العزف على الجنازة
الخميس / 14 / ذو القعدة / 1442 هـ الخميس 24 يونيو 2021 23:37
مالك عبيد
مهما حاولت بعض الأطراف اللبنانية إعادة تعليب الحالة المزرية التي بلغها وطنهم، وتصدير مشاهدها مغلفة بالكثير من العروض المسرحية المصحوبة بالعزف والرقص كوسيلة للاحتجاج والتعبير عن الرأي، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة ما يدور على أرض الواقع. فكل التفاصيل التي يعيشها المواطن اللبناني اليوم تحكي قصة أخرى أكثر سوداوية وتشاؤماً مما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي. بل ولا يمكن تبريرها بترديد شعار «الاستثنائية اللبنانية».
فمشهد الرجل الذي يجلس على قارعة الطريق العام ليعزف مقطوعات موسيقية وغنائية بهدف تسلية أصحاب المركبات الغاضبين واليائسين، يشبه مشهد جلب الراقصة لتسلية المتظاهرين في ساحات الاعتصام من قبل. وهذه الأمثلة بالحقيقة هي جزء بسيط من المشاهد البشعة والمعيبة التي تجعل من لبنان سيركاً مؤلماً لمشاهديه. سيرك يكتظ باليائسين الفاقدين على مسرحه وتحت خيمته كرامتهم وعزتهم.
مشكلة لبنان ليست عابرة ومن يعانون من الانتظار لساعات طويلة كي يحصلوا على (تنكة بانزين) كما يسميها اللبنانيون، على سبيل المثال لا الحصر، ليسوا بحاجة لمن يحل مشاكلهم بالتسلية. فلم يسبق أن ذكر في كل الأعراف الفنية والسير التاريخية والمسرحية أن ثمة علاقة بين محطة لتعبئة الوقود والمحروقات وبين الفن إلا إن كان من يقوم بهذا الفعل رجال يعانون من انفصام في الشخصية. وليس أقبح من أن يتفاقم داء الأنا والنخبوية لدى بعض المثقفين ليروا في كل ذلك فرادة ثقافية وأن الأزمة يمكن علاجها بالفن، بينما يتلاشى المنطق والعقل والإحساس بالمسؤولية حين يقرع جرس الملفات الحساسة، ليتمترس الكل حول طائفته ضد الآخر حتى وإن كان الثمن هو غرق البلد في مستنقعات من الفشل الذريع والتآكل والتناحر. وهو الشيء الذي لا يعكس «لبنان المختلف» بقدر ما يعكس عمق الأزمة، وأن العين الناقدة للوضع ما تزال تنظر إلى الجهة الخطأ منذ الحرب الأهلية، بل وتحاول علاج مشاكلها بالمسكنات ليس أكثر.
لا أحد يملك الحق في مصادرة حرية الآخر في ما يفعل سواء بالعزف أو بالبكاء أو برفع اللافتات أو بالصمت حتى.. لكن ذلك لا يعني أن يستمر السباق من أجل تعزيز صورة نمطية مميزة، على كل الخطوات العملية لمواجهة الواقع بشجاعة ومعالجة الأسباب الحقيقية للأزمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فلا زمان ولا مكان لتقديس الصورة البراقة عن الشعب العنيد، الخارق للعادة، ما دامت التايتانك اللبنانية بكل طوائفها وطبقاتها الاجتماعية آخذة بالغرق يوماً بعد يوم.
جبهات عديدة يجابهها المواطن اللبناني اليوم ويخوض فيها حربه الطاحنة يائساً منذ ما قبل إعلان حكومته التوقف عن سداد ديونها ولغاية الآن. مع استمرار انهيار العملة، وسوء الخدمات العامة، وضياع مدخرات الناس في البنوك الوطنية، وتشديد القيود على سحب العملات الأجنبية. وصولاً إلى رواج تجارة الأسلحة بسبب ارتفاع معدلات الجريمة بنسب تفوق 100%. ليشكل كل ذلك ضغطاً على الأجهزة الأمنية ويضعف من قدرتها على أداء مهماتها. وليصبح الحلم بالهجرة خارج الوطن قاسماً مشتركاً بين كافة طبقات الشعب بلا استثناء.
عميقة هي المأساة التي يعيشها الشارع اللبناني. ويبدو أن حالته قد بلغت مرحلة خطيرة من الإنكار واستمراء البشاعات. وليس أمام اللبنانيين اليوم إلا أن يواجهوا حقيقة أن بلدهم ليس بخير.. وأن قادة طوائفهم ما زالوا يسجلون النجاحات تلو النجاحات في أخذ الشعب بعيداً عن المسببات الحقيقية لمعاناته، وما يزالون قادرين على إقناعه منذ الحرب الأهلية أن الطائفة بديل للوطن ولا بأس بالعزف والرقص وإدمان الجدل وعبادة شعار «الاستثنائية اللبنانية» لأنه استحقاق طبيعي وميزة ربما.. متناسين أن كثرة المساحيق هي ما تميز وجه المهرج عن غيره.
