أخبار

مناع ضحّى بالطب لعين مهنة المتاعب فخذلته

راحلون |

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

من عرف عن قُرب شخصية الراحل الكاتب الصحفي الدكتور عبدالله مناع، رئيس تحرير مجلتي اقرأ، والإعلام والاتصال، ومن تعرّف على أسباب فك الارتباط مع مطبوعات مقروءة بفضل رُبّانها، سيخرج بقناعة أن الراحل كان كبيراً بمبادئه، ومهنيته، وزهده، وعشقه، وعفة يده، وقدرته على القراءة المتفردة التي روّض بها توحّش الكتابة العصية على الترويض إلا في حضرة عمالقة بحجمه.

هذا النحيل، المكتسي سمرة البحارة، واللامع وجدانه لمعة الدر في كفوف الغواصين، مُغرم بجدة، مفتون بالوطن، مؤمن بالعروبة، وغارق في لجة يسار بعاطفة تبحث عن تجليات للعدالة الاجتماعية، ولذا ضحّى مبكراً بشهادة الطب لصالح مهنة المتاعب ولطالما خامرت تجربته نجاحات العقاد والرافعي وطه حسين في بناء جسر للغايات الكبرى عبر آية القرن العشرين «الصُحف» كما نعتها شوقي (لكل زمان مضى آية، وآية هذا الزمن الصحف).

لم يتطرق لذهنه سوء ظنٍ بمعشوقته ولا خطر بباله خذلانها لفارس أحلامها وتنكّرها لأجمل لحظات التضحية والعذابات، ورجّح رجحاناً يقترب من اليقين أنها ستحافظ على الصلة الوطيدة بينهما، ولا تخون العِشرة الطويلة، وعندما بلغه تأففها من استمرار جيله من نخبة الكُتّاب في صُحف عدة، أعدّ بياناً يندد فيه بهذا الإجراء، وحاول قدر المستطاع تفادي لحظة تحتّم عليه البدء بالهجر، ودفعه مُكرها للتخلي عن غرامه الأول، وحبه الكبير، وما إن استشعر (هوان الود) حتى خرج من باب موارب، مؤثراً الاحتفاظ بشيء من كبرياء عاشق، وعِزة هوىً معهودة.

رحل المناع ومآثره في التحديث والتنوير خالدة، وبصماته منقوشة في الوجدان، وشاخصة للعيان، وكلماته نابضة بأفكار لا تموت.. وإن غاب عملاق الصحافة السعودية طيلة ستة عقود فلن تغيب شموسه ولا تنطفئ نجومه، ونحن هنا لا نتذكّره وإنما نستعيد شمائل إنسان فوق النسيان.