من يهشم خارطة الزجاج ؟

كاظم الشبيب

لا أحب الكتابة المتشائمة. ولا أميل للتصوير السوداوي للأمور والقضايا المحيطة.
بيد أنه قد يضطر الواحد منا للتشاؤم والسوداوية جراء ما يحيط بالمنطقة من أنباء محبطة ومحن متتابعة لا تكاد تتوقف. وهذا ما حصل معي عندما تأملت خارطة العالم العربي والإسلامي..
فإذا بها كالخارطة المصنوعة من الزجاج, ويد ظاهرة تحاول أن تتوارى, تعمل على تهشيمها بصورة متقنة بحيث تبقى فيها علامات للحياة ومعالم لدول وشعوب ولكنها دون روح حقيقية.
يجري ذلك على مستويين.:
في المستوى الأول, على صعيد العالم العربي والإسلامي, أصبح رأس نظام الحكم في السودان مهدداً ومطلوباً.
وانقلبت الأمور في موريتانيا بعد سنة ونصف من وصول نظام منتخب ديمقراطياً.
الرئيس الباكستاني برفيز مشرف يستقيل, ولا يعني ذلك انتهاء الأزمة السياسية فيها التي لم تهدأ منذ بدايات عام 2007, والأمور مهيأة لتطورات غير منظورة.
وكادت تركيا أن تدخل في دوامة سياسية ليس لها أول ولا آخر, ولكن نجت عندما رفضت المحكمة العليا الدعوى المقدمة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وبعد مخاض طويل وعسير, وسنتين من الغياب, جاءت حكومة لبنانية توافقية, يحلو للبعض تسميتها حكومة وحدة وطنية!
وفي فلسطين حكومة منتخبة ومُقالة, وأخرى فعلية ولكنها رمزية لوجود سلطة, ولكل واحدة رقعتها الجغرافية على الأرض...
وهكذا دواليك في افغانستان والعراق... فلا تكاد أن تنتهي أزمة حتى تبدأ أخرى.
أزمة الملف النووي الايراني. أزمة حكم في زمبابوي. أزمة انقسام الحكومة على نفسها في الصومال في الوقت الذي تواجه تيارا مسلحا من المعارضة. أزمة معقدة في دارفور...
أما على المستوى الثاني وهو خارطة العالم, فيمكننا الزعم بأن عام 2008 هو عام التراجع بتميز عن الديمقراطية السياسية, وتراجع الخطط الإصلاحية والتنموية, وسيادة منطق القوة, سواء كانت سياسية أو عسكرية.
نجد ذلك في أمريكا التي تطالبها منظمات حقوق الإنسان في العالم بإعادة النظر في ما اتخذ من اجراءات لا تطال الاجانب فقط بل الشعب الأمريكي نفسه, ناهيك عن تبعات ما انتجته السياسة الأمريكية الخارجية في العالم.
ونجده كذلك, بصور مختلفة الشكل ولكنها متشابهة في النتائج, في الدول المتقدمة وغيرها, مثل الصين وبلجيكا وروسيا وكوريا... مع وجود أزمات عالمية خطيرة مثل:
أزمة المياه..
أزمة غلاء معيشة..
وخشية من أزمة ركود اقتصادي..
وقلق من أزمة تضخم كارثية, انهيار محادثات منظمة التجارة العالمية مؤخراً, أزمات مناخية وغذائية وبيئية متنوعة...
يغلب على توالد الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي أن انبعاثها يأتي من تخلف واقعنا الداخلي, حسب كل بلد, سياسياً وتنموياً وديمقراطياً, ووجود تعددية سياسية غير مقننة كما هو في العراق وباكستان وفلسطين ولبنان.
بينما يغلب على توالد الأزمات العالمية التنافس الدولي على المكاسب للمحافظة على اوزانها السياسية والاقتصادية, بين مصالح الدول المتقدمة كأمريكا وروسيا, ودول تبحث عن سبل للنمو والتمدد كالصين وفرنسا والهند.
وبين الصورتين فارق كبير لا تسده الأحلام والأمنيات.
جميع تلك الصور مدعاة للتفكير في ما ستكون عليه خارطة العالم..!
هل ستبقى زجاجية قابلة للتهشيم؟!
أم أنها بإرادة دولية يمكنها المحافظة على صلابتها؟
أم أن هناك إرادة دولية أخرى تريد إعادة تقسيم الخارطة المقسمة من جديد؟
فأي من الإرادتين تنتصر؟!!
بعد خمس أو عشر سنوات قد نتمكن من الإجابة.
والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة