عبدالله الجفري.. غارس الورد في تربة الحزن
السبت / 23 / رجب / 1442 هـ الاحد 07 مارس 2021 00:32
بقلم: د. عبدالله المدني - أستاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@
في صبيحة يوم عيد الفطر سنة 1429 للهجرة المصادف لسنة 2008 انتقل إلى رحمة الله تعالى، بعد معاناة مع أمراض القلب والكبد، الأديب السعودي الرومانسي والرمز الصحافي الكبير السيد عبدالله عبدالرحمن الجفري، صاحب المدرسة الفريدة في العمود الصحفي، ومؤلف أكثر من 40 كتابا متنوعا، فكانت وفاته صدمة لزملائه وعشاق أدبه الذين تباروا في نعيه وذكر مآثره ومناقبه وسرد تاريخ صولاته وجولاته في عوالم الأدب والصحافة والنشر على مدى أربعة عقود دون انقطاع منذ بواكير شبابه.
كتب عنه رفيق دربه عبدالله عمر خياط في صحيفة «عكاظ» (19/12/2009) فقال: «عُرف عن عبدالله الجفري التزامه بمدرسته الخاصة في الكتابة، وحنجرته التي صاغها على مدى عقود ليقول كلمته وفق أسلوبه الخاص الذي يميل إلى الرومانسية حتى اصطبغ بها والتصقت به، وقد رآها البعض تهمة، مما حدا به إلى الإشارة إليها قائلا «أعتز بهذه التهمة الجميلة التي تمنحني قدرة الانسكاب في وجدان كل قارئ وقارئة ينطقون باللغة الشاعرة».. بهذه العبارة كرس الأستاذ السيد عبدالله الجفري (الرومانسية) أسلوبا يستمتع بنثره وكأنه ينظم درر كلماته عقود جمان يزين بها عمرا قضاه على بلاط صاحبة الجلالة».
وكتب الزميل بدر الخريف عن أدبه في الشرق الأوسط (2/10/2008) فقال: «هجر (الجفري) أساليب المنشئين من أدباء التجديد في هذا العصر وأفاد من طرائق المدرسة الحديثة في استخدام العبارة وتوظيفها، ولم يراعِ القواعد المأثورة في بناء الأسلوب المقالي في هذه الناحية، فأثرت عليه الروح الشعرية الحديثة، بصورها وموسيقاها وأجوائها الرامزة الموحية، ونسيجها الجديد الغريب المؤثر، ووظف خاصية الشعر في نثره حتى صار النص لديه في منزلة بين المنزلتين، فيه خصائص النثر من التدفق والسيولة والإسهاب وتنوع الأفكار وتشعب الحديث عنها وخصائص الشعر من الموسيقى والجرس ونماء العبارة وثرائها الموحي والهمس النفسي الحميم».
قلب طفل صغير
ونقلت صحيفة الاقتصادية (1/5/2009) عن الكاتب الصحافي نجيب عصام يماني الذي لازم الفقيد في الفترة الأخيرة من حياته، ما مفاده أنه على الرغم من أن الجفري غادر السعودية إلى بريطانيا لزراعة الكبد على نفقة الملك سلمان بن عبدالعزيز (حينما كان أميرا لمنطقة الرياض)، إلا أنه تمتع بمقدرة عجيبة على مواصلة قراءة الكتب والروايات، وكان يستجيب لمن يطلب منه كتابة مقدمات كتبهم ورواياتهم سواء كانوا سعوديين أو عربا، مضيفا: «عرفت الجفري عن كثب وتعايشت معه في الغربة والسفر والحِل، فأيقنت بخطأ نظريتي، فمهما كبر عمراً يبقى قلبه قلب طفل صغير لا يكبر، يملأه الحب وتشوبه العاطفة، لا يعرف إلا الصدق والإخلاص».
أما هو فقد قال عن نفسه ردا على سؤال في حوار قديم مع أحد الصحفيين طبقا لما ذكره عبدالله عمر خياط في «عكاظ» (مصدر سابق): «أنا إنسان، هذا الكاتب المتفاعل العاشق في الغضب العادل، المشاكس في زمن الانكسار، مجروح أنا بخلفية الاتجاه والظمأ، عقاب بعد أن ماتت النداءات الصادرة من التفاؤل. أرى الكلمة نارا، ونورا! أراها نارا في الغضبة للدفاع عن الحق والحقيقة، عن القيم والمبادئ، ولكشف الذين يزورونها، ولإسقاط الذين يدعسون الجمال، سواء كان جمالا محسوسا أو ملموسا. وأراها نورا في تحويلها إلى نبض، وإلى صوت قوي لإجلاء الحقيقة، وإلى ريشة جميلة تمنح أبعاد لوحة الحياة.
وفي انطلاقي نحو الحياة الأولى، بكل تلفتي واشتعال وعيي، يومها ذاك الذي لم يدم. غازلتني الأحلام الجميلة التي أشرق بعضها بلا موعد، والتي تكسر أغلبها قبل أي موعد.
