أخبار

خفايا «الحرب الخاطفة»

الأزمة التي اصطنعها الأوروبيون فجّرت «الموجة الثالثة» في بلدانهم

لوحة في مدخل مركز تطعيم إيطالي كتب عليها: «التطعيم بأسترازينيكا معلّق مؤقتاً».

«عكاظ» (لندن، بروكسل) OKAZ_online@

كانت الحرب على لقاح أسترازينيكا، الذي طوره علماء جامعة أكسفورد، لدحر جائحة كورونا، خاطفة، أشبه شيء بالدراما القصيرة! فقد غصت شاشات التلفزة بالعناوين بعد ظهيرة الإثنين الماضي بأن دولاً أوروبية قررت تعليق استخدام اللقاح الإنجليزي، بعد بلاغات عن إصابة أشخاص بجلطات في الساق والرئة بعد تطعيمهم به. لم يكن إجراء منسقاً. فقد فوجئ رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل بهذا القرار على الشاشات، وهو منهمك في مكتبه على الإعداد لقمة أوروبية للبحث في سبل تسريع حملة التطعيم في بلدان الاتحاد الأوروبي. وقبل أن ينتهي الأسبوع المثير أعلنت الدول الكبرى في الاتحاد استئناف التلقيح بأسترازينيكا، بعدما أفتت وكالة الأدوية التابعة للاتحاد بأنه آمن وفعال. وانتهت الحرب الخاطفة بكشف ثغرات كبيرة في البنيان الأوروبي. فقد أثبتت، من جهة، أن الحكومات الأوروبية يمكن أن تتخطى الآلية التي اتفقت عليها لتنظيم قراراتها وإجراءاتها في بروكسل. كما أن الأزمة أسفرت، من الجهة الأخرى، عن فضح مصداقية الاتحاد الأوروبي، بعدما وعد مواطني دوله بالتعجيل بإجراءات إعادة فتح النشاط الاقتصادي بأسرع وقت ممكن. وفيما نجحت بريطانيا في تطعيم 50% من سكانها، والولايات المتحدة في تطعيم 23% من سكانها؛ فإن الاتحاد الأوروبي لم يتمكن من تطعيم أكثر من 8.3% من سكان بلدانه حتى الآن. وهو أمر يعني مزيداً من الوفيات، والتنويم، والإصابات الجديدة. كما أن الأزمة التي افتعلتها بلدان الاتحاد الأوروبي أثرت كثيراً في حض دول فقيرة حصلت على اللقاح الإنجليزي من خلال مبادرة كوفاكس، التي تديرها منظمة الصحة العالمية، على التردد حيال استخدامه، كما حدث في إندونيسيا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية.

