كتاب ومقالات

السفر.. معادلة الحرية والحذر

تلميح وتصريح

حمود أبوطالب

انطلقت أمس أسراب البشر تشق السماء إلى أصقاع الأرض بعد حصار طويل اكتشف خلاله الإنسان أن أثمن شيء في الحياة هو حريته في اتخاذ قراره، ماذا يفعل وإلى أين يتجه في الوقت الذي يريده. لا شيء أسوأ من الحصار واستلاب القدرة على القرار الفردي، حتى لو كان الإنسان يعيش ضمن حرية جماعية تتوفر له فيها كل أسباب الحياة الجيدة بأساسياتها وكمالياتها، لأن التأطير بحدود المكان وفقدان مرونة الحركة في اتجاهات الأرض هو سجن مجازي تشعر بوخزه مهما حاولت التآلف معه.

زمن كورونا أكد لنا أن التفاعل مع العالم عبر الصورة الفضائية والبث المباشر عبر كل وسائل التقنية الحديثة ومشاهدة البشر في أي مكان عبر برامج الاتصال ليس كافياً للشعور بالأمكنة وناسها. هناك فرق كبير عندما تشاهد المكان دون أن تعيشه بكل حواسك، وعندما تتحدث إلى البشر وهناك لوح زجاجي يفصلك عنهم. روائح الأمكنة وتضاريسها لا تعاش عن بعد، ونبض الشوارع لا تشعر به دون أن تكون في زحامها، والناس لا تشعر بحميمية التواصل معهم والحديث إليهم دون أن تتقابل الوجوه وتنتقل الكلمات من الأفواه إلى المسامع مباشرة.

فقد الناس أشياء كثيرة خلال الوقت الصعب الذي مضى، لكن أصعب ما فقدوه هو إحساسهم باتساع الكون وحرية الحركة فيه كما يشاؤون. والآن عادت الحرية لكنها مشروطة ومنقوصة لأنها خاضعة لاشتراطات، ولأن هاجس الخوف ما زال يسكنهم من فايروس لا يُرى لكنه زلزل العالم، فانتبهوا أيها الناس ولا تجعلوا الفرح بالحرية يطغى على ضرورة الحذر من وباء ما زال خطره قائما.