وسلبت مني الحياة.. الاشتياق إلى قرية صغيرة، تسمق فيها النخلة الموغلة بجذورها في الأرض. إنها نخلة الزمان، وحضارة الروح. لم أخف من الزمن ولا من العمر في نهدة صباي ثم شبابي، وأعرف أن الخوف لا يستقيم مع الإيمان، وإيماني راسخ إن شاء الله، وأن الزمن قد لا يكون هو العمر، والعمر الجميل الحافل بالإنجاز وبالإبداع وبالحب هو الذي يصنع الزمان الأجمل. فقط، تركت الجمال يقف على شباة قلمي.. الجمال جمال الكلمة وجمال التعبير، وجمال الحلم وجمال الحق والحرية».
وجداني شاعري
وكان الناقد الدكتور محمد بن عبدالله العوين قد أشار إلى الفقيد في كتابه «المقالة في الأدب السعودي» (دار الصميعي/1992) قائلا إن الجفري «أخلص لفن التعرف على الوجدان والحديث عنه والإفضاء إليه. ولولا مراعاتي لتوالي الأجيال في الأدب لكنت قدمته على سابقيه في ذلك، لأن من تقدم الحديث عنهم يكتبون المقالة الذاتية مثلما يكتبون ـ أحيانا ـ مقالات أخرى في شؤون مختلفة، إلا أن الجفري من الكتاب الوجدانيين الشعريين الذين تستولي عليهم الرقة والعذوبة وشفافية الحلم. وقد جاء بمقالة جديدة تختلف في سياقها وتكوينها اللفظي وخيالها عن المقالة المأثورة المطروقة عند سواه، فلم يكتب تلك المقالة المباشرة متوالية الإيقاعات، التي تبدأ باستهلال ينبئ عن خاتمتها، ويتوسطها الاتكاء على الفكرة، والمداورة فيها، ويخرج قارئها منطفئا عند نهايتها لوصوله إلى غاية الكاتب المباشرة دون عناء ودون إسراف في الخيال ودون محاولة للتفكير أو إثارة التساؤل حول موضوع النص».
هكذا كان عبدالله الجفري المكنى بأبي وجدي، الذي أبصر النور في حارة الباب بمكة المكرمة عام 1939، ونشأ ودرس بها. وكما يشير لقبه، ينتمي الرجل إلى عائلة الجفري المنتشرة في حضرموت والحجاز وبعض دول الخليج وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والهند، علما أن آل الجفري قبيلة كبيرة وفرع من فروع آل با علوي العديدة الذين ينتسبون إلى السادة الأشراف من ذرية الإمام جعفر الصادق، ومن هذه الفروع آل العطاس، وآل السقاف، وآل جمل الليل، وآل البيتي، وآل مشيخ، وآل الصافي، وآل فدعق، في مكة والمدينة المنورة وجدة، وكان بعض هؤلاء مثل آل العطاس وآل السقاف وغيرهم من ذوي العلم والصلاح استقروا في حضرموت قبل أن يهاجروا منها إلى الهند ودول جنوب شرق آسيا وجزر القمر وكينيا لنشر الدعوة الإسلامية.
وفي أسباب تسمية الجفري بهذا الإسم وجدت في الصفحة 71 من «معجم اللطيف» للسيد محمد بن أحمد بن عمر الشاطري الصادر في جدة سنة 1986م أن أول من سمي بهذا الاسم هو الجد الأكبر للعائلة السيد أبوبكر بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد لأن جده لأمه عبدالرحمن السقاف كان يقول له وهو صغير «أهلا بجفرتي» من باب التدليل، وتشبيها بالجفرة، و«الجفرة هي ما جفر جنباه أي اتسعا من ولد الشاة».
اليتم مبكراً
تيتم عبدالله الجفري بفقد والدته وهو صغير لم ينهِ سنته الأولى، فتكفل والده وعماته الأربع بتربيته، قبل أن تنتقل رعايته إلى زوجة جده الذي تزوج للمرة الثانية من سيدة فاضلة من أسرة الحبشي. لذا فإن يتمه المبكر تسبب له في معاناة كبيرة ألقت بظلالها لاحقا على كتاباته الأدبية والصحفية، غير أن معاناته هذه لم تقف حائلا دون مواصلة دراسته النظامية التي انتهت بحصوله على شهادة الثانوية العامة/ القسم الأدبي من المدرسة الرحمانية بمكة (مدرسة أنشأها في عام 1330 للهجرة الشريف الحسين بن علي تحت اسم المدرسة الخيرية التحضيرية، وتم تغيير اسمها عام 1354 للهجرة في عهد الملك عبدالعزيز) زمن مديرها المربي الشاعر محمد السليمان الشبل، حيث زامل فيها العديد من الأسماء التي تألقت لاحقا من أمثال محمد إسماعيل الجوهرجي ومحمد باخطمة وعبدالله خياط ود. محمد عبده يماني.
