أيها المبتزون.. السعودية كيان شامخ لا يهون
الأحد / 17 / رجب / 1442 هـ الاثنين 01 مارس 2021 00:02
يوسف بن طراد السعدون
حازت السياسة الأمريكية الخارجية في النصف الأول من القرن العشرين التقدير والاحترام لالتزامها بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومناصرتها لحرية الشعوب واستقلالها، كما تضمنتها مبادئ ويلسون. وساهمت تلك السياسة في اندثار الإمبراطورية البريطانية التي كانت مساحتها الاستعمارية تغطي 24% من الكرة الأرضية وما يقارب 23% من سكان العالم عام 1920. ومن شواهد ذلك تقديم الولايات المتحدة الأمريكية قرضا إلى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وفقا للمادة السابعة من قانون الإعارة والاستئجار الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في 23 أكتوبر 1941، وكان مشروطا بالتخلي عن إنشاء أي أنظمة اقتصادية استعمارية بعد انتهاء الحرب.
وأكبرت الأمم أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية نجاحها الباهر في الاقتصاد والعلوم والتقنية الذي مكّنها من حيازة الريادة والقيادة العالمية. وذلك النجاح ما كان ليتحقق لو لم تسعَ السياسة الداخلية الأمريكية إلى ترسيخ استقرارها وأمنها الوطني الداخلي باجتثاث كافة بؤر الفتنة والفوضى والاضطراب على أرضها.
فالرئيس الأمريكي ويلسون، الحائز على جائزة نوبل للسلام، في خطابه لحالة الاتحاد 7 ديسمبر 1915، حث الكونغرس على تبني قانون التحريض قائلا إن «هناك مواطنين سعوا إلى ازدراء سلطة حكومتنا وسمعتها الطيبة وتدمير صناعاتنا وتحطيم سياساتنا لخدمة المؤامرات الأجنبية». وأكد على «أهمية سن هذا القانون، لأنه يمثل إنقاذا لشرف الأمة واحترامها لذاتها، ومطالبا بضرورة معاقبة عدم الولاء والمؤامرات ضد الحكومة التي تستهدف خدمة مصالح غريبة عن المصالح الأمريكية»، ومحذرا «من الأمريكان غير الأوفياء الذين يسعون لدس سم عدم الولاء في داخل شرايين الوطن»، مطالبا بـ«التخلص منهم». وأقر قانون التحريض على الفتنة لعام 1918، بعد إدخال تعديلات على قانون التجسس لعام 1917، وتضمن تجريم سلوكيات مثل التعبير عن الرأي الذي يستهدف توجيه اللوم للحكومة أو المجهود الحربي. كما تبنت أمريكا، في عهد الرئيس روزفلت، قانون سميث، الذي حدد عقوبات جنائية لأي شخص يسعى إلى التسبب في الإطاحة أو تدمير الحكومة من خلال النشر والتحرير والتوزيع أو عرض أي مادة مكتوبة أو مطبوعة تدعو علانية للدعوة لنشر الفوضى أو تنظيم تحزبات وتجمعات لأشخاص يعملون أو يشجعون على الإطاحة بالحكومة أو تدميرها بالقوة أو العنف. وتمت بموجب ذلك القانون إدانة 11 شخصا من قادة الحزب الشيوعي عام 1949. ولا ننسى أيضا في هذا الشأن قانون باتريوت الذي تبنته أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر وما تضمنه من أسس واسعة تمكن الحكومة من المراقبة والتنصت على الاتصالات داخل وخارج حدودها.
هذا السجل المشرف للولايات المتحدة الأمريكية، هو الذي شجع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله لاختيار الشراكة والتعاون معها بمنح الامتياز لاستكشاف وإنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري لشركة أمريكية عام 1931م، وتوقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م، ثم اللقاء بالرئيس روزفلت 1945م. واستمرت هذه العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين لعقود، أساسها الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة.
وكما أعجب وأشاد العالم بالسياسة الأمريكية سابقا، فإنه يستغرب ويستنكر بشدة الآن سلوكها المشين الذي يبرزها كإمبراطورية ذات سياسة استعمارية تسعى إلى تعظيم مصالحها الوطنية واستنزاف ثروات الآخرين، على خلاف المبادئ التي تبناها القادة السياسيون الشرفاء الأمريكيون الأوائل. حيث نجدها تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وزعزعة سيادتها واستقرارها وأمنها الوطني، بشعارات الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان أو محاربة الإرهاب. وعلى الساسة الحكماء في أمريكا سرعة تدارك الأمر، ولا يفتنهم تطبيل حفنة متأمركة من العملاء والجهلاء وزوار السفارات لسياساتهم الهوجاء.