وجاءت الذروة الدرامية لهذه الأزمة بعد سلسلة من المشاكسات الأوروبية، التي شملت وصف اللقاح الإنجليزي بأنه «شبه فعال»، وبأنه غير مأمون بالنسبة إلى كبار السن، وباتهام الشركة الإنجليزية الصانعة للقاح بعدم الوفاء بمسؤولياتها التعاقدية لتسليم الاتحاد الأوروبي الكميات التي تعاقد على شرائها. وهو ما لخصته بلومبيرغ أمس بأنه انعكاس لعلاقة الحب- الكراهية بين الأوروبيين واللقاح الإنجليزي. وانتهت الأزمة، كما هو معلوم، بنصح هيئة الأدوية الأوروبية باستمرار منح اللقاح للأوروبيين، لأنه آمن وفعال، ولأن فوائده تفوق مضاره كثيراً. وكان لا بد أن تدفع أوروبا ثمناً سياسياً باهظاً لهذا «التسييس» للقاح. فبعد نحو 4 أيام من نزول ألمانيا بثقلها في الأزمة؛ مُني الحزب المسيحي الديموقراطي، الذي تتزعمه المستشارة أنغيلا ميركل، بهزيمة ساحقة في الانتخابات التشريعية على مستوى المقاطعات. أما في فرنسا فإن الرئيس ماكرون اتبع القرار الألماني بعين مغمضة، لأنه يخشى على فرص إعادة انتخابه في الانتخابات القادمة. وحدث الشيء نفسه مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الذي استحسن الخطوة الألمانية- الفرنسية- الإسبانية، وحذا حذو رفاقه الأوروبيين، دون وعي كامل بالحقيقة المتمثلة في أن التطعيم في بلاده يمضي ببطء مفزع، وبأن الأزمة الصحية تتفاقم بشكل مخيف. وأشارت الصحف الأوروبية إلى أن دول الاتحاد تملك حالياً أكثر من 20 مليون جرعة من اللقاح الإنجليزي من دون استخدام. وكشفت بلومبيرغ أمس أنه على رغم تهديدات رئيسة المفوضية الأوروبية لبريطانيا بمنع تصدير ملايين الجرعات إليها، فإن الحقيقة التي لا يعرفها العالم هي أن الاتحاد الأوروبي قام بتصدير 41.6 مليون جرعة إلى دول أخرى! ويعني ذلك ببساطة أنه سيستحيل على الاتحاد الأوروبي تنفيذ تعهده بتطعيم 70% من سكان بلدانه بحلول سبتمبر 2021. يعد لقاح أسترازينيكا-أكسفورد أحد اللقاحات الأربعة المعتمدة في القارة الأوروبية، وهي فايزر-بيونتك، وموديرنا، ووجونسون آند جوسون، إلى جانب اللقاح الإنجليزي. وعلى رغم أن عدد سكان الاتحاد الأوروبي أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة بنحو 30%، فإن أمريكا تقوم بتطعيم 2.5 مليون نسمة يومياً، في مقابل 1.3 مليون في بلدان الاتحاد الأوروبي.

السلاوي: الأوروبيون يتحملون مسؤولية أزمتهم

خلصت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس إلى أن أوروبا تتحمل مسؤولية ما هي فيه من اضطراب في أوضاعها الصحية المتفاقمة. وأشارت إلى أن مسؤول اللقاحات الأمريكي منصف السلاوي ذكر أنه كلما تلقى اتصالاً من القادة الأوروبيين كانوا يسألونه: كيف نجحتم في بدء حملات التطعيم؟ وكانوا يتمسكون بأنهم يريدون التمهل لمعرفة ما يمكنهم تعلمه من التجربة الأمريكية. ومنذ ذلك الوقت بدأت تتسع الهوة بين حملتي التطعيم الأمريكية والأوروبية، حتى انتهى الأمر بأوروبا إلى مواجهة موجة ثالثة قاتلة حالياً، حدت بفرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى إغلاق مناطق شاسعة من بلدانها. وجاءت بعد ذلك أزمة وقف استخدام لقاح أسترازينيكا. ورجحت الصحيفة في تحليل أن المسؤولية تقع على عاتق سلسلة من القرارات الصغيرة التي أدت إلى تأخير برنامج التطعيم الأوروبي، فقد تباطأت الكتلة الأوروبية في التفاوض مع شركات اللقاحات منذ البداية. كما أن هيئتها الصحية تعمدت تأخير فسح اللقاحات التي منحت الضوء الأخضر في أمريكا وبريطانيا. كما أن البيروقراطية في بعض دول الاتحاد الأوروبي كان لها تأثير سالب كبير. واعتبرت «نيويورك تايمز» أن أكبر خطأ ارتكبه الاتحاد الأوروبي أنه -على النقيض من الولايات المتحدة- أحجم عن الإنفاق بسخاء على شركات الأدوية لضمان التعجيل بتطوير لقاحات تكبح الجائحة. وكانت النتيجة، كما يقول السلاوي، أن أوروبا تبحث في الأسواق، مثل أي مستهلك عادي، عن لقاحات.