الولع بالصحافة
يخبرنا أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في مقال عن الجفري تحت عنوان «من بدايات الطلبة إلى قمة الرومانسية» بجريدة «عكاظ» (30/1/2013) أن الجفري، وهو في سن الخامسة عشرة بمدرسة الرحمانية، كان ضمن الطلبة المتسابقين على الكتابة في الصحافة السيارة رغم قلتها، إذ لم يكن هناك سوى صحيفتين: «البلاد السعودية» التي تصدر من مكة، و«المدينة» التي كانت تصدر من المدينة، خصوصا وأن مدير مدرسته (محمد السليمان الشبل) كان يحث طلبته على الإبداع من خلال تشجيعهم على النشر في جريدة البلاد السعودية، حيث كان الأستاذ والمربي عبدالرزاق بليلة مسؤولاً فيها عن صفحة «دنيا الطلبة»، قبل أن يتغير اسمها إلى «مجتمع الطلبة»، علما أن هذه الصفحة كانت تصدر مرة في الأسبوع ثم مرتين، وكانت تنشر جميع المحاولات الأدبية الجادة للطلبة.
في عام 1956 أنهى الجفري دراسته الثانوية، فأغرته الوظائف الحكومية المتوفرة آنذاك لخريجي الثانوية في الالتحاق بإحداها، فالتحق بوزارة الداخلية موظفاً في إدارة الجوازات والجنسية. غير أن وظيفته الحكومية لم تمنعه من مواصلة الكتابة في الصحافة المحلية، خصوصا وأن تلك الفترة شهدت ظهور أول صحيفة أهلية أسبوعية وهي صحيفة «الأضواء» التي أصدرها في جدة محمد سعيد باعشن وعبدالفتاح أبومدين. في «الأضواء» اقتدى الجفري بما كان يفعله عبدالرزاق بليلة في صحيفة «البلاد السعودية»، فتولى عملية الإعداد والإشراف على صفحة لاستقطاب كتابات الطلبة تحت عنوان «حصاد الطلبة»، وتحفيزهم على كتابة القصة القصيرة الهادفة المشوقة عبر تقديم جوائز. وبعد توقف جريدة الأضواء، وانتقال جريدة المدينة إلى جدة عام 1962 انضم إلى الأخيرة مشرفاً على صفحة «الفنون والآداب» التي كانت تصدر كل جمعة، وفيها متابعة وإبراز لما أقيم من نشاط خلال الأسبوع بعنوان «الأدب في أسبوع» ومقابلة مع أحدهم بعنوان «أديب يتحدث».
من الجوازات إلى نجومية الإعلا
ممن موظف بإدارة الجوازات والجنسية انتقل الجفري إلى وزارة الإعلام (حينما كانت تسمى مديرية الصحافة والنشر) مديرا للمطبوعات، ثم أعيرت خدماته لجريدة «البلاد»، ومن ثمّ لجريدة «المدينة» حيث عمل فيهما سكرتيرا للتحرير، ومن «البلاد» و«المدينة» انتقل إلى «عكاظ» مسؤولا عن التحرير. لاحقا شغل منصب نائب الناشرين في الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر عنها صحيفة الشرق الأوسط ومجلتا «سيدتي» و«المجلة»، حيث أشرف على صفحات الثقافة والأدب اليومية في «الشرق الأوسط»، وقام بإعداد وتقديم ملف الثقافة الأسبوعي في مجلة «المجلة»، بصفته نائب رئيس تحرير «الشرق الأوسط» للشؤون الثقافية. ومن «الشرق الأوسط» انتقل إلى جريدة «الحياة»، حيث تمّ تكليفه بإنشاء مكتب للجريدة في السعودية، وخصص له فيها عمود يومي بعنوان «نقطة حوار». في كل تنقلاته هذه، وفي كل صحيفة احتضنت نشاطاته لم يتوقف عن كتابة زاويته الأثيرة المعروفة «ظلال»، التي خص بها ابتداء صحيفة «عكاظ»، مثلما لم يتوقف عن إبداعاته في مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة.
أثرى المكتبة العربية بقصص وروايات ومقالات
خلال حياته لم يساهم فقط في تغيير وجه الصحافة السعودية حتى صارت صالحة لمخاطبة القارئ العربي في كل مكان، ولم يدعم فقط الإعلام الأدبي بما يحتاج إليه من قضايا تمس اللحظة ببعد إنساني وتعتمد شاعرية الأداء والجمل السريعة المؤثرة غير المغرقة في المجاز، وإنما زود أيضا المكتبة العربية بجملة من المؤلفات شملت القصة القصيرة والرواية والقضايا الاجتماعية والرؤى النقدية والوجدانيات والتأملات والقراءات النفسية، بدءا بأول مجموعة قصصية عام 1962، وأول كتاب حول المقالة الأدبية الوجدانية عام 1979، وأول رواية (رواية جزء من حلم) عام 1984، وانتهاء بكتابه «مشواري على البلاط» حول سيرته الذاتية والذي صدر بعد وفاته بعام، ومرورا بروايات «العاشقان»، «أيام معها»، و«العشب فوق الصاعقة»، وكتب «100 خفقة قلب»، «المثقف العربي والحلم»، «من كراستها الخاصة»، «وطن فوق الإرهاب»، «الزيدان، زوربا القرن العشرين»، «نزار قباني: حكاية معشبة لصداقة قصيرة»، وغيرها.
