كتاب ومقالات

«تأليه» الغرب وإسرائيل

عبدالله بن بخيت

كان بإمكان إسرائيل أن تعفي نفسها من كل هذا الدمار الذي سببته الحرب والخسائر الأخلاقية وانكشاف إمكانيات القبة الحديدية التي تتفاخر بها وتعفي نفسها من الانتقادات وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة. كان بإمكانها أن تعفي نفسها لو أنها استعانت بجهاز استخباراتها المعروف بالموساد. استطاع هذا الجهاز اغتيال المبحوح واستطاع تتبع عبدالله أوجلان من مدينة إلى أخرى واستطاع أن يزرع عملاءه في كل مكان يريد واستطاع اغتيال أكثر من عالم إيراني واستطاع أن يعبث بأصابعه في حقائب زوجاتنا.

غزة مدينة صغيرة مكتظة بالفقراء وتحت سيطرة إسرائيل برا وبحرا وجوا واقتصادا. إذا افترضنا أن حجم أكبر صاروخ تطلقه غزة على إسرائيل لا يتجاوز مترا ونصف فنحن أمام أطنان من الحديد المصنع تحتاج إلى عشرات المستودعات التي يصعب إخفاؤها وخاصة إذا علمنا أن هذه المستودعات تحت إدارة تنظيمات بدائية متناحرة. كيف استطاعت هذه المنظمات البدائية إخفاءها عن جهاز استخبارات بعظمة وأخطبوطية جهاز الموساد.

الجواب على هذا السؤال يعيدنا إلى نهاية الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها أمريكا تقود العالم.

دخلت أمريكا الحرب الكورية 1950 بتفويض من الأمم المتحدة لصد هجوم كوريا الشمالية ثم قررت حسم الحرب بتوحيد الكوريتين ولكنها في النهاية رضخت بعد أن قتل من جنودها ما لا يقل عن ثمانين ألف جندي.

في عام 1960 قررت أمريكا، بتوجيه وإدارة جهاز المخابرات الأمريكي الشهير السي آي أيه، شن حرب لإسقاط كاسترو والثورة في كوبا. ولضمان النصر وظفت الولايات المتحدة كل ما تملكه من قواعد عسكرية تحيط بكوبا لدعم الكوبيين الموالين لها وفي الأخير فشلت العملية وخرج كاسترو منتصرا.

ومع بداية عام 1959 انخرطت الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية فزجت بأكثر من نصف مليون جندي واستخدمت كل أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة ولكنها اضطرت إلى أن تدخل في مباحثات سرية وعلنية مع الفايتكونج وخرجت أخيراً مهزومة.

ما جرى في العراق لا يحتاج مني أن أكتبه في هذه المقالة. عدد من المرتزقة بقيادة عدد من الإرهابيين أشهرهم الزرقاوي استطاعوا أن يضعوا أمريكا في مأزق، وفي الأخير سلمت أمريكا الخيط والمخيط لمن يريده، فكانت إيران تنتظر عند الباب.

لا أظن أن من يقرأ مقالي هذا لا يعلم أن أمريكا تتفاوض هذه الأيام مع أكبر تنظيم إرهابي سبب لها أذى في عقر دارها لكي تؤمن لنفسها انسحابا منظما فقط. فمن المعلوم بالضرورة أن أمريكا سوف تنسحب من أفغانستان سواء نجحت المفاوضات مع طالبان أو فشلت.

باختصار: كل الحروب التي دخلتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية خرجت منها مهزومة.

قبيل الغزو الأمريكي للعراق جلس وزير الخارجية الأمريكي على مقعده في الأمم المتحدة يعرض علينا وعلى العالم الوثائق التي جمعتها السي آي إيه والتي تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وتبين بعد الغزو أن العراق لا يملك قطع غيار لأسلحته التقليدية فضلا عن امتلاكه أسلحة دمار شامل. رغم كل هذا التاريخ العسكري الأمريكي الهزيل ما زال كثير منا يؤكد وبروح مقدسة أن أمريكا كذبت، رافضين أن نقول إن المخابرات الأمريكية فشلت كما يفشل البشر.

غزة بؤرة معادية لإسرائيل. كل فرد في غزة يتمنى زوال إسرائيل ومستعد أن يعمل من أجل ذلك. استطاع جهاز الموساد التجول في أفريقيا وآسيا والأرجنتين وفشل أن يرى أسلحة معادية تنبت بهذه الكمية تحت قدميه.

المشكلة ليست في ضعف إسرائيل أو أمريكا ولكنها في طريقة تفكيرنا. عندما تفشل أمريكا لا نرى الفشل الساطع أمام أعيننا ولكننا نغوص في خيالنا للبحث عن مؤامرة تبرر لأمريكا فشلها. نرفض الواقع الماثل أمامنا ونرفض حقائق التاريخ ونلجأ لنظرية المؤامرة. حتى بلغ بنا الأمر أن أصبحنا نؤله الغرب وإسرائيل من حيث نشتمهم.