كتاب ومقالات

خيارات المملكة أمام السياسة الأمريكية

رامي الخليفة العلي

العلاقات الأمريكية ـ السعودية تمر بأزمة اختلقتها إدارة بايدن، والغريب في الأمر أن أسباب هذه الأزمة لا تعود إلى تغير في المصالح السعودية والأمريكية أو تباعد وجهات النظر في مختلف القضايا الإقليمية والدولية وإنما تعود إلى مناكفات داخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين بدأت منذ الحملة الانتخابية الرئاسية عندما حولها بايدن إلى ورقة انتخابية. ثم تعهد بأن يكشف عن تقرير استخباراتي حول مقتل جمال خاشقجي رحمه الله، واعتقدنا أن السي أي إي سوف تأتي بالذئب من ذيله، وسوف تقدم لنا رواية مختلفة عن تلك التي قدمتها المملكة حول القضية وأنها سوف تقلب الطاولة على الجميع، ولكن الجبل عندما اهتز لم يلد سوى فأر ميت، فالمعلومات الواردة ليس أكثر من استنتاجات كتبها شخص يجلس على طاولة ويتابع وسائل الإعلام والكثير منها بالغ في خيالاته حتى بنى حبكة درامية بحسب توجهات هذه الدولة أو تلك. ومنذ اللحظة الأولى قلنا وقالت المملكة إن الجانب القانوني سوف يأخذ مجراه وأن المملكة ترفض بشكل قاطع الاستغلال السياسي لهذه القضية، وهذه كانت رؤية أولياء الدم حيث عبرت عائلة جمال خاشقجي عن ثقتها بالقضاء والقيادة السعودية. ولا نرى بأن إعادة إحياء القضية مرة أخرى من إدارة بايدن سوى رسالة خاطئة في توقيتها ومحتواها وتأثيراتها. والمملكة العربية السعودية كما هي عادتها تتعامل مع الأزمات صغيرها وكبيرها بتروٍ وحكمة وهدوء، فقد ردت وزارة الخارجية ببيان حول التقرير الأمريكي وبما يتناسب مع الإجراء الأمريكي دون إفراط أو تفريط. غير أن هناك حقائق يجب أن توضع على الطاولة ويجب أن يدرك الجميع بأنها لا تقبل الجدل أو المساومة.

بداية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المملكة هي مسألة داخلية تهم المواطن السعودي وقيادته، ولا يجوز لأي كان التدخل فيه، وأي مساس من قبل أية جهة يعتبر تجاوزاً للخط الأحمر لن يقبل به المواطن السعودي قبل الحكومة السعودية.

ثم أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي علاقة بين أنداد وقائمة على المصالح المشتركة، ويجب أن تفهم بعض الأصوات هذه الحقيقة، فإذا كانت الولايات المتحدة هي القوة العظمى في هذه المعمورة فإن المملكة تمثل قلب العالم الإسلامي وروحه وهي تحمل عبء تمثيل المصالح العربية والدفاع عن الأمن القومي العربي. وإذا اعتقد أي مسؤول خلاف ذلك فإنه يخطئ خطأً فادحاً.

هناك تعاون عسكري واستراتيجي على امتداد العقود الماضية منذ لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وهذا التعاون كان في مصلحة الطرفين سواء أثناء الحرب الباردة أو في الحرب على الإرهاب أو في تحقيق التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وإذا ما قررت الولايات المتحدة المساس بهذه المعادلة فإن للمملكة خيارات كثيرة قادرة من خلالها على التعاون مع أطراف دولية فاعلة. لا بل إن هذه الأطراف أعطت إشارات واضحة بأنها تريد تعاوناً مع المملكة، وما على المراقب سوى العودة إلى زيارات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى بكين وموسكو وغيرهما.

التعاون السعودي ـ الأمريكي ما زال مفيداً لمصالح الطرفين، وسعي الولايات المتحدة للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يصب في صالح المملكة، ولكن إذا اختلف هذا النهج سواء تحت ضغط الرؤية الأوبامية أو لتحقيق مكسب سياسي آني بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران فإن المملكة قادرة على الدفاع عن مصالحها ولديها الإمكانيات لفعل ذلك، كما لديها مروحة من العلاقات الإقليمية والدولية التي تسمح ببناء رؤى تشاركها الأهداف والتطلعات.

نأمل أن تقرأ الولايات المتحدة الأمريكية الواقع جيداً وأن تتجاوز المناكفات الداخلية في التعامل مع المنطقة، وأن يدرك القائمون على الأمر أن مصالحهم في احترام مصالح الآخرين والتعاون معهم، وإلا فإن الخيارات كثيرة، فالمصالح الدائمة هي التي تنتج صداقات دائمة في منطق السياسة.

باحث سياسي

ramialkhalife@