ولكل هذا نال أبووجدي العديد من الجوائز مثل: الجائزة التشجيعية في الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1984، تقديراً على كتابه «حوار في الحزن الدافئ»، جائزة «علي ومصطفى أمين للصحافة» عام 1992 على مقالاته المتنوعة، جائزة المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين بإشراف جامعة أم القرى عام 1998 تقديراً لدوره البارز في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في السعودية، جائزة المفتاحة عام 2000 من لجنة التنشيط السياحي بعسير، تكريماً لجهوده المتميزة في الكتابة والصحافة، الزمالة الفخرية عام 1986 من «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة، شهادة تقدير عام 1986 من «الجمعية العربية للفنون والثقافة والإعلام» التي أسسها الروائي يوسف السباعي تقديراً لإنجازاته الجليلة وعطائه الوافر للمجتمع في 1986م. جائزة تقديرية وشهادة من «جمعية لسان العرب» للحفاظ على اللغة العربية التابعة للجامعة العربية عام 2005، وغيرها.
وحينما توفي -رحمه الله- ترك خلفه مكتبة عامرة حوت ما يقارب أربعة آلاف كتاب ومجلد في العديد من فنون المعرفة والثقافة العامة والأدب والتاريخ. وقد قامت أسرته في عام 2011 بإهداء هذه المكتبة إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
يسابق للتنوير ويصارع من أجل التنمية
ولأنّ الصحافة كانت بالنسبة للجفري موقفاً ورسالة ومسؤولية وأمانة الكلمة، ولم تكن قط تسويد صفحات، وتصفية حسابات وصراع مكسب وخسارة، بقدر ما كانت نكراناً للذات في خضم تسابق محموم من أجل أهداف تنويرية، وصراع تحديات متصلة تنمو وتزهر وتثمر، فقد وزع الرجل إبداعاته على طائفة واسعة من الصحف والمجلات. فقد كتب صفحة أسبوعية في مجلة «الجديدة» بعنوان «كلمات فوق القيود»، وصفحة أسبوعية في مجلة «اليمامة» بعنوان «موانئ في رحلة الغد»، كما نجح في اختراق الصحافة المصرية، التي نادرا ما تفتح صفحاتها لأقلام غير مصرية، فكتب في مجلات «آخر ساعة» و«صباح الخير» و«أكتوبر»، وفي الطبعة الدولية لصحيفة «الأهرام»، علاوة على كتابة صفحة أسبوعية في جريدة «الرأي العام» الكويتية.
الذين تمعنوا في النتاج الأدبي للجفري لاحظوا أنه تأثر بالمدرسة المهجرية التي أحبها منذ شبابه، فراح يستقي منها ويضيف إليها إلى أن أسس لنفسه مدرسة خاصة تميزت بالرومانسية والإنسانية والشفافية ورشاقة الكلمة والعبارة. أما هو فكان يشدد على أنه تأثر بكتابات وأعمال مواطنه الأديب محمد حسين زيدان الذي عده معلماً أولَ له، لكنه تأثر أيضا باعترافه بكتابات الأديب المصري أنيس منصور إلى درجة أن أحد الكتاب التونسيين أطلق عليه اسم «أنيس منصور السعودية»، علما بأن صداقة أسرية حميمة جمعت الرجلين انقطعت بسبب مواقف منصور المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل قبل أن تعود بعد لقائهما في مهرجان الجنادرية بوساطة من الأمير خالد الفيصل. كما أن الجفري ارتبط بعلاقة صداقة بالشاعر نزار قباني، وكانت بينهما مراسلات كثيرة وإعجاب متبادل قبل أن يلتقيا وجهاً لوجه في لندن بترتيب من حفيدته وابنة نزار «هدباء».
والذين عرفوه عن كثب أو تعاملوا معه أجمعوا على تواضعه الجم مع الجميع بمن فيهم الكتاب المبتدئون الذين لم يمارس عليهم قط أستاذيته، كما أجمعوا على أنه كان «طارف الدمع» يبكي لبكاء طفل أو عجز إنسان مسن أو نغمة حزينة. وفي هذا السياق روى د.فؤاد عرب في «برنامج الراحل» من تقديم محمد الخميسي بقناة روتانا خليجية أنه كان مع الجفري في القاهرة ذات مرة، وبينما كانا يتجولان في الشوارع الخلفية لفندقهما بالزمالك رأى الجفري شخصا يضرب طفلا صغيرا فتدخل لاستيضاح الأمر، وعندما علم أن سبب الضرب هو مطالبة الطفل بأشياء يعجز والده عن تلبيتها، أخرج كل ما في جيبه وأعطاه للأب مقابل أن يكف عن ضرب ابنه.
