امرأة على قوس قزح
الاثنين / 03 / شعبان / 1442 هـ الثلاثاء 16 مارس 2021 00:02
منى المالكي
«لعلي ولدت وفي فمي بطاقة سفر.. مضرجة بالرحيل. تتقاذفني مدن المطر.. ككرة قدم.. وأنزف قلبي في صالات ترانزيت العمر. ولذا أهدي هذا الكتاب.. إلى المحبوب الذي أبعدني دوما عنه رافضا حبي ممعنا في تشريدي بين القارات.. واسمه (الاستقرار). ترى هل على أبجديتي أن تشكره على ذلك؟». بهذه الكلمات استهلت غادة السمان كتابها «امرأة على قوس قزح» بإهداء شعري ورمزي إلى حالة القلق الوجودي الذي تعيشه المرأة في حالة السفر والتنقل وهي مهمومة بفعل الكتابة ذلك الفعل الذي يقترن كثيرا بالتوجس، فالمرأة دائماً ما تكون «موضوعا» للكتابة ولكن أن تبرز المرأة -كاتبة ورحالة- هنا تظهر المفارقة الثقافية في واقعنا المعاصر.
بدأت المرأة في الكتابة عن مشاهداتها في سفرها (رحلتها) بجيل النسويات الأوائل أمثال: خديجة صفوت ونوال السعداوي، مروراً بالمبدعة غادة السمان التي أضافت للمكتبة العربية سلسلة من الكتب والتي ظهرت من خلالها ذاتا واعية ساردة عن تلك الذات الأنثوية التي تحمل قضاياها الخاصة؛ مثل قضية الهوية والحقوق والأقليات معها أينما ذهبت كما في كتابها «رعشة الحرية» حتى تظهر الرحلة الداخلية؛ أي تلك الرحلة داخل الوطن المتشظي المنقسم الذي ينزف حبراً على صفحات أوراقها كما في كتابها «كوابيس بيروت» والتي ظهرت الرحلة داخل الوطن متغيرا دلاليا واضحا على مفهوم الرحلة في كتابات المرأة العربية.
وتستمر رحلتنا مع الكاتبة العربية في الألفية الثالثة في خطاب واعٍ بمتغيرات العصر ويطرح قضاياها الخاصة من منظور لا يقتصر على المنظور النسوي فقط، فقد أصبحت «الكاتبة -الرحالة» مهمومة بكونها إنساناً أكثر من نظرتها (للجندر) وهذا الوعي أصبح المهيمن في نظرية ما بعد الحداثة في النقد النسوي. فظهرت لطفية الدليمي في (مدني وأهوائي: جولات في مدن العالم)، وهالة البدري في (سحر الأمكنة) ومنى الوزان في (في ظلال الأنكا: مغامرة تسع نساء في البيرو) وغيرهن كثير.
ويظهر كتاب «الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا» لرضوى عاشور الذي جمع بين السيرة الذاتية لمرحلة دراستها الجامعية في السبعينيات في أمريكا وبين التوثيق الرحلي -إن صحت التسمية- لتلك الفترة هو واحد من أشهر ما كتبت رضوى عاشور والتي عُرفت بشجاعتها ومواجهتها الدائمة للأفكار التي تراها خاطئة، فقد كانت دائمة التعرض للتاريخ في أعمالها وما تقاطع منه مع الأحداث الجارية، تقول رضوى «وكأن همًّا واحدًا لا يكفي أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معًا» وهذا ما يلخص خضم الأحداث التي مرت على رضوى عاشور، فقد كشفت في كتابها عن تجربة فريدة لامرأة بعيدة عن وطنها تثري كتابات السيرة الذاتية وتقدم تجربة تطلق من خلالها طاقات المرأة العربية، وإن صارحتنا من حين لآخر بما يعتمل في نفسها من أثر التجربة الجديدة والانحياز للقضايا الإنسانية العادلة ففيها نجد الحس الأدبي الخلاق نفسه الذي أنتج لاحقا أعمالا تجمع بين الإبداع الأدبي والسيرة الذاتية والانشغال بالقضايا القومية وقضية المرأة وتاريخنا قديمه وحديثه.
