» (جدة)

عُرف النفط في منطقة الشرق الأوسط بالذهب الأسود وهو مصطلح يرمز لمستقبل الطاقة في المنطقة والمصطلح اليوم لم يعد حكراً على النفط حتى في منطقة الشرق الأوسط، هذه هي رؤية أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، البروفيسور أندريا فراتالوتشي، الإيطالي المنشأ، الذي دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عام 2015 لمشاركته في تطوير المادة الأكثر اسوداداً في العالم، وهي أغمق مادة من صنع الإنسان، مصنوعة من الذهب. وتميزت المادة التي طورها فراتالوتشي مع فريقه المتخصص في دراسة المواد النانوية بقدرتها غير المسبوقة على امتصاص أكثر من 99 بالمائة من الضوء المرئي وأكثر من 98 بالمائة من الأشعة تحت الحمراء، الأمر الذي جعلها أشبه بثقب أسود أرضي صغير يمتص أشعة الضوء. وبعد مرور خمس سنوات على الاكتشاف، يعمل فراتالوتشي اليوم على استغلال قدرة امتصاص الضوء الكبيرة لهذه المادة لتعزيز كفاءة الخلايا الشمسية، إلا أن العقبة الرئيسية التي تقف في طريقه هي تصنيعها من معدن غير الذهب، الذي يعتبر خياراً مكلفاً جداً وغير عملي لإنتاج الطاقة. يقول فراتالوتشي: «إذا كنت ترغب في تجميع أشعة الضوء وتحويلها إلى كهرباء، فإن أول شيء عليك فعله هو تحسين كفاءة امتصاص الضوء، ولا شك أن تطوير مادة تمتص جميع أنواع الضوء بغض النظر عن التردد أو الاتجاه أو الاستقطاب سيجعلها خياراً مرغوباً به في العديد من تطبيقات الطاقة». وكانت فكرة فراتالوتشي عن تطوير المادة الأكثر اسوداداً مجرد نظرية، وكان من المستحيل في بادئ الأمر صنع مثل هذه المادة، وكان ينتظر أن يتم إعلان الاكتشاف في إحدى المجلات العلمية المتخصصة في مجال الفيزياء، إلا أنه لم ينتظر طويلاً، وجاءته اللحظة الملهمة وهو في كاوست وبمعونة أحد طلبته.

---

كيف نرى السراب في الصحراء؟

في عام 2015، كان تشانغزو لو، أحد طلبة فراتالوتشي، يتباحث مع عالم الكيمياء البروفيسور جينفينغ هوانغ حول تطوير المواد، وكشف هوانغ أنه طور جزيئات نانوية خاصة يمكن لكمية ضئيلة منها تحويل الماء النقي إلى اللون الأسود،. أثارت هذه المادة فضول الطالب وطلب الحصول على صورة للبنية النانوية التي كان يبلغ طولها 80 نانومتراً (المليمتر = مليون نانومتر)، يقول فراتالوتشي: «لا يوجد مجهر يمكنه رؤية شيء بهذا الحجم، فأنت بحاجة إلى مرفق متقدم ويستخدم مجهراً إلكترونياً متخصصاً، ولحسن الحظ لدينا واحد من هذه المرافق هنا في كاوست».

قام فريق فراتالوتشي بتحسين تصميم هذه الجسيمات النانوية وتمكن من صنع المادة شديدة الاسوداد التي دخلت موسوعة غينيس، والتي لديها خاصية امتصاص خارقة للضوء، وبنية غير عاكسة لأي شيء تقريباً، يقول فراتالوتشي: «صنعنا بنية لمادة يبدو للوهلة الأولى أنها تنتهك قوانين الفيزياء، ولكنها في واقع الأمر مجرد تأثير بصري يشبه إلى حد كبير كيف نرى السراب في الصحراء».

نظرياً، تمتلك الألواح الشمسية الكهروضوئية المصنوعة من السيليكون قدرة امتصاص قصوى للضوء تبلغ حوالى 30 في المائة، بينما عملياً، لا تتجاوز هذه النسبة 26 في المائة، الفرق أن هذه الألواح الشمسية مصنوعة من مواد رخيصة على عكس المادة التي طورها فراتالوتشي والمصنوعة من الذهب، وهو ما دفع فريقه للبحث عن مواد أقل تكلفة وتمتص قدراً كبيراً من الضوء.

البروفيسور فراتالوتشي متحفظ جداً بشأن النتائج التي توصل إليها مع فريقه خصوصاً أن أحدثها لم يُنشر بعد، لكنه أشار إلى أنهم في الطريق لتطوير مادة:«غير مكلفة، ويمكن تصنيعها على نطاقات كبيرة، وجاهز للتصنيع».

--

البديل الأسود للألواح الشمسية

سيتم اعتماد المادة الجديدة بشكل مستقل من قبل وكالة ألمانية، إلا أن جائحة فايروس كورونا أدت إلى إبطاء هذه العملية، يقول فراتالوتشي: «إذا كانت كفاءة المادة التي طورناها أعلى من المواد الشمسية التقليدية، فيمكن أن تصبح معياراً للطاقة الكهروضوئية، لأنها متوافقة بالفعل مع طرق الإنتاج الضخم».

تُظهر الاختبارات الأولية أن البديل الأسود للألواح الشمسية الكهروضوئية السيليكونية سيكون له قدرة امتصاص للضوء تبلغ حوالى 34 بالمائة، بزيادة 3-4 نقاط مئوية عن الحد الأقصى النظري للخلايا الكهروضوئية السيليكونية، ولكن أليست هذه القراءة بعيدة جداً عن قدرة الامتصاص التي سجلتها المادة الأكثر اسوداداً التي طورها فراتالوتشي في 2015 والتي بلغت 98-99 في المائة؟ ربما، ولكن امتصاص الضوء ليس الهدف النهائي هنا - فأنت بحاجة بعد ذلك إلى استخراج الضوء المجمع وتحويله إلى طاقة، يقول فراتالوتشي:«تختلف مادتنا الجديدة عن تلك التي طورناها أول مرة، من ناحية سهولة استخراج الضوء منها، على الرغم من أنها ليست فعالة من حيث احتجاز الضوء».

جدير بالذكر، أن تحسين أداء الألواح الشمسية ليس إلا تطبيقاً واحداً من التطبيقات المحتملة للمواد النانوية التي يطورها البروفيسور فراتالوتشي، وعلى الرغم من تكتمه المشروع حول أبحاثه إلا أنه أشار إلى احتمال وجود الهيدروجين في مواده النانوية الأمر الذي يرجح إمكانية استخدامها لجمع الضوء بشكل أكثر كفاءة واستخدامه بعد ذلك في عملية التحلل المائي لإنتاج الهيدروجين، عندها يمكن للبشرية أخيراً امتلاك مصدر طاقة غير مكلف ووفير ونظيف تماماً، ويستطيع أن يحل محل الذهب الأسود.