كتاب ومقالات

مرحلة المحاماة !

حسين شبكشي

كنت في جلسة مع صديق عزيز وأصغر أبنائه في أحد المقاهي مؤخرا نتبادل فيها أطراف الحديث التقليدي. كان أهم ما جاء فيه هو الفخر والاعتزاز الكبير الذي جاء في نبرة صوت صديقي، وهو يتحدث بسعادة بالغة عن قبول ابنه في إحدى الجامعات في تخصص المحاماة، واصفا إياه بمحامي المستقبل. وانتقل بنا الحديث كيف أصبح تخصص المحاماة إحدى الوجهات التعليمية المحترمة، التي يسعى إليها الخريجون لاستكمال تعليمهم بعد سنوات طويلة كانت فيها أصوات الظلام تحرم وتشكك وتخوّف كل من يسعى لدراسة هذا المجال المهم، والذي لا يقل جدارة ولا احتراما عن المجالات الدراسية المهنية الأخرى مثل المحاسبة والهندسة والطب على سبيل المثال لا الحصر طبعا. هناك حالة جديدة ومهمة تعيشها السعودية اليوم، وهي تعتمد على تزكية دولة القانون، وذلك بمصارحة وتثقيف المواطنين المستمرة عن كافة المستحدثات في القوانين والحقوق والعقوبات، وأساليب وطرق التقاضي في حالة الخلاف والتنازع. وهذا الأمر من شأنه أن يحصر النزاعات والخلافات في الساحات القانونية القضائية بعيدا عن الاجتهادات الإدارية الرمادية. والجيل الجديد الذي سيربى على هذا الفكر سيتكرس عنده فكرة الاعتماد على المنظومة القانونية في المطالبة بحقوقه، وهي المنظومة التي تسعى الدولة باستمرار لتطوير أدائها وتحسين أدواتها لأجل إثراء الآلية بوسائل فعالة ومؤثرة من شأنها أيضا أن تساهم في إغلاق منافذ الفساد والوساطات والمحسوبيات والروتين والبيروقراطية القاتلة. كل ذلك يفسر لماذا هناك إقبال مفهوم ومقدر ومحترم على دراسة تخصص المحاماة والعمل بها، وخصوصا بعد أن طورت المناهج في الجامعات لتلائم الحراك الجديد في السعودية وتطوراته المهمة، وذلك بعد أن كانت هذه النوعية من الدراسة ومن ثم العمل في مجالها لاحقا محصورا بشكل ضيق ومحدود جدا ويتعامل مع الاجتهادات في مجال سن القوانين على أساس أنها محاولات لتغريب المجتمع وبدعة وفسق وزندقة وغير ذلك من الديباجات مسبقة التعليب. سررت لصديقي وابنه وسررت للتطورات الحاصلة في بلادي وأصبحت أكثر تفاؤلا للمستقبل القادم. وختمنا الجلسة ونحن نضحك على اقتراح قدمناه أنا وصديقي لابنه حين تخرجه بأننا سنكون أول زبائن له ليطلب لنا تعويضا عن الثلاثين سنة التي مضت من عمرنا في معارك عبثية مع مواقف ظلامية تبين لاحقا أنها لم تكن إلا سرابا. المحاماة مهنة محترمة يشار لصاحبها بالاحترام والتقدير، وهي ليست في ذلك الشأن أقل من مهن الطب والهندسة، وفي السعودية الجديدة كتب لهذه المهنة الاحترام اللائق بها.