أخبار

عبدالخالق ناصر شبح الغياب يهدد شهادة التحولات

عبدالخالق ناصر

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

يتميز الإنسان عن كثير من الكائنات بذاكرته الفولاذية أو الحديدية أو المائية، والذاكرة مهفة لجمر التداعيات، وحائط صد في وجه الزمن الاجتياحي، وإن آلت لمستودع أرشيفي يحتاج إلى إعادة الترتيب والفرمتة، ونفض الغبار عما اعترى سيرة الراحلين، وتفقد نبض حنين المسافات بيننا وبين من عرفنا وعايشنا وزاملنا.

وأن يقضي موظف أكثر من نصف عمره في خدمة المهنة التي عشقها فتلك علامة فارقة وعُملة نادرة، وأن يضحي بصحته ويهمل متاعبه في سبيل إنجاز وإتقان عمله فتلك مغامرة غير محسوبة العواقب، ومثالية لا محل لها في مطحنة الالتزام الوظيفي الواقعي، ولعلنا وأسرة الزميل العكاظي عبدالخالق ناصر الغامدي وأصدقاؤه ومحبوه لم نتوقع أن يتزامن الرحيل الفاجع مع قرار عزمه على التقاعد والتفرغ للنشاط الاجتماعي والإنساني والانتباه لحقوق النفس على صاحبها.

تأتي روزنامة رمضان هذا العام متشحة بلوعة الغياب، وكأنما نبأ الفقد مزحة لا ترقى لمستوى الجدية بسهولة، أو أنه مقلب هازل وبالون لاختبار مشاعر المقربين، وبرغم أن الشهور السبعة منذ تلويحة وداع (أبو ناصر) لا تُعد زمناً كافياً لاندمال الجرح وتطبيب أثر الفاجعة، إلا أن ضرورة التسليم بالقضاء والقدر تغدو بلسماً لنزف الأفئدة المكلومة بحتمية توديع من يعني لها الكثير لتبقى مساحة الراحل شاغرة على مستوى الحس والمعنى.

يتحول الشخص في دفتر الغياب إلى نص، والأحداث تميل شمسها نحو طيف ذكريات لزميل عاصر التحولات الصحفية منذ بدأ مع صحيفتنا مطلع ١٤١٠هـ، متعاوناً يكتب ويبعث المواد والصور بالبريد، ثم بإرساله عبر الفاكس أخبار وأحداث وحوادث منطقة الباحة، ومروراً بزمن الإيميل، وليس انتهاءً بالبراوزر، والنيوزبرس، والتي كان يتفاعل معها ويتقن متطلباتها وإن استعصت عليه نفّس انفعالاته بشيء من اللوم والعتب والترحم على زمن تقليدي سرعان ما اجتاحته الحداثة سريعاً.

وبحكم اعتداد «عكاظ» بمنهج الوفاء والعرفان، تخصص هذه المساحة لمن ألّفت الصحيفة بينهم، وعززت أواصر الأخوة والمحبة والتواصل الراقي، ولن تجرؤ كلمات الرثاء وعبارات التأبين أن تشمخ برأسها على كتلة المشاعر العاطفية، بل ستتوارى خلف ستار مسرح الاستحضار لأجمل ما تركه الراحلون فينا من ذكريات تستعصي على المحو، وتتأبى على النسيان.