فمشهد الرجل الذي يجلس على قارعة الطريق العام ليعزف مقطوعات موسيقية وغنائية بهدف تسلية أصحاب المركبات الغاضبين واليائسين، يشبه مشهد جلب الراقصة لتسلية المتظاهرين في ساحات الاعتصام من قبل. وهذه الأمثلة بالحقيقة هي جزء بسيط من المشاهد البشعة والمعيبة التي تجعل من لبنان سيركاً مؤلماً لمشاهديه. سيرك يكتظ باليائسين الفاقدين على مسرحه وتحت خيمته كرامتهم وعزتهم.
مشكلة لبنان ليست عابرة ومن يعانون من الانتظار لساعات طويلة كي يحصلوا على (تنكة بانزين) كما يسميها اللبنانيون، على سبيل المثال لا الحصر، ليسوا بحاجة لمن يحل مشاكلهم بالتسلية. فلم يسبق أن ذكر في كل الأعراف الفنية والسير التاريخية والمسرحية أن ثمة علاقة بين محطة لتعبئة الوقود والمحروقات وبين الفن إلا إن كان من يقوم بهذا الفعل رجال يعانون من انفصام في الشخصية. وليس أقبح من أن يتفاقم داء الأنا والنخبوية لدى بعض المثقفين ليروا في كل ذلك فرادة ثقافية وأن الأزمة يمكن علاجها بالفن، بينما يتلاشى المنطق والعقل والإحساس بالمسؤولية حين يقرع جرس الملفات الحساسة، ليتمترس الكل حول طائفته ضد الآخر حتى وإن كان الثمن هو غرق البلد في مستنقعات من الفشل الذريع والتآكل والتناحر. وهو الشيء الذي لا يعكس «لبنان المختلف» بقدر ما يعكس عمق الأزمة، وأن العين الناقدة للوضع ما تزال تنظر إلى الجهة الخطأ منذ الحرب الأهلية، بل وتحاول علاج مشاكلها بالمسكنات ليس أكثر.
لا أحد يملك الحق في مصادرة حرية الآخر في ما يفعل سواء بالعزف أو بالبكاء أو برفع اللافتات أو بالصمت حتى.. لكن ذلك لا يعني أن يستمر السباق من أجل تعزيز صورة نمطية مميزة، على كل الخطوات العملية لمواجهة الواقع بشجاعة ومعالجة الأسباب الحقيقية للأزمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فلا زمان ولا مكان لتقديس الصورة البراقة عن الشعب العنيد، الخارق للعادة، ما دامت التايتانك اللبنانية بكل طوائفها وطبقاتها الاجتماعية آخذة بالغرق يوماً بعد يوم.
جبهات عديدة يجابهها المواطن اللبناني اليوم ويخوض فيها حربه الطاحنة يائساً منذ ما قبل إعلان حكومته التوقف عن سداد ديونها ولغاية الآن. مع استمرار انهيار العملة، وسوء الخدمات العامة، وضياع مدخرات الناس في البنوك الوطنية، وتشديد القيود على سحب العملات الأجنبية. وصولاً إلى رواج تجارة الأسلحة بسبب ارتفاع معدلات الجريمة بنسب تفوق 100%. ليشكل كل ذلك ضغطاً على الأجهزة الأمنية ويضعف من قدرتها على أداء مهماتها. وليصبح الحلم بالهجرة خارج الوطن قاسماً مشتركاً بين كافة طبقات الشعب بلا استثناء.
عميقة هي المأساة التي يعيشها الشارع اللبناني. ويبدو أن حالته قد بلغت مرحلة خطيرة من الإنكار واستمراء البشاعات. وليس أمام اللبنانيين اليوم إلا أن يواجهوا حقيقة أن بلدهم ليس بخير.. وأن قادة طوائفهم ما زالوا يسجلون النجاحات تلو النجاحات في أخذ الشعب بعيداً عن المسببات الحقيقية لمعاناته، وما يزالون قادرين على إقناعه منذ الحرب الأهلية أن الطائفة بديل للوطن ولا بأس بالعزف والرقص وإدمان الجدل وعبادة شعار «الاستثنائية اللبنانية» لأنه استحقاق طبيعي وميزة ربما.. متناسين أن كثرة المساحيق هي ما تميز وجه المهرج عن غيره.