كتب عنه رفيق دربه عبدالله عمر خياط في صحيفة «عكاظ» (19/12/2009) فقال: «عُرف عن عبدالله الجفري التزامه بمدرسته الخاصة في الكتابة، وحنجرته التي صاغها على مدى عقود ليقول كلمته وفق أسلوبه الخاص الذي يميل إلى الرومانسية حتى اصطبغ بها والتصقت به، وقد رآها البعض تهمة، مما حدا به إلى الإشارة إليها قائلا «أعتز بهذه التهمة الجميلة التي تمنحني قدرة الانسكاب في وجدان كل قارئ وقارئة ينطقون باللغة الشاعرة».. بهذه العبارة كرس الأستاذ السيد عبدالله الجفري (الرومانسية) أسلوبا يستمتع بنثره وكأنه ينظم درر كلماته عقود جمان يزين بها عمرا قضاه على بلاط صاحبة الجلالة».
وكتب الزميل بدر الخريف عن أدبه في الشرق الأوسط (2/10/2008) فقال: «هجر (الجفري) أساليب المنشئين من أدباء التجديد في هذا العصر وأفاد من طرائق المدرسة الحديثة في استخدام العبارة وتوظيفها، ولم يراعِ القواعد المأثورة في بناء الأسلوب المقالي في هذه الناحية، فأثرت عليه الروح الشعرية الحديثة، بصورها وموسيقاها وأجوائها الرامزة الموحية، ونسيجها الجديد الغريب المؤثر، ووظف خاصية الشعر في نثره حتى صار النص لديه في منزلة بين المنزلتين، فيه خصائص النثر من التدفق والسيولة والإسهاب وتنوع الأفكار وتشعب الحديث عنها وخصائص الشعر من الموسيقى والجرس ونماء العبارة وثرائها الموحي والهمس النفسي الحميم».
قلب طفل صغير
ونقلت صحيفة الاقتصادية (1/5/2009) عن الكاتب الصحافي نجيب عصام يماني الذي لازم الفقيد في الفترة الأخيرة من حياته، ما مفاده أنه على الرغم من أن الجفري غادر السعودية إلى بريطانيا لزراعة الكبد على نفقة الملك سلمان بن عبدالعزيز (حينما كان أميرا لمنطقة الرياض)، إلا أنه تمتع بمقدرة عجيبة على مواصلة قراءة الكتب والروايات، وكان يستجيب لمن يطلب منه كتابة مقدمات كتبهم ورواياتهم سواء كانوا سعوديين أو عربا، مضيفا: «عرفت الجفري عن كثب وتعايشت معه في الغربة والسفر والحِل، فأيقنت بخطأ نظريتي، فمهما كبر عمراً يبقى قلبه قلب طفل صغير لا يكبر، يملأه الحب وتشوبه العاطفة، لا يعرف إلا الصدق والإخلاص».
أما هو فقد قال عن نفسه ردا على سؤال في حوار قديم مع أحد الصحفيين طبقا لما ذكره عبدالله عمر خياط في «عكاظ» (مصدر سابق): «أنا إنسان، هذا الكاتب المتفاعل العاشق في الغضب العادل، المشاكس في زمن الانكسار، مجروح أنا بخلفية الاتجاه والظمأ، عقاب بعد أن ماتت النداءات الصادرة من التفاؤل. أرى الكلمة نارا، ونورا! أراها نارا في الغضبة للدفاع عن الحق والحقيقة، عن القيم والمبادئ، ولكشف الذين يزورونها، ولإسقاط الذين يدعسون الجمال، سواء كان جمالا محسوسا أو ملموسا. وأراها نورا في تحويلها إلى نبض، وإلى صوت قوي لإجلاء الحقيقة، وإلى ريشة جميلة تمنح أبعاد لوحة الحياة.
وفي انطلاقي نحو الحياة الأولى، بكل تلفتي واشتعال وعيي، يومها ذاك الذي لم يدم. غازلتني الأحلام الجميلة التي أشرق بعضها بلا موعد، والتي تكسر أغلبها قبل أي موعد.
