أخبار

متسولون بـ «العلكة» والمنديل!

عصابات تدير أنشطتهم وتتقاسم معهم «الغلّة»

إبراهيم علويi_waleeed22@

لم تمنع الجائحة ومخاطر العدوى ظاهرة التوسل في محيط مراكز التسوق وعند إشارات السير وأبواب المستشفيات والمساجد ما يشير بجلاء إلى أن تشكيلات عصابية منظمة تشرف عليهم وتقاسمهم «الغلة» وفق تخطيط ناعم ودقيق يعتمد على اصطناع الإعاقات بمختلف أشكالها وأصنافها بهدف استدرار العطف والشفقة من المارة والمحسنين. والتشكيلات العصابية لا جنسية محددة لها أو مدينة بذاتها أو أعمارا محددة يستهدفونها، يستقطبون الأطفال حتى الرضّع والكهول، تنطلق جماعاتهم من مساكن شعبية منزوية في الأطراف ويعودون إليها حين يعم الظلام. ولا تكاد ظاهرة التسول تختفي لأشهر حتى تعود بشكل لافت في الطرقات خصوصا مع اقتراب شهر رمضان، الموسم المنتظر لتحقيق المكاسب وجمع الأموال. وتعمل العصابات ضمن مجموعات تقوم على تسفير المتسولين من بلدانهم إلى المملكة بعد إقناع الأسر بالتخلي عن أبنائهم مقابل مبالغ مالية يتحصلون عليها شهريا، فتنطلق مهمة إدخالهم سرا بالتهريب والتسلل، ويتكفل من يدير العصابات بالمأكل والمشرب والمواصلات وصولا إلى المدن المستهدفة، إذ يتم تأمين المنازل السرية لهم.

وتتمحور خطة الانتشار على توزيع المتسللين عند الإشارات المرورية وفي أهم الطرقات وتتم مراقبتهم عن بعد وتنبيههم في حال وجود أي «خطر» عليهم، وفي نهاية اليوم يتولى زعماء العصابات مهمة جمع «الغلة» اليومية التي توزع إلى 3 أقسام؛ للمتسول نصيب، وللمدير نصيب أكبر، نصيب لتكاليف المأكل والمشرب والسكن. وتصاحب ظاهرة التسول أساليب حديثة ومبتكرة، خصوصا في ليالي رمضان إذ ينتشرون في الشوارع، ويتمركزون أمام المساجد والمستشفيات والأسواق، ويطرقون أبواب المنازل في سائر المدن والقرى؛ طلبا للمساعدات المالية والعينية باستغلال تعاطف المواطنين والمقيمين معهم، مخلّفين انعكاسات سلبية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

خبير أمني: امتنعوا عن التعاطف

أكد اللواء متقاعد مسفر الجعيد على دور المواطن والمقيم في مكافحة التسول من خلال رفع مستوى الوعي بالأضرار، وعدم التعاطف مع المتسللين وعدم إعطائهم أموالا تحت بند الصدقة، فالتعاطف مع هؤلاء يشجعهم على الاستمرار وزيادة أعدادهم، «لو امتنعنا عن التعاطف لشهدنا تناقصا في أعداد المتسولين؛ لأنهم لن يجدوا أحدا يتفاعل معهم». ويؤكد الجعيد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة عن تواجد المتسولين ومواقعهم ونحو ذلك، كما يجب تشديد الأنظمة ورفع مستوى العقوبات على كافة أطراف التسول وتخصيص فرق ميدانية للمراقبة وتحفيز المواطنين للإبلاغ.

وحذر الجعيد من أن الأموال التي يتحصل عليها المتسولون قد تذهب لتحويل أعمال ضد الوطن، فعصابات التسول لا تودع المبالغ في البنوك بسبب الرقابة الصارمة، لذلك يتم تهريبها خارج المملكة بشكل غير قانوني ما يؤثر على الاقتصاد وحركة تدوير الأموال وتدفقها. وأوضح الجعيد أن إشارات المرور تستقبل روادها من المتسولين الذين يتعمدون حاليا حمل الصغار على أكتافهم لكسب تعاطف الناس، فيما يعمد آخرون إلى أسلوب آخر وهو التسول عبر بيع العلكة ومناشف المطابخ وهذا السلوك يمارسه أطفال ينتشرون في مواقع التنزه وقرب الأسواق الكبيرة بحجة بيع ما لديهم وفي الأصل هم متسولون سريون يقف خلفهم أشخاص يشكلون خطرا على الصحة العامة بنقل الأمراض والعدوى.

مستشار قانوني: إتجار بالبشر واستغلال خطير

عبيد أحمد العيافي شدد على أن التسول يرتبط بجريمة الإتجار بالبشر من خلال استغلال كبار السن والنساء والأطفال في التسول، وهي جريمة خطيرة لا تقل خطورة عن الجرائم الأخرى سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية، ويعاقب عليها النظام بالسجن الذي تصل مدته إلى 15 عاماً أو الغرامة التي تصل إلى مليون ريال أو بهما معاً.

ونبه العيافي إلى أن المسلك يعد مخالفة لنظام حماية الطفل، ويعتبر جريمة خصوصا أن الضحايا يتعرضون للتهديد بالإيذاء حال رفضهم تعليمات من يتولون تشغيلهم من عصابات تنتهك حقوقهم، ويتعرضون للإيذاء بدنيا ونفسيا والإصابة بعاهات دائمة، فضلا عن تعرضهم إلى الخضوع والتهديد والعيش في أماكن سيئة تضر صحتهم، ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية والتعليم، ويبدو عليهم الخوف، ويتصرفون بطريقة لا تتفق مع السلوك النمطي للأطفال، لذا فإن استغلال الأطفال في التسول سلوك محظور ومجرّم بنص النظام.

«حقوق الإنسان»: واجبنا حماية الأطفال

أكد رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور عواد صالح العواد، أن تسول الأطفال جريمة تنتهك حقوق الطفل وتعرض حياته للخطر، محذرا من استغلال الأطفال في التسول، مشيرا إلى أنها جريمة من جرائم الإتجار بالأشخاص، داعيا كافة الجهات التصدي لها، وعدم تقديم مال لطفل يتسول أو لمن يحمل طفلا من أجل التسول، مؤكدا أن حماية حقوق الطفل واجبنا جميعا.