كتاب ومقالات

كوب ستاربكس

أريج الجهني

سبانيش لاتيه مشروبي المعتاد، تحمل كوبك الصباحي وتذهب لعملك تجد أن الوقت يمضي والزمن ولا تهتم بالقيمة الحقيقية لما صرفته على هذا الكوب فالمزاج عادة يأتي أولا، لكن ماذا لو فكرت قليلا بسعر هذا الكوب؟ ستجد أنك قد تصرف ما لا يقل عن 800 ريال في الشهر، كم نسبة هذا من دخلك؟ وما البدائل التي قد تقلل من هذه الميزانية الشهرية؟ بلا شك أنا لا أدعو هنا للمقاطعة لمحسنات المزاج، لكن نحتاج من فترة وأخرى إلى تذكير أنفسنا بهذا السؤال اللطيف «أين يذهب دخلي؟»، وهل تشعر لو لوهلة أن مصروفاتك أعلى من دخلك؟ ماذا يمكن أن نقول؟

حينما تدرك حجم التغيير الثقافي في العادات الثقافية تنصدم أن الوعي الاقتصادي لا يزال جامدا هذا إن لم يكن منعدما في بعض الأحيان، الذي لفت نظري هو حديث للاقتصادي الأستاذ سعود باجبير المتخصص في التمويل عن أهمية التحول الفكري في الاقتصاد، فمثلا بدلا من أن تستهلك ميزانيتك في الكماليات والإيجار، حدث قائمة أولوياتك وخطك الزمني، فالذي تسعى لامتلاكه اليوم يمكنك أن تمتلكه في الغد، فلا تجعل استقرارك في مهب الريح أو لأجل إرضاء الآخرين، إذن صناعة دخل مستقر تعني مراجعة أبسط تفاصيل إنفاقك اليومي ورصد دخلك السنوي.

أكواب القهوة وصناعتها وجه من أوجه النيوليبراليزم وتعزيز الفردانية. ينظر البعض لهذه الظاهرة بمعزل عن التأمل في التأثير الاجتماعي. يقول الباحث محمد قدري وفريقه حول هذا «تختار الشركات العالمية المجتمعات التي تستهدفها في في التسويق وتحرص على الاستثمار في المجتمعات المزدهرة». إذن منظر حاملي أكواب القهوة يقرأ كدليل للاستقرار المالي، ولعل هذا يفسر بشكل أو بآخر انهيار المقاهي الصغيرة مع جائحة كورونا، فالناس تقلصت حاجتها للقهوة التي تكون في بعض الحالات شكلا من أشكال الرفاهية.

«سلسلة الإمدادات» ورحلة وصول القهوة عالميا تكبدت خسائر عالمية فادحة، لذا ستجد أن الأسعار في ارتفاع مستمر لتغطية هذه التكاليف، بعبارة أخرى مزاجك هو الذي سيحدد هل ستدفع الثمن؟ أم ستوفر ميزانيتك وتعيد هيكلة عاداتك اليومية. تعدد الباحثة جينيفر كلينهس خمس حيل نفسية تمارسها شركة ستاربكس لخلق تجربة لا ينساها العميل: الأولى كتابة اسمهم وهذا يشبه البصمة في دماغ العميل لا ينساها، الثانية: تطبيق مبدأ «سلم واستلم» بمعنى تبرمج عقلك على اللذة المؤكدة، الثالثة: خدعة السعر الأعلى بمعنى يمنح العميل فرصة الاختيار بين الأرخص والاغلى، الرابعة: الخوف من الفقد للجديد أو ما يعرف باسم «فومو» التي شاعت مع الإفراط في استخدام التواصل الاجتماعي والشغف بالبقاء متصلا، أخيرا الحيلة الخامسة: التقييم غير المنطقي للسلع، وهو ما تطرقت له بمعنى أن البعض قد لا يتردد بأخذ قرض لشراء مرسيدس لكن تجده يسكن في شقة إيجار. منح الشعور بالفخامة حيلة نفسية مضللة في التسويق قد تذهب أيام الناس لاهثين للوصول لنشوتها المزيفة.

ببساطة، لا تقلل من قيمة مزاجك لكن لا تجعل هذا الاهتمام يعطل وصولك لاستقرار حقيقي، يمنحك حريتك ويعزز راحة بالك لمدة أطول.