وسلبت مني الحياة.. الاشتياق إلى قرية صغيرة، تسمق فيها النخلة الموغلة بجذورها في الأرض. إنها نخلة الزمان، وحضارة الروح. لم أخف من الزمن ولا من العمر في نهدة صباي ثم شبابي، وأعرف أن الخوف لا يستقيم مع الإيمان، وإيماني راسخ إن شاء الله، وأن الزمن قد لا يكون هو العمر، والعمر الجميل الحافل بالإنجاز وبالإبداع وبالحب هو الذي يصنع الزمان الأجمل. فقط، تركت الجمال يقف على شباة قلمي.. الجمال جمال الكلمة وجمال التعبير، وجمال الحلم وجمال الحق والحرية».
وجداني شاعري
وكان الناقد الدكتور محمد بن عبدالله العوين قد أشار إلى الفقيد في كتابه «المقالة في الأدب السعودي» (دار الصميعي/1992) قائلا إن الجفري «أخلص لفن التعرف على الوجدان والحديث عنه والإفضاء إليه. ولولا مراعاتي لتوالي الأجيال في الأدب لكنت قدمته على سابقيه في ذلك، لأن من تقدم الحديث عنهم يكتبون المقالة الذاتية مثلما يكتبون ـ أحيانا ـ مقالات أخرى في شؤون مختلفة، إلا أن الجفري من الكتاب الوجدانيين الشعريين الذين تستولي عليهم الرقة والعذوبة وشفافية الحلم. وقد جاء بمقالة جديدة تختلف في سياقها وتكوينها اللفظي وخيالها عن المقالة المأثورة المطروقة عند سواه، فلم يكتب تلك المقالة المباشرة متوالية الإيقاعات، التي تبدأ باستهلال ينبئ عن خاتمتها، ويتوسطها الاتكاء على الفكرة، والمداورة فيها، ويخرج قارئها منطفئا عند نهايتها لوصوله إلى غاية الكاتب المباشرة دون عناء ودون إسراف في الخيال ودون محاولة للتفكير أو إثارة التساؤل حول موضوع النص».
هكذا كان عبدالله الجفري المكنى بأبي وجدي، الذي أبصر النور في حارة الباب بمكة المكرمة عام 1939، ونشأ ودرس بها. وكما يشير لقبه، ينتمي الرجل إلى عائلة الجفري المنتشرة في حضرموت والحجاز وبعض دول الخليج وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والهند، علما أن آل الجفري قبيلة كبيرة وفرع من فروع آل با علوي العديدة الذين ينتسبون إلى السادة الأشراف من ذرية الإمام جعفر الصادق، ومن هذه الفروع آل العطاس، وآل السقاف، وآل جمل الليل، وآل البيتي، وآل مشيخ، وآل الصافي، وآل فدعق، في مكة والمدينة المنورة وجدة، وكان بعض هؤلاء مثل آل العطاس وآل السقاف وغيرهم من ذوي العلم والصلاح استقروا في حضرموت قبل أن يهاجروا منها إلى الهند ودول جنوب شرق آسيا وجزر القمر وكينيا لنشر الدعوة الإسلامية.
وفي أسباب تسمية الجفري بهذا الإسم وجدت في الصفحة 71 من «معجم اللطيف» للسيد محمد بن أحمد بن عمر الشاطري الصادر في جدة سنة 1986م أن أول من سمي بهذا الاسم هو الجد الأكبر للعائلة السيد أبوبكر بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد لأن جده لأمه عبدالرحمن السقاف كان يقول له وهو صغير «أهلا بجفرتي» من باب التدليل، وتشبيها بالجفرة، و«الجفرة هي ما جفر جنباه أي اتسعا من ولد الشاة».
اليتم مبكراً
تيتم عبدالله الجفري بفقد والدته وهو صغير لم ينهِ سنته الأولى، فتكفل والده وعماته الأربع بتربيته، قبل أن تنتقل رعايته إلى زوجة جده الذي تزوج للمرة الثانية من سيدة فاضلة من أسرة الحبشي. لذا فإن يتمه المبكر تسبب له في معاناة كبيرة ألقت بظلالها لاحقا على كتاباته الأدبية والصحفية، غير أن معاناته هذه لم تقف حائلا دون مواصلة دراسته النظامية التي انتهت بحصوله على شهادة الثانوية العامة/ القسم الأدبي من المدرسة الرحمانية بمكة (مدرسة أنشأها في عام 1330 للهجرة الشريف الحسين بن علي تحت اسم المدرسة الخيرية التحضيرية، وتم تغيير اسمها عام 1354 للهجرة في عهد الملك عبدالعزيز) زمن مديرها المربي الشاعر محمد السليمان الشبل، حيث زامل فيها العديد من الأسماء التي تألقت لاحقا من أمثال محمد إسماعيل الجوهرجي ومحمد باخطمة وعبدالله خياط ود. محمد عبده يماني.
