كتاب ومقالات

الشرق الأوسط الأخضر مقابل الشرق الأوسط النووي

عبداللطيف الضويحي

كان لا بد من إطلاق المبادرة السعودية الخضراء للشرق الأوسط الأخضر لتكون بمثابة مشروع عربي يزاحم ويكافح المشروعين النوويين الإسرائيلي والإيراني في الشرق الأوسط. فمنطقتنا لا تحتمل مزيداً من سباق التسلح النووي من ناحية، بل هي بحاجة لسباق مشاريع السلام.

إن أكثرية الدول في منطقة الشرق الأوسط هي الدول العربية، وإن أكثرية الشعوب في هذه المنطقة هي الشعوب العربية، وهذه الأكثرية كانت كافية لأن تبقي دول وشعوب المنطقة بعيدة عن المشاريع النووية تنعم بثقافة التصالح والسلام والاستقرار عبر التاريخ دون الحاجة لبرامج نووية، حتى استزرعت الدول الغربية الاستعمارية كيانات ومشاريع احتلال في منطقتنا، شاذة وغريبة عن منطقتنا وثقافتنا وأخلاقنا، بل وجلبت هذه الدول الاستعمارية الغربية أنظمة طائفية معلبة شاذة حتى عن مذاهبها وطوائفها التي تدعي تمثيلها، عندئذ برز سباق التسلح النووي بين كيان غاصب للأرض ونظام غاصب للشعوب.

إن مهمة السعودية بإطلاقها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليست مهمة سهلة، فهي تبني وتتبنى ثقافة السلام بمشروعها الأخضر وبوعيها الأخضر وبسلاحها الأخضر، في منطقة أصبحت مدنها وكرا للخوف وعلاقاتها على زناد عدم الثقة وشوارعها ساحات لحروب وملاذا للميليشيات والمرتزقة والشاذين، منطقة ملأت بحار العالم بسفن اللاجئين والمهاجرين البائسين.

إن السعودية، بما تمثله في الشرق الأوسط والعالم من وزن وثقل في إنتاج وصناعة النفط وما تمثله من وزن عربي وإسلامي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وإن ما تتبناه من مشروع بيئي محلي طموح، هي تطلق «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، وتعلن عن هذا المشروع البيئي الطموح من خلال زراعة 50 مليار شجرة؛ وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، ومن خلال استعادة 200 مليون هكتار من الأراض المتدهورة، والتي تمثل 5% من الهدف العالمي، ومن خلال خفض 60% من انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط لمواكبة الجهود العالمية المشتركة لتخفيض الانبعاثات الكربونية.

إن ما تعرضت له منشأة نطنز النووية الإيرانية من هجوم خلال الساعات الماضية، ليس إلا حلقة في سلسلة من سباق التسلح النووي الإسرائيلي الإيراني في المنطقة والعالم، والذي لن يجلب الأمن لأي منهما كما يتوهم كل منهما، مقابل حجم الجغرافيا والديموغرافيا العربية التي يخشاها أصحاب المشروعين النوويين الإسرائيلي والإيراني. ولذلك يعد سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط أخطر بكثير من مثيلاته في الشرق الأقصى والقارة الهندية، لسببين: أولا) لتنافس الإيرانيين الشديد على الموارد الطبيعية في عدد من دول المنطقة، وثانيا) لحجم الكراهية والحقد التاريخي الذي يحمله الندان النوويان ضد كل ما هو عربي. والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل وإيران في حق العرب في أوقات الحروب وأوقات السلم، تبرهن على الضغينة والحقد العنصري لهذين الجارين العاقين.

لقد فرضت مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، تحديا آخر، بجانب تحديها لدولتي السباق النووي، وهو تحديها للدول ذات الأطماع في الأنهار التي تصب أو تجري في الدول العربية. لقد استخدمت إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا كل ما تستطيع في سبيل استخدام سلاح التعطيش ضد الدول العربية، التي تتخللها الأنهار أو تصب بها الأنهار، ومع ذلك تأتي مبادرة الشرق الأوسط الأخضر من دولة عربية، ليست ذات وفرة مائية. فهل تسحب مبادرة الشرق الأوسط الأخضر البساط من تحت أقدام أعداء البيئة وأعداء السلام؟