عبدالرزاق خبزان.. أخلاق صادقين تسير على قدمين
الثلاثاء / 22 / رمضان / 1442 هـ الثلاثاء 04 مايو 2021 03:14
* علي الرباعي (الباحة)Al_ARobai@
تَحْرَن اللغة، وتستعصي المفردات، عندما نكون بأمس الحاجة إليها للتنفيس عن مكنون أنفسنا، وترتبك مصطلحات الحزن، وتخجلُ عبارات الرثاء ساعة عزمنا تجميل وداعنا لمن أحببنا بالكلام، ويتلعثم القاموس ويعجز عن إمدادنا بما يليق بهيبة الفراق.
كان نبأ رحيل ابن عمي ورفيق دربي عبدالرزاق سعيد خبزان في أوّل ليلة من ليالي الـ10 الأواخر باعث أسئلة عن مكان الرحيل، وكيفيته، وتوقيته، والأزمنة الفاضلة له، لترجح بي كفة التأمل في اصطفاء الله للأنقياء من عباده بطمأنينة ورضا، ودون عناء، و إن مررتَ بأزمة مفاجئة أربكت كل أحبتك وذويك، إلا أن الأمل كان حادينا. ولعل أكثر سؤال يلح على الوعي ساعة الفاجعة، هل يفقدنا الراحلون أم نحن نفتقدهم؟ وهل تستمر حاجتهم لنا مثل استمرار حاجتنا إليهم؟ وما علاقة الموت بالحياة؟ وكيف تحط المنايا رحالها في سوحنا دون أن نراها؟
مؤسف أبا رزق أن تتعب وتغادر في ظل مروري بظرف عصيب حال دون الالتزام بواجب الصداقة والرفقة وصلة الرحم، إلا أن تطلعنا للشفاء كان أكبر من هاجس الخوف مما نحذر ولا نجرؤ على البوح به، وبالفعل شعرنا بأمن لطّف الخوف إذ لم تطل الوعكة، وتماثلت لشيء من الشفاء، وإن لم يكن كما قدّرنا، بل كما أردته أن يكون فرصةً للتلويح لنا تلويحة وداع عبر رسالة على السناب شات.
ما أغرب ذاكرتنا حين تتلقى الأنباء الصادمة، كيف تنفض الغبار عن نفسها وتعيدنا لأعوام طفولة، منفتحة على المرح والإصغاء لأناشيد الكون في المزرعة والمرعى والطريق للمدرسة نزولاً وطلوعاً، وترقب الزيارات المتبادلة لتعزز وشائج الانتماء لصدق القرابة وقرابة الأصدقاء.
لكنني وأنا أكتب إليك اليوم وأنت في عالم الخالدين، أستعيدُ بامتنان لأقدار تلك الأيام التي جمعتني بك في سكن جامعة أم القرى، وخلال ثلاثة أعوام لم نفترق فيها إلا قليلاً، اكتشفتُ معدنك الطيب، وسريرتك النقية، ووفاءك المعهود، وصدقك في الرضا والغضب، وأعاد لي شريط الذكريات ما أضحكني وأبكاني، ونحن نضرب أروع أمثلة الصداقة حتى أن بعض الزملاء يتعجب من تقديرنا لبعضنا وانسجامنا في مواقفنا عكس أبناء عمومة ينفرون من بعضهم.
كم أسرفنا ونحن نستعد للنوم يا أبا رزق في فتل حبال الأحلام، أحدثك عن الاستقرار، وتحدثني عن عشقك للسفر والترحال، وأشرح لك خطط المستقبل، وتوضح لي أن الحياة الهادئة الخالية من الضجيج أعظم مطلب لمن يبحث عن السعادة؛ شرط أن تتوفر لك اختيارا لا اضطرارا. كانت وظيفة أرامكو مصدر طمأنينة لنا جميعاً، بحكم غرامك باللغة الإنجليزية، وكانت أخبارك تسر المحبين، وكنا نتبشر عنك في كل سانحة، وفي غمرة انشغالنا عنك هبّت عاصفة المتاعب الصحية التي أرادت خطفك منا، وأبيتَ إلا ترويضها لبعض الوقت لكي لا تصدمنا بالغياب المفاجئ وتدرّبنا على الفقد بطريقتك الرزينة.