الولع بالصحافة
يخبرنا أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في مقال عن الجفري تحت عنوان «من بدايات الطلبة إلى قمة الرومانسية» بجريدة «عكاظ» (30/1/2013) أن الجفري، وهو في سن الخامسة عشرة بمدرسة الرحمانية، كان ضمن الطلبة المتسابقين على الكتابة في الصحافة السيارة رغم قلتها، إذ لم يكن هناك سوى صحيفتين: «البلاد السعودية» التي تصدر من مكة، و«المدينة» التي كانت تصدر من المدينة، خصوصا وأن مدير مدرسته (محمد السليمان الشبل) كان يحث طلبته على الإبداع من خلال تشجيعهم على النشر في جريدة البلاد السعودية، حيث كان الأستاذ والمربي عبدالرزاق بليلة مسؤولاً فيها عن صفحة «دنيا الطلبة»، قبل أن يتغير اسمها إلى «مجتمع الطلبة»، علما أن هذه الصفحة كانت تصدر مرة في الأسبوع ثم مرتين، وكانت تنشر جميع المحاولات الأدبية الجادة للطلبة.
في عام 1956 أنهى الجفري دراسته الثانوية، فأغرته الوظائف الحكومية المتوفرة آنذاك لخريجي الثانوية في الالتحاق بإحداها، فالتحق بوزارة الداخلية موظفاً في إدارة الجوازات والجنسية. غير أن وظيفته الحكومية لم تمنعه من مواصلة الكتابة في الصحافة المحلية، خصوصا وأن تلك الفترة شهدت ظهور أول صحيفة أهلية أسبوعية وهي صحيفة «الأضواء» التي أصدرها في جدة محمد سعيد باعشن وعبدالفتاح أبومدين. في «الأضواء» اقتدى الجفري بما كان يفعله عبدالرزاق بليلة في صحيفة «البلاد السعودية»، فتولى عملية الإعداد والإشراف على صفحة لاستقطاب كتابات الطلبة تحت عنوان «حصاد الطلبة»، وتحفيزهم على كتابة القصة القصيرة الهادفة المشوقة عبر تقديم جوائز. وبعد توقف جريدة الأضواء، وانتقال جريدة المدينة إلى جدة عام 1962 انضم إلى الأخيرة مشرفاً على صفحة «الفنون والآداب» التي كانت تصدر كل جمعة، وفيها متابعة وإبراز لما أقيم من نشاط خلال الأسبوع بعنوان «الأدب في أسبوع» ومقابلة مع أحدهم بعنوان «أديب يتحدث».
من الجوازات إلى نجومية الإعلا
ممن موظف بإدارة الجوازات والجنسية انتقل الجفري إلى وزارة الإعلام (حينما كانت تسمى مديرية الصحافة والنشر) مديرا للمطبوعات، ثم أعيرت خدماته لجريدة «البلاد»، ومن ثمّ لجريدة «المدينة» حيث عمل فيهما سكرتيرا للتحرير، ومن «البلاد» و«المدينة» انتقل إلى «عكاظ» مسؤولا عن التحرير. لاحقا شغل منصب نائب الناشرين في الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر عنها صحيفة الشرق الأوسط ومجلتا «سيدتي» و«المجلة»، حيث أشرف على صفحات الثقافة والأدب اليومية في «الشرق الأوسط»، وقام بإعداد وتقديم ملف الثقافة الأسبوعي في مجلة «المجلة»، بصفته نائب رئيس تحرير «الشرق الأوسط» للشؤون الثقافية. ومن «الشرق الأوسط» انتقل إلى جريدة «الحياة»، حيث تمّ تكليفه بإنشاء مكتب للجريدة في السعودية، وخصص له فيها عمود يومي بعنوان «نقطة حوار». في كل تنقلاته هذه، وفي كل صحيفة احتضنت نشاطاته لم يتوقف عن كتابة زاويته الأثيرة المعروفة «ظلال»، التي خص بها ابتداء صحيفة «عكاظ»، مثلما لم يتوقف عن إبداعاته في مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة.
أثرى المكتبة العربية بقصص وروايات ومقالات
خلال حياته لم يساهم فقط في تغيير وجه الصحافة السعودية حتى صارت صالحة لمخاطبة القارئ العربي في كل مكان، ولم يدعم فقط الإعلام الأدبي بما يحتاج إليه من قضايا تمس اللحظة ببعد إنساني وتعتمد شاعرية الأداء والجمل السريعة المؤثرة غير المغرقة في المجاز، وإنما زود أيضا المكتبة العربية بجملة من المؤلفات شملت القصة القصيرة والرواية والقضايا الاجتماعية والرؤى النقدية والوجدانيات والتأملات والقراءات النفسية، بدءا بأول مجموعة قصصية عام 1962، وأول كتاب حول المقالة الأدبية الوجدانية عام 1979، وأول رواية (رواية جزء من حلم) عام 1984، وانتهاء بكتابه «مشواري على البلاط» حول سيرته الذاتية والذي صدر بعد وفاته بعام، ومرورا بروايات «العاشقان»، «أيام معها»، و«العشب فوق الصاعقة»، وكتب «100 خفقة قلب»، «المثقف العربي والحلم»، «من كراستها الخاصة»، «وطن فوق الإرهاب»، «الزيدان، زوربا القرن العشرين»، «نزار قباني: حكاية معشبة لصداقة قصيرة»، وغيرها.
