كتاب ومقالات

السودان قبل فوات الأوان!

علي محمد الحازمي

لا أحد يختلف على أن الأمن الغذائي هو واحد من أهم القضايا التي تشغل العالم اليوم. ربما يعتبر العالِم السكاني والاقتصادي توماس مالتوس الذي عاش في القرن الثامن عشر أول من أثار حتمية النقص في الغذاء بالنسبة لزيادة السكان، إذ يعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية (2-4-8-16.... ) بينما يزيد الإِنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية (2-4-6-8.... ) مما سيقود إلى نقص الغذاء بطريقة أسرع من السكان. سواء كان مالتوس محقاً أو مخطئاً، يظل الأمن الغذائي هو التحدي القادم لكثير من الدول وخاصة تلك التي لا تملك مساحات زراعية كبيرة وموارد مائية كافية، وقد أوضحت جائحة كورونا هذه الحقيقة.

تعدّ السودان هي الدولة العربية الأولى المناسبة للاستثمار في الأمن الغذائي للمملكة العربية السعودية، وذلك لأسباب عدة يأتي في مقدمتها المساحات الكبيرة للأراضي الصالحة للزراعة، إضافة للموارد المائية الكبيرة كيف لا؟ وهي التي تقع على ضفاف نهرين؛ النيل الأبيض والنيل الأزرق، علاوة على ذلك قربها جواً وبحراً من المملكة فشحن تلك المواد الغذائية من السودان إلى المملكة حتماً ستصل في نفس اليوم طازجة للأسواق بأقل التكاليف اللوجستية، أيضاً لا نستطيع إغفال جانب التقدم في الطب البيطري والخبرات الزراعية المتراكمة التي يتمتع بها المواطن السوداني.

الموقع الجغرافي للسودان مميز جداً فإطلالة السودان على البحر الأحمر بطول يتجاوز 700 كيلو تجعل منه أحد أهم المواقع الاستراتيجية. أكثر من 16 دولة أفريقية «دول حبيسة» تعتمد في تجارتها على موانئ السودان لعدم وجود منفذ بحري لها، لذلك استثمار المملكة في إعادة تأهيل الموانئ في السودان أو ربما إنشاء موانئ جديدة على طول ساحل البحر الأحمر سيخلق فرصاً استثمارية أخرى.

إنّ تفعيل المجلس التنسيقي السعودي السوداني أصبح ضرورة تمليها علينا التحديات التي يأتي في مقدمتها الأمن الغذائي، وعندما نتحدث عن الاستثمار الغذائي في السودان فنحن لا نعني فقط الاستثمار في الزراعة فقط! ولكن الاستثمار في كل الجوانب المتعلقة بالأمن الغذائي، التي يندرج تحتها الاستثمار في الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية.

الوقت الآن مناسب جداً للبدء في مثل هذه الشراكات، التي ربما يقودها صندوق الاستثمارات العامة والمستثمرون من القطاع الخاص. أخشى أن نتأخر كثيراً في هذا القرار ونكتشف بعد ذلك أن المساحات الزراعية والموانئ في السودان أصبحت محجوزة لعدد من الدول وخاصة الدول الغربية بعقود تمتد لمئات السنين.

كاتب سعودي

Alhazmi_A@