نستودعك الله، وأنت تُقبلُ على الكريم في خواتيم شهر كريم، وتلاقيه بسمتٍ ملائكي، وحسن ظن لا حد له، ولن يخيّبك الرحيم أيها الوادع الذي لم تؤذ أحداً طيلة 50 عاماً، فيما سنحتفظ منك بصدقك الذي كان يتمثّل لنا في إنسان يسير على قدمين، ولن يغادرنا وجهك الوضاء المعبّر عن بياض القلب، وسيظل الرحيل حُريةً، والبقاء على ذمة الحياة قيد.
كان نبأ رحيل ابن عمي ورفيق دربي عبدالرزاق سعيد خبزان في أوّل ليلة من ليالي الـ10 الأواخر باعث أسئلة عن مكان الرحيل، وكيفيته، وتوقيته، والأزمنة الفاضلة له، لترجح بي كفة التأمل في اصطفاء الله للأنقياء من عباده بطمأنينة ورضا، ودون عناء، و إن مررتَ بأزمة مفاجئة أربكت كل أحبتك وذويك، إلا أن الأمل كان حادينا. ولعل أكثر سؤال يلح على الوعي ساعة الفاجعة، هل يفقدنا الراحلون أم نحن نفتقدهم؟ وهل تستمر حاجتهم لنا مثل استمرار حاجتنا إليهم؟ وما علاقة الموت بالحياة؟ وكيف تحط المنايا رحالها في سوحنا دون أن نراها؟
مؤسف أبا رزق أن تتعب وتغادر في ظل مروري بظرف عصيب حال دون الالتزام بواجب الصداقة والرفقة وصلة الرحم، إلا أن تطلعنا للشفاء كان أكبر من هاجس الخوف مما نحذر ولا نجرؤ على البوح به، وبالفعل شعرنا بأمن لطّف الخوف إذ لم تطل الوعكة، وتماثلت لشيء من الشفاء، وإن لم يكن كما قدّرنا، بل كما أردته أن يكون فرصةً للتلويح لنا تلويحة وداع عبر رسالة على السناب شات.
ما أغرب ذاكرتنا حين تتلقى الأنباء الصادمة، كيف تنفض الغبار عن نفسها وتعيدنا لأعوام طفولة، منفتحة على المرح والإصغاء لأناشيد الكون في المزرعة والمرعى والطريق للمدرسة نزولاً وطلوعاً، وترقب الزيارات المتبادلة لتعزز وشائج الانتماء لصدق القرابة وقرابة الأصدقاء.
لكنني وأنا أكتب إليك اليوم وأنت في عالم الخالدين، أستعيدُ بامتنان لأقدار تلك الأيام التي جمعتني بك في سكن جامعة أم القرى، وخلال ثلاثة أعوام لم نفترق فيها إلا قليلاً، اكتشفتُ معدنك الطيب، وسريرتك النقية، ووفاءك المعهود، وصدقك في الرضا والغضب، وأعاد لي شريط الذكريات ما أضحكني وأبكاني، ونحن نضرب أروع أمثلة الصداقة حتى أن بعض الزملاء يتعجب من تقديرنا لبعضنا وانسجامنا في مواقفنا عكس أبناء عمومة ينفرون من بعضهم.
كم أسرفنا ونحن نستعد للنوم يا أبا رزق في فتل حبال الأحلام، أحدثك عن الاستقرار، وتحدثني عن عشقك للسفر والترحال، وأشرح لك خطط المستقبل، وتوضح لي أن الحياة الهادئة الخالية من الضجيج أعظم مطلب لمن يبحث عن السعادة؛ شرط أن تتوفر لك اختيارا لا اضطرارا. كانت وظيفة أرامكو مصدر طمأنينة لنا جميعاً، بحكم غرامك باللغة الإنجليزية، وكانت أخبارك تسر المحبين، وكنا نتبشر عنك في كل سانحة، وفي غمرة انشغالنا عنك هبّت عاصفة المتاعب الصحية التي أرادت خطفك منا، وأبيتَ إلا ترويضها لبعض الوقت لكي لا تصدمنا بالغياب المفاجئ وتدرّبنا على الفقد بطريقتك الرزينة.
نستودعك الله، وأنت تُقبلُ على الكريم في خواتيم شهر كريم، وتلاقيه بسمتٍ ملائكي، وحسن ظن لا حد له، ولن يخيّبك الرحيم أيها الوادع الذي لم تؤذ أحداً طيلة 50 عاماً، فيما سنحتفظ منك بصدقك الذي كان يتمثّل لنا في إنسان يسير على قدمين، ولن يغادرنا وجهك الوضاء المعبّر عن بياض القلب، وسيظل الرحيل حُريةً، والبقاء على ذمة الحياة قيد.