ولكل هذا نال أبووجدي العديد من الجوائز مثل: الجائزة التشجيعية في الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1984، تقديراً على كتابه «حوار في الحزن الدافئ»، جائزة «علي ومصطفى أمين للصحافة» عام 1992 على مقالاته المتنوعة، جائزة المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين بإشراف جامعة أم القرى عام 1998 تقديراً لدوره البارز في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في السعودية، جائزة المفتاحة عام 2000 من لجنة التنشيط السياحي بعسير، تكريماً لجهوده المتميزة في الكتابة والصحافة، الزمالة الفخرية عام 1986 من «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة، شهادة تقدير عام 1986 من «الجمعية العربية للفنون والثقافة والإعلام» التي أسسها الروائي يوسف السباعي تقديراً لإنجازاته الجليلة وعطائه الوافر للمجتمع في 1986م. جائزة تقديرية وشهادة من «جمعية لسان العرب» للحفاظ على اللغة العربية التابعة للجامعة العربية عام 2005، وغيرها.
وحينما توفي -رحمه الله- ترك خلفه مكتبة عامرة حوت ما يقارب أربعة آلاف كتاب ومجلد في العديد من فنون المعرفة والثقافة العامة والأدب والتاريخ. وقد قامت أسرته في عام 2011 بإهداء هذه المكتبة إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
يسابق للتنوير ويصارع من أجل التنمية
ولأنّ الصحافة كانت بالنسبة للجفري موقفاً ورسالة ومسؤولية وأمانة الكلمة، ولم تكن قط تسويد صفحات، وتصفية حسابات وصراع مكسب وخسارة، بقدر ما كانت نكراناً للذات في خضم تسابق محموم من أجل أهداف تنويرية، وصراع تحديات متصلة تنمو وتزهر وتثمر، فقد وزع الرجل إبداعاته على طائفة واسعة من الصحف والمجلات. فقد كتب صفحة أسبوعية في مجلة «الجديدة» بعنوان «كلمات فوق القيود»، وصفحة أسبوعية في مجلة «اليمامة» بعنوان «موانئ في رحلة الغد»، كما نجح في اختراق الصحافة المصرية، التي نادرا ما تفتح صفحاتها لأقلام غير مصرية، فكتب في مجلات «آخر ساعة» و«صباح الخير» و«أكتوبر»، وفي الطبعة الدولية لصحيفة «الأهرام»، علاوة على كتابة صفحة أسبوعية في جريدة «الرأي العام» الكويتية.
الذين تمعنوا في النتاج الأدبي للجفري لاحظوا أنه تأثر بالمدرسة المهجرية التي أحبها منذ شبابه، فراح يستقي منها ويضيف إليها إلى أن أسس لنفسه مدرسة خاصة تميزت بالرومانسية والإنسانية والشفافية ورشاقة الكلمة والعبارة. أما هو فكان يشدد على أنه تأثر بكتابات وأعمال مواطنه الأديب محمد حسين زيدان الذي عده معلماً أولَ له، لكنه تأثر أيضا باعترافه بكتابات الأديب المصري أنيس منصور إلى درجة أن أحد الكتاب التونسيين أطلق عليه اسم «أنيس منصور السعودية»، علما بأن صداقة أسرية حميمة جمعت الرجلين انقطعت بسبب مواقف منصور المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل قبل أن تعود بعد لقائهما في مهرجان الجنادرية بوساطة من الأمير خالد الفيصل. كما أن الجفري ارتبط بعلاقة صداقة بالشاعر نزار قباني، وكانت بينهما مراسلات كثيرة وإعجاب متبادل قبل أن يلتقيا وجهاً لوجه في لندن بترتيب من حفيدته وابنة نزار «هدباء».
والذين عرفوه عن كثب أو تعاملوا معه أجمعوا على تواضعه الجم مع الجميع بمن فيهم الكتاب المبتدئون الذين لم يمارس عليهم قط أستاذيته، كما أجمعوا على أنه كان «طارف الدمع» يبكي لبكاء طفل أو عجز إنسان مسن أو نغمة حزينة. وفي هذا السياق روى د.فؤاد عرب في «برنامج الراحل» من تقديم محمد الخميسي بقناة روتانا خليجية أنه كان مع الجفري في القاهرة ذات مرة، وبينما كانا يتجولان في الشوارع الخلفية لفندقهما بالزمالك رأى الجفري شخصا يضرب طفلا صغيرا فتدخل لاستيضاح الأمر، وعندما علم أن سبب الضرب هو مطالبة الطفل بأشياء يعجز والده عن تلبيتها، أخرج كل ما في جيبه وأعطاه للأب مقابل أن يكف عن ضرب ابنه.