التحوّل في وظيفة الرحلة عند الكتابة عنها لدى -المرأة الكاتبة- تحديداً، اختلف عن السابق والتي كانت للمتعة فقط ولوصف العجائبي في تلك الرحلات وما اختلف عن بيئتنا في النواحي المادية، أما الآن فالكتابة تذهب إلى تصوير المواقف التي تصدر عن ذات واعية تحاول إعادة تحديد موقعها داخل مجريات الأحداث العالمية والقومية.
كاتبة سعودية
monaalmaliki@
بدأت المرأة في الكتابة عن مشاهداتها في سفرها (رحلتها) بجيل النسويات الأوائل أمثال: خديجة صفوت ونوال السعداوي، مروراً بالمبدعة غادة السمان التي أضافت للمكتبة العربية سلسلة من الكتب والتي ظهرت من خلالها ذاتا واعية ساردة عن تلك الذات الأنثوية التي تحمل قضاياها الخاصة؛ مثل قضية الهوية والحقوق والأقليات معها أينما ذهبت كما في كتابها «رعشة الحرية» حتى تظهر الرحلة الداخلية؛ أي تلك الرحلة داخل الوطن المتشظي المنقسم الذي ينزف حبراً على صفحات أوراقها كما في كتابها «كوابيس بيروت» والتي ظهرت الرحلة داخل الوطن متغيرا دلاليا واضحا على مفهوم الرحلة في كتابات المرأة العربية.
وتستمر رحلتنا مع الكاتبة العربية في الألفية الثالثة في خطاب واعٍ بمتغيرات العصر ويطرح قضاياها الخاصة من منظور لا يقتصر على المنظور النسوي فقط، فقد أصبحت «الكاتبة -الرحالة» مهمومة بكونها إنساناً أكثر من نظرتها (للجندر) وهذا الوعي أصبح المهيمن في نظرية ما بعد الحداثة في النقد النسوي. فظهرت لطفية الدليمي في (مدني وأهوائي: جولات في مدن العالم)، وهالة البدري في (سحر الأمكنة) ومنى الوزان في (في ظلال الأنكا: مغامرة تسع نساء في البيرو) وغيرهن كثير.
ويظهر كتاب «الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا» لرضوى عاشور الذي جمع بين السيرة الذاتية لمرحلة دراستها الجامعية في السبعينيات في أمريكا وبين التوثيق الرحلي -إن صحت التسمية- لتلك الفترة هو واحد من أشهر ما كتبت رضوى عاشور والتي عُرفت بشجاعتها ومواجهتها الدائمة للأفكار التي تراها خاطئة، فقد كانت دائمة التعرض للتاريخ في أعمالها وما تقاطع منه مع الأحداث الجارية، تقول رضوى «وكأن همًّا واحدًا لا يكفي أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معًا» وهذا ما يلخص خضم الأحداث التي مرت على رضوى عاشور، فقد كشفت في كتابها عن تجربة فريدة لامرأة بعيدة عن وطنها تثري كتابات السيرة الذاتية وتقدم تجربة تطلق من خلالها طاقات المرأة العربية، وإن صارحتنا من حين لآخر بما يعتمل في نفسها من أثر التجربة الجديدة والانحياز للقضايا الإنسانية العادلة ففيها نجد الحس الأدبي الخلاق نفسه الذي أنتج لاحقا أعمالا تجمع بين الإبداع الأدبي والسيرة الذاتية والانشغال بالقضايا القومية وقضية المرأة وتاريخنا قديمه وحديثه.
التحوّل في وظيفة الرحلة عند الكتابة عنها لدى -المرأة الكاتبة- تحديداً، اختلف عن السابق والتي كانت للمتعة فقط ولوصف العجائبي في تلك الرحلات وما اختلف عن بيئتنا في النواحي المادية، أما الآن فالكتابة تذهب إلى تصوير المواقف التي تصدر عن ذات واعية تحاول إعادة تحديد موقعها داخل مجريات الأحداث العالمية والقومية.
كاتبة سعودية
monaalmaliki@