كتاب ومقالات

التفكير الناقد.. الرغبة وحلم الوصول !

منى المالكي

ثورة التغيير في وزارة التعليم طموحة جدا وذكية جدا جدا، كان الاهتمام بالتغيير سابقا يحوم حول الحمى نتيجة ظروف صعبة مررنا بها وأيديولوجيا عقيمة عانينا منها، ولا ننكر فضل رؤية 2030 التي أتت لتجرف كل صلف نتيجة حزبية مقيتة تراهن على عقول غضة تتمترس حول مقولات هلامية زئبقية أخذت مكان الثوابت للأسف، وقاوم بشدة الفكر التقليدي الفلسفة لأنها مجال خصب للجدال والشك فالقطعية -بحسب منظورهم- هي الحقيقة الواحدة التي لا يرون الخروج عليها!

والمفارقة العجيبة أن مفكري الحضارة الأوروبية استعانوا بالفلسفة والمنجزات العلمية للمسلمين في عصر نهضة الحضارة الإسلامية ليخرجوا من عصور ظلامهم التي شنت فيها الحروب والتطرف الديني والجهل إلى عصور النور التي يعيشونها حتى اليوم! حتى قيل «سقطت الأندلس يوم أُحرقت كتب ابن رشد، وبدأت نهضة أوروبا يوم وصلتهم أفكار ابن رشد».

ولكن أجمل الحديث هو حديث عن المستقبل والاهتمام بصناعة العقل المنتج والفكر المنفتح من خلال الاستثمار في العنصر البشري وهذا من أهم ما تؤكد عليه رؤية 2030، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مناهج حديثة تقوم على معايير التعليم الجديد وقرار وزارة التعليم «بضم مناهج النقد والفلسفة» ضمن مناهجها هو قرار يذهب إلى الرغبة الحقيقية في الوصول إلى «التفكير الناقد» الذي يحلل ويفكك ويربط ليصل إلى نتيجة تعيد قراءة الواقع لاتخاذ قرارات المستقبل.

بدأ الاهتمام بهذا النوع من التفكير (التفكير الناقد) في السنوات الأخيرة واضحا في مجالات التعليم، فهو يعد من رتبة التفكير العالية التي تتطلب استخدام مهارات التفكير المتقدمة مثل التفكير الإبداعي والتفكير التأملي؛ نتيجة ارتباطه بسلوكيات عديدة كالمنطق وحل المشكلات والتفكير المجرد، ولكن الإشكالية التي بدأت تتعالى بها الأصوات هي عن مدى قدرة المعلم أو المعلمة على تدريس مثل هذه المفاهيم الفلسفية التي لم يدرسوها في كلياتهم التربوية! وأزعم أن هذه مبالغة فدارسو التربية لم تنقص مناهجهم مثل هذه الطرق التربوية في التحليل والاستقصاء ولكن كان الوضع التعليمي في المدارس سابقا يجرّم مثل هذه الطرق التربوية في التفكير فالتعليم كان معياره الأساس للتقويم هو الحفظ والتلقين ومن ثم الحكم على مؤشرات جودة المنتج التعليمي!

لن أذهب بعيدا في الحلم بوجود تلك النخبة من المعلمين و المعلمات المؤهلين و المؤهلات لتدريس مادة مهمة مثل مادة «critical thinking» فالوضع التربوي عانى فترة طويلة من الجمود الذي يسير على وتيرة واحدة من أنماط التفكير والتدريس ولذلك سنحتاج وقتا ليس بالطويل في ظل التغييرات الاجتماعية والثقافية التي نعيشها في تجاوز مثل هذه الصعوبات ولكن الرهان الحقيقي هو في العمل الجاد الدؤوب على تشجيع ممارسات التفكير الناقد الذي يقوم على فلسفة العلوم المختلفة، فتدريس المادة لا يقتصر على كتابها فقط وإنما يشمل جميع المواد فالتفكير الناقد يساهم في تحسين مهارات اللغة والإلقاء، إذ يؤدي التفكير بوضوح ومنهجية إلى تعزيز مهارات التعبير عن الأفكار وتحسين طريقة التفكير، من خلال تعلم تحليل بنية النصوص في جميع العلوم بمنطقية وعمق، والذي بدوره ينعكس بإيجابية على قدرات الفهم الفردي والتعبير عن الذات.