كتاب ومقالات

يوم الصحة العالمي: المساواة في توفير الرعاية الصحية والاجتماعية

عبير الفوتي

بقلم: عبير الفوتي | المدير التنفيذي للمبادرات العالمية في مؤسسة الوليد للإنسانية

يمر العالم اليوم بظروف استثنائية فرضتها جائحة فايروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والتي أثرت على كافة سبل الحياة، وحدت من النشاطات الاقتصادية والحركية للأفراد والمجتمعات والمؤسسات. وتزامناً مع الاحتفال بيوم الصحة العالمي، الذي يأتي هذا العام تحت شعار «عالم أكثر عدلاً وصحة للجميع»، يتوجب علينا جميعاً تعزيز روح التعاون والشعور بالآخرين والمجتمعات الأكثر حرماناً في العالم والتي كانت تعاني من الكثير من المشاكل قبل أزمة كوفيد 19، وتضاعفت معاناتها خلال هذه الفترة. وبالتالي، نحن اليوم بحاجة لتضافر الجهود وتوحيد الصفوف أكثر من أي وقت مضى، لخلق بيئة مناسبة قادرة على استيعاب الأثر الكبير الذي تتركه مثل هذه الأزمات علينا في المستقبل.

نحن في مؤسسة الوليد للإنسانية وانطلاقاً من مسؤوليتنا المجتمعية والإنسانية، كانت استجابتنا فورية وسريعة منذ البداية، حيث خصصنا 30 مليون دولار تم توزيعها من خلال مجموعة متنوعة من المبادرات العالمية والمحلية التي تسعى إلى مكافحة الجائحة وتقديم الدعم المالي للتصدي لآثارها الصحية والاقتصادية، إضافة إلى توقيع العديد من مذكرات التفاهم بهذا الخصوص منها على سبيل المثال توقيع مذكرة تفاهم مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» لمساعدة 10 دول أفريقية في مواجهة الانعكاسات السلبية لجائحة كوفيد 19. ومن خلال هذا التعاون المثمر نجحنا بتوفير المستلزمات الطبية مثل المطهرات ومعدات الحماية للمستشفيات والمراكز الطبية لمنع تفشي فايروس كورونا، ودعم القطاع الخاص ورواد الأعمال من النساء والشباب.

وينبغي علينا أيضاً استخلاص الدروس التي أنتجتها هذه الأزمة، وأهمها ضرورة التفكير الاستباقي لتفادي الآثار المدمرة لمثل هذه الأزمات الصحية من خلال توفير اللقاحات وضرورة التشجيع على أخذها ودحض الافتراءات والمعلومات غير الدقيقة التي عادة ما ترافق ابتكار اللقاحات، التي تسهم إلى حدٍ بعيد في التقليل من أثر الأوبئة والأمراض. وفي هذا الإطار، نسعى في مؤسسة الوليد للإنسانية عبر شراكاتنا الإستراتيجية مع عدد من أبرز الشركاء مثل منظمة الصحة العالمية والتحالف العالمي للقاحات والتحصين ومؤسسة بيل وميليندا غيتس ومركز كارتر ومنظمة يونيسيف، إلى مكافحة أمراض دودة غينيا والعمى النهري والحصبة والحصبة الألمانية وغيرها من الأمراض القابلة للوقاية والعلاج. ونحن مستمرون على النهج ذاته في مكافحة الأمراض والأوبئة، بما فيها جائحة كوفيد 19 على المستوى المحلي والعالمي.

لقد أظهرت جائحة كوفيد 19 الحاجة بأن يكون هناك إطار واضح وعادل في توفير خدمات الرعاية الصحية لكافة المجتمعات والبلدان. لذلك، فإن شعار يوم الصحة العالمي «عالم أكثر عدلاً وصحة للجميع» لم يأت من فراغ، بل جاء بعد مراقبة حثيثة للأوضاع الإنسانية في مختلف أنحاء العالم وظهور فوارق كبيرة في التعامل مع تبعات جائحة كورونا. ونحن في مؤسسة الوليد للإنسانية بذلنا ولا نزال نبذل جهوداً كبيرة مع شركائنا لرأب الفجوة بين ما يتم تقديمه من خدمات واستجابة فورية في الأزمات الصحية بين الدول المتقدمة والنامية.

وبموازاة الجهود المبذولة في مؤسسة الوليد للإنسانية، كان لحكومة المملكة العربية السعودية الدور الأهم في مساعدة البلدان والأفراد في احتواء تبعات جائحة كوفيد 19 في مختلف أنحاء العالم. وفي داخل المملكة، كانت الجهود تسير على قدمِ وساق بتزويد كافة المستشفيات والمراكز الصحية بالمستلزمات الضرورية، واللقاح للجميع بشكل شعرنا معه جميعا بالفخر والعرفان لمملكة الإنسانية.

وفي الوقت الذي أصبح فيه إعادة النشاط الاقتصاد أولوية، ينبغي علينا دعم سياسات التعافي الشامل مع ضرورة ضمان حصول الجميع على الفرصة نفسها لمستقبل صحي وضمان الرخاء والرفاهية على المدى الطويل. وفي هذا السياق، أطلقنا في مؤسسة الوليد للإنسانية عدة مبادرات لدعم الأسر الأشد حاجةً لتأمين السكن الملائم في جميع أنحاء المملكة، وشملت الجهود الأسر التي تتلقى مبالغ دعم من هيئة الرعاية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

وفي الختام أودّ الإشارة إلى ضرورة النهوض بالمجتمعات المحرومة من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي لضمان حياة صحية لأفرادها. وفي هذا الصدد، يشكل يوم الصحة العالمي فرصة لتسليط الضوء على حاجة العالم للتضامن، خصوصا في هذا الوقت الذي يواجه فيه العالم بأسره ظروفًا استثنائية بسبب جائحة كوفيد 19. نحن الآن في أمس الحاجة لأن يشعر كل منا بالآخر، ويجسد مفهوم الإنسانية من خلال مد يد العون للمحتاجين. ونحن في الوليد للإنسانية سنواصل العمل على إطلاق المبادرات التي من شأنها الحد من انتشار الأوبئة والأمراض ومحاربتها، وضمان تحقيق المساواة في توفير خدمات الرعاية الصحية وبرامج الرفاه الاجتماعي للجميع دون استثناء، وفي مقدمتهم المقيمون في دور المسنين، ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، ومراكز النساء ضحايا العنف، ودور الأيتام، ومراكز اللاجئين، والمرضى في المراكز الصحية والمستشفيات.