كتاب ومقالات

حروب طواحين الهواء

أسامة يماني

رواية دون كيشوت أو دون كيخوتة إحدى كلاسيكيات الأدب العالمي، التي ألفها الكاتب الإسباني ميجيل دي ثيربانتس سابيدرا. تدور الرواية حول حماقة نبيل من النبلاء، ضللته قراءة بعض الكتب القديمة، فظن نفسه في مهمة مقدسة، ودخل حربا مع طواحين الهواء التي كان يتخيل أذرعها وكأنها أذرع الشيطان، ومصدر الشر الموجود في الدنيا.

هكذا كان حالنا في سنوات خلت، حيث انبرى بعض مِن مَن يعتقدون أنهم حراس الدين المدافعين عنه، متخيلين أن خصومهم أذرع الشيطان ومصدر الشر الموجود في الدنيا، فيشغلون المجتمع بحروب وهمية وانتصارات خيالية.

إحدى حروب طواحين الهواء التي كنا نعيشها، كانت بصدد رؤية هلال رمضان؛ حيث كان يتكرر الجدل كل عام حول الرؤية، وهل تتم وفق العين المجردة أم عبر المراصد الفلكية واستخدام أحدث التقنيات؟ وقد انتهى هذا الجدل باعتماد المراصد والرؤية معاً.

ومثال آخر على حرب طواحين الهواء، هي قيادة المرأة للسيارة؛ هذه الحرب التي دفع المجتمع ثمناً باهظاً لها بسبب القداسة والتحريم الذي أعلنه المناهضون لحق المرأة في السواقة.

لم يكن الحق مهماً لحراس الدين، وإنما المهم لديهم أن ينتصروا بأي شكل من الأشكال، فقد كانوا يسعون لإغلاق المجتمع وحمايته من أذرع الشيطان الذي يتوهمونه، ولا يوجد سوى في خيالهم.

حروب طواحين الهواء كانت تشمل الأسماء، وتحريم عشرات الأسماء والكلمات البريئة وتحميلها ما لا يُحتمل وما لا يخطر على عقل بشر. تحريم يهدف لقتل الإبداع بأشكاله وأنواعه من رسم وفن وشعر وغناء.

كثير من حراس المعبد لا يزالون يمارسون حروبهم العبثية بشكل أو بآخر. وهم لا يزالون في سُباتهم العميق منفصلين عن واقعهم، لأن كثيراً من حرس المعبد فقدوا أهميتهم ومتابعيهم ومناصريهم؛ لذا فهم يتحينون الفرص ليخرجوا من جحورهم، ويطلوا برؤوسهم، فهم أهل الفتنة، وأصحاب الخيال المريض.

أعوام عديدة من غسيل المخ الذي خضع له كثيرون، وهي أعوام تتطلب جهداً وإعادة تثقيف لعلاج وَهْم المهام المقدسة والحروب الدينية داخل المجتمع الواحد.

وهذا الوضع يتطلب تكاتف كافة القطاعات من إعلام وتعليم وتثقيف وتوعية من أجل التصدي والوقف في وجه (الدون كيشوتين الجدد) وبقاياهم الذين شغلوا البلاد والعباد بحروب طواحين الهواء.