كتاب ومقالات

الغرب يلاحق المتحولين.. والصين تلاحق المجد !

محمد الساعد

ما نشهده اليوم هو تغيير كبير في مسار التاريخ، وانقلاب هائل في صراع الحضارات، وانعطافة عميقة في نفوذ القوى التقليدية التي تربعت على عرش العالم خلال المئة عام الماضية.

قبل خمسة عقود فقط كانت الصين تئن من وطأة الفقر وقيود الحزب الشيوعي الشمولية الغارقة في الاقتصاد الفاشل، لتتحول تدريجيا إلى مستوعب للصناعات الغربية والأمريكية، تحديدا تلك الحكومات التي حاولت الهروب من استيراد القوى العاملة الرخيصة إلى بلدانها واستبدلتها بمصنع كبير اسمه «جمهورية الصين الشعبية».

لقد كانت الصين أقرب ما تكون إلى «صبي» نبيه عمل عند تاجر كبير في معمله مقابل أجرة قليلة، ذلك الصبي كان طموحا و«براغماتيا» وفي الوقت نفسه لديه أسرة كبيرة من ورائه تحتاج أن يطعمها ويؤمن لها سبل العيش الكريمة، تعلم الصنعة جيدا وسبق (رب عمله) نحو المستقبل.

هكذا استطاعت الصين التحول رويدا رويدا من مقاول رخيص التكلفة للصناعات الغربية، إلى صانع رئيسي في العالم، ومن مجرد معامل صغيرة تقلد البضائع الغربية، إلى مبتكرة للصناعات، محققة الجودة والسعر المنافس.

لقد كان الغرب سيد صناعة السيارات، والأجهزة الكهربائية وأجهزة الاتصال وتقنياتها المعقدة، لكن التنين الأحمر في طريقه لابتلاع تلك الصناعات التقليدية، ومن المتوقع أن يقضي -قريبا- على صناعة الدواء التي لطالما بقيت محتكرة للغرب حتى اليوم، هذا ليس كل شيء.. فالصناعات الحربية والإكسسوارات وحاجات الفرد والمنازل والمدن اليومية، تستطيع أن تلبيها الصين فورا وبدون منافس، لقد فرط الغرب في قوته الصناعية وها هو اليوم يدفع ثمن ذلك.

السؤال الكبير يقول: هل حدث ذلك بحكم الارتحال الحضاري وطبيعة التاريخ الإنساني في تقدم أمة وتراجع أخرى، أم لعوامل أخرى ؟

لقد انفرط العقد الاجتماعي الغربي، وتحول مع مرور الزمن أسيرا لقيم غير بشرية، قيم منحطة ورديئة، وأصبح الغرب يتشكل بها وتشكله، معتقدا أن الدفاع عنها هي أعلى مراتب الإنسانية والديموقراطية، لقد قتل الغرب نفسه بنفسه دون أن يعطيه أحد خنجرا أو سما.

انجذب الغرب رويدا رويدا نحو قيم اليسار المتطرفة، ونظريات العولمة، وتحديث البشرية، وهدم المسلمات، وإلغاء القيود الجنسية والاجتماعية، وابتكر أنواعا منحرفة من العلاقات «الحميمة».

الغرب بقيادة الزعيم الظاهر «الأمريكان»، وزعيمة الظل ألمانيا، يجد نفسه وقد غاصت أقدامهم أكثر وأكثر في مستنقع اليسار بكل قيمه الشاذة، لتصبح أمريكا، ومن ورائها الغرب، مستلبين بقيم الشاذين والمتحولين جنسيا، ناسين حضارتهم التي قامت بالأساس على عنصر المحافظة الاجتماعية والتطور الصناعي منذ عصر الفحم إلى يومنا هذا.

لا يمكن فهم تخلي الغرب -تحت أي مبرر- عن زعامته للعالم وركضه وراء تمكين الشواذ وإعلاء قيمهم، فكل الدوائر داخل الإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات الغربية تعمل ليل نهار على ملاحقة الدول والمجتمعات التي ترفض الشذوذ كونه خروجا عن الفطرة السليمة، بدلا من أن تهتم بالحفاظ على تقدمها التكنولوجي والعلمي، إنها قوانين أزلية تمنح الأمم فرصة للتطور والتقدم والسيادة، لكنها تصبح فجأة عدوة لنفسها وهي من يهدم القصر من الداخل.

وفي الوقت الذي تسوق الصين طريق الحرير، وتبني الجزر الصناعية في المحيطات وتعقد اتفاقات إستراتيجية مع محاور مهمة حول العالم سعيا وراء التفوق وإعلاء الأمة الصينية، يصبح أكبر هم بعض دول الغرب رفع علم الشواذ فوق سواري أعلام بلدانهم في سفارتهم وقنصلياتهم.

وبينما تبني بكين الجيل الخامس والسادس من تقنيات الإنترنت والاتصالات عالية التقدم، تهتم دول الغرب بتعيين المتحولين جنسيا في وظائف عليا في الجيش والوزارات الحساسة.

أما في الشأن السياسي، ففي الوقت الذي كانت الحكومة الأمريكية تبيع لمؤيديها من اليسار، تخليها عن تحالفاتها التقليدية والتحول إلى علاقة شراكة مع السعودية ومصر وغيرها من دول الإقليم، ومتباهية بذلك لأسابيع، ما يعني التحلل عن التزامات التحالف إلى مبدأ الشراكة الذي لا يكلف الطرفين أية التزامات تجاه الآخر، كانت الصين تتفاوض مع الرياض لشراء حصة مهمة من أرامكو السعودية لتضمن مزودا دائما للطاقة التي تتعاظم حاجتها يوما بعد يوم، وتتغول بكين أكثر في أفريقيا عبر القروض الميسرة والتنمية والهبات، وتعقد الشراكات مع إيران وباكستان وحتى وصلت إلى أوروبا قلعة الغرب الأساسية.

لقد أصبح العالم بين خيارين؛ إما الانتماء للمستقبل وبناء المعرفة مع الحفاظ على القيم البشرية، أو دعم علب الشواذ في برلين ولوس أنجلوس وأمستردام ونيويورك التي تحمل في داخلها الشرور والتردي ونهاية البشرية.

إنها نهاية حقبة بشرية وبداية تاريخ جديد، تكتبه إمبراطورية ناهضة تبدأ من بحر الصين العظيم شرقا، متحالفة مع «أوروبا الجديدة»، في الشرق الأوسط، وعلى رأسها المملكة كما سماها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.