وردا كمواطن سعودي، على الإدارة الأمريكية التي طالبت بأن تكون العلاقة الثنائية مع المملكة العربية السعودية تعاونا وشراكة تعكس قيم الولايات المتحدة الأمريكية وكالت الاتهامات المغرضة للقيادة السعودية، أقول:
1. الحقيقة الثابتة التي يعيها من يدركون، أن المملكة العربية السعودية وطنا وقيادة منذ قرون، كيان شامخ لا يهون. مرتكزاتها: مكانة إسلامية متميزة كحاضنة للحرمين الشريفين يتطلع إليها أكثر من 1.5 مليار مسلم، ودستور موثوق مستمد من القرآن والسنة، وقيم وتراث وتقاليد عربية إسلامية راسخة، ونسيج اجتماعي متناسق لشعب أبي طموح يعتز بوطنه وولاء مخلص لقيادته، وقدرة للعب دور محوري على صعيد العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية.
2. إن الدين الإسلامي وتعاليم الشريعة السمحة تمثل الرابط الاجتماعي السياسي المتين لمجتمعنا، ولا يمكن التنازل عنه بتاتا. وهذه التعاليم ترتكز على تغليب حقوق المجموعة أو الأمة على الحقوق الفردية المحدودة التي تعد دوما منطلقا للفتنة والفساد.
3. قيادة المملكة العربية السعودية تدرك جيدا أن رفاه ومستقبل وطنها دعائمه استمرار البناء سعيا لتحقيق رغبات شعبها وضمان استقرارها وأمنها الوطني. وعليه لا يحلمون، أن ترضخ المملكة قيادة وشعبا، للابتزاز السياسي وتقبل التعدي على سيادتها وقيادتها وثرواتها، وتتناسى قيمها وتراثها وتقاليدها وسيادتها وحقوقها الشرعية.
4. إذا ما كنتم صادقين في استمرار التعاون والشراكة المثمرة، لا بد أن تدركوا وتقبلوا التنوع والاختلاف في القيم والأسس التي تحكمنا وتحترموا الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية للشعوب.
5. لا لازدواجية المعايير، فكما هو أمنكم الوطني مهم لكم وتبنيتم واتخذتم ما يلزم من إجراءات وخطوات لحمايته، فمن حقنا ومسؤوليتنا أن نتخذ ما يلزم لحماية أمننا الوطني.
خاتمة:
أشار المؤرخ أنتوني هوبكينز (Antony G. Hopkins) في كتابه الإمبراطورية الأمريكية: تاريخ عالمي (American empire: a global history) إلى «أن الفشل في تقدير التغير الأساسي في الظروف التي تتم فيها ممارسة القوة، والطبيعة المتغيرة للقوة نفسها، يحمل نتائج هائلة بالنسبة للنظام والفوضى في العالم».
كاتب سعودي
وأكبرت الأمم أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية نجاحها الباهر في الاقتصاد والعلوم والتقنية الذي مكّنها من حيازة الريادة والقيادة العالمية. وذلك النجاح ما كان ليتحقق لو لم تسعَ السياسة الداخلية الأمريكية إلى ترسيخ استقرارها وأمنها الوطني الداخلي باجتثاث كافة بؤر الفتنة والفوضى والاضطراب على أرضها.
فالرئيس الأمريكي ويلسون، الحائز على جائزة نوبل للسلام، في خطابه لحالة الاتحاد 7 ديسمبر 1915، حث الكونغرس على تبني قانون التحريض قائلا إن «هناك مواطنين سعوا إلى ازدراء سلطة حكومتنا وسمعتها الطيبة وتدمير صناعاتنا وتحطيم سياساتنا لخدمة المؤامرات الأجنبية». وأكد على «أهمية سن هذا القانون، لأنه يمثل إنقاذا لشرف الأمة واحترامها لذاتها، ومطالبا بضرورة معاقبة عدم الولاء والمؤامرات ضد الحكومة التي تستهدف خدمة مصالح غريبة عن المصالح الأمريكية»، ومحذرا «من الأمريكان غير الأوفياء الذين يسعون لدس سم عدم الولاء في داخل شرايين الوطن»، مطالبا بـ«التخلص منهم». وأقر قانون التحريض على الفتنة لعام 1918، بعد إدخال تعديلات على قانون التجسس لعام 1917، وتضمن تجريم سلوكيات مثل التعبير عن الرأي الذي يستهدف توجيه اللوم للحكومة أو المجهود الحربي. كما تبنت أمريكا، في عهد الرئيس روزفلت، قانون سميث، الذي حدد عقوبات جنائية لأي شخص يسعى إلى التسبب في الإطاحة أو تدمير الحكومة من خلال النشر والتحرير والتوزيع أو عرض أي مادة مكتوبة أو مطبوعة تدعو علانية للدعوة لنشر الفوضى أو تنظيم تحزبات وتجمعات لأشخاص يعملون أو يشجعون على الإطاحة بالحكومة أو تدميرها بالقوة أو العنف. وتمت بموجب ذلك القانون إدانة 11 شخصا من قادة الحزب الشيوعي عام 1949. ولا ننسى أيضا في هذا الشأن قانون باتريوت الذي تبنته أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر وما تضمنه من أسس واسعة تمكن الحكومة من المراقبة والتنصت على الاتصالات داخل وخارج حدودها.
هذا السجل المشرف للولايات المتحدة الأمريكية، هو الذي شجع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله لاختيار الشراكة والتعاون معها بمنح الامتياز لاستكشاف وإنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري لشركة أمريكية عام 1931م، وتوقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م، ثم اللقاء بالرئيس روزفلت 1945م. واستمرت هذه العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين لعقود، أساسها الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة.
وكما أعجب وأشاد العالم بالسياسة الأمريكية سابقا، فإنه يستغرب ويستنكر بشدة الآن سلوكها المشين الذي يبرزها كإمبراطورية ذات سياسة استعمارية تسعى إلى تعظيم مصالحها الوطنية واستنزاف ثروات الآخرين، على خلاف المبادئ التي تبناها القادة السياسيون الشرفاء الأمريكيون الأوائل. حيث نجدها تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وزعزعة سيادتها واستقرارها وأمنها الوطني، بشعارات الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان أو محاربة الإرهاب. وعلى الساسة الحكماء في أمريكا سرعة تدارك الأمر، ولا يفتنهم تطبيل حفنة متأمركة من العملاء والجهلاء وزوار السفارات لسياساتهم الهوجاء.
وردا كمواطن سعودي، على الإدارة الأمريكية التي طالبت بأن تكون العلاقة الثنائية مع المملكة العربية السعودية تعاونا وشراكة تعكس قيم الولايات المتحدة الأمريكية وكالت الاتهامات المغرضة للقيادة السعودية، أقول:
1. الحقيقة الثابتة التي يعيها من يدركون، أن المملكة العربية السعودية وطنا وقيادة منذ قرون، كيان شامخ لا يهون. مرتكزاتها: مكانة إسلامية متميزة كحاضنة للحرمين الشريفين يتطلع إليها أكثر من 1.5 مليار مسلم، ودستور موثوق مستمد من القرآن والسنة، وقيم وتراث وتقاليد عربية إسلامية راسخة، ونسيج اجتماعي متناسق لشعب أبي طموح يعتز بوطنه وولاء مخلص لقيادته، وقدرة للعب دور محوري على صعيد العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية.
2. إن الدين الإسلامي وتعاليم الشريعة السمحة تمثل الرابط الاجتماعي السياسي المتين لمجتمعنا، ولا يمكن التنازل عنه بتاتا. وهذه التعاليم ترتكز على تغليب حقوق المجموعة أو الأمة على الحقوق الفردية المحدودة التي تعد دوما منطلقا للفتنة والفساد.
3. قيادة المملكة العربية السعودية تدرك جيدا أن رفاه ومستقبل وطنها دعائمه استمرار البناء سعيا لتحقيق رغبات شعبها وضمان استقرارها وأمنها الوطني. وعليه لا يحلمون، أن ترضخ المملكة قيادة وشعبا، للابتزاز السياسي وتقبل التعدي على سيادتها وقيادتها وثرواتها، وتتناسى قيمها وتراثها وتقاليدها وسيادتها وحقوقها الشرعية.
4. إذا ما كنتم صادقين في استمرار التعاون والشراكة المثمرة، لا بد أن تدركوا وتقبلوا التنوع والاختلاف في القيم والأسس التي تحكمنا وتحترموا الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية للشعوب.
5. لا لازدواجية المعايير، فكما هو أمنكم الوطني مهم لكم وتبنيتم واتخذتم ما يلزم من إجراءات وخطوات لحمايته، فمن حقنا ومسؤوليتنا أن نتخذ ما يلزم لحماية أمننا الوطني.
خاتمة:
أشار المؤرخ أنتوني هوبكينز (Antony G. Hopkins) في كتابه الإمبراطورية الأمريكية: تاريخ عالمي (American empire: a global history) إلى «أن الفشل في تقدير التغير الأساسي في الظروف التي تتم فيها ممارسة القوة، والطبيعة المتغيرة للقوة نفسها، يحمل نتائج هائلة بالنسبة للنظام والفوضى في العالم».
كاتب سعودي