تأخر قطار الاتحاد الجمركي العربي إلى 2015 أفضل من عدم وصوله

عكاظ تفتح الملف الشائك: منطقة التجارة العربية الحرة ماذا أضافت للاقتصاد العربي؟

أشرف مخيمر ـ القاهرة

دخلت منطقة التجارة العربية الحرة حيز التنفيد عام 2005 ,ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عن الاتحاد الجمركي العربي في إطار خطوات جادة لتفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك والنهوض بالاقتصاد العربي، لا سيما وان الحديث عن قيام تكتل اقتصادي عربي بدأ منذ العام 1950 م والى الآن فإن خطوات إنشاء سوق عربية مشتركة تسير على استحياء. وكان الجميع يترقب صدور قرار بإنشاء الاتحاد الجمركي بين العرب فى بداية عام 2009 على هامش القمة الاقتصادية المقبلة والتي ستعقد بدولة الكويت في يناير المقبل، وذلك وفق تأكيدات من الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أمام تجمع طلابي هذا العام بمصر، الا أن الصدمة جاءت بعد إعلان الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بجامعه الدول العربية الدكتور محمد إبراهيم التو يجري أن الاتحاد الجمركي قد يرى النور عام 2015.
ما هي أسباب تأخر إعلان الاتحاد الجمركي ؟ وماذا يعنى التأجيل؟ وما تقييم الخبراء لأداء منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى بعد تلك السنوات؟ وهل ستكون قمة الكويت المنقذ لحل كل المشكلات الاقتصادية ؟ ولماذا نحن العرب نهرول دائما نحو الاخر ولانهرول نحو أنفسنا ؟
أسئلة عديدة في ملف اليوم نفتحها أمام الخبراء والمسؤولين للرد عليها في إطار تطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك والرغبة الملحة في ان يكون لنا كيان وتكتل مستقل يحمل هويتنا العربية اقتصاديا.
اكمال البنية
في البداية يرى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الدكتور محمد إبراهيم التو يجري إن الاتحاد الجمركي من أهم مشاريع العمل العربي المشترك وهو لم يلغ ولم يجمد على الإطلاق .
وقال لـ “عكاظ”: نحن نعمل بجدية , وفي الأسبوع الماضي اختتمت لجنة الإتحاد الجمركي العربي أعمال اجتماعها السابع بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة برئاسة مدير إدارة الشؤون الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والتجارة بدولة قطر سعود جاسم الجفيرى وبمشاركة وفود الدول العربية والمنظمات العربية المتخصصة.
لكن الموضوع ليس بالسهل، وهناك خطوات أخرى تحتاج استكمال مثل قواعد المنشأ وتوحيد المقاييس وغيرها من الإجراءات الأخرى وأيضا اكتمال منظمة الجمارك وتوحيد التشريعات .وأنه من المتوقع إطلاق الإتحاد الجمركي العربي بحلول عام 2015 وفقا للمخطط الذي وضعته الأمانة العامة للجامعة العربية ووافقت عليه القمة العربية التاسعة عشرة في الرياض. ونحن الآن بصدد استكمال متطلبات منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ بالفعل في عام 2005 باعتبار ان هذا الموضوع هو بند دائم على جدول أعمال لجنة الإتحاد الجمركي.
ونحن نعمل وكل منظمات العمل العربي المشترك تعمل من اجل وضع الحلول وإزالة المعوقات ولدينا الوقت لانجاز العديد من المهام ونتمنى ان يتم الإعلان عن قيام الاتحاد الجمركي قبل هذا التوقيت.
خطوات جادة
اما المحاسب محمود فؤاد بالمجــــموعة العـــربية للإعلان - مسك - واحد الباحثين فيرى ان هناك تأخيرا كبيرا في إعداد الملفات الاقتصادية العربية ويقول لـ «عكاظ» في القاهرة ان المتابع لسير منطقة التجارة العربية يلاحظ انه لا جديد في حجم التجارة البينية العربية وكنا ننتظر قيام اتحاد جمركي موحد بين العرب مطلع العام المقبل 2009 من اجل مزيد من حرية التدفق التجاري ورؤوس الأموال وزيادة عدد المعارض بين الدول العربية من اجل زيادة التجارة البينية العربية. مطلوب خطوات جادة وملموسة يشعر بها رجل الأعمال والمستثمر والمواطن.
الاطر العامة
ويرد الدكتور صالح بكر الطيار على تلك التساؤلات قائلا: إن ان تلك المطالب مشروعة، ولكن الجامعة العربية تعمل دائما وأبدا من اجل الصالح العام . وحققت خلال الفترة الماضية مزيدا من الانجازات . ويضيف :إن الاتحاد الجمركي العربي يحتاج إلى وضع خطوات مرحلية لتطبيقه وتجاوز مرحلة التفاوت الجمركي مع العالم الخارجي عن طريق توحيد التعرفة الجمركية والاتفاق على الإطارين العام والمؤسسي والأحكام العامة للاتحاد الجمركي العربي.
ويوضح الدكتور الطيار الفرق بين المنطقة الحرة والاتحاد الجمركي قائلا: تعرف منطقة التجارة الحرة بأنها صورة من صور التكتل بين دولتين أو أكثر، وتهدف إلى إلغاء كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة في السلع والخدمات فيما بينها، لارتفاع حجم التبادل التجاري، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتأسيس عمليات التكامل الإنتاجي، ويتم تحديد فترة زمنية لتنفيذ منطقة التجارة المتفقة بين البلدين، ثم يتم من خلالها إزالة الحواجز.
وثمة اختلاف بين منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، فالأولى تتوحد فيها المعاملة الجمركية بين الدول الأعضاء فقط، لكن الثانية تتوحد فيها المعاملة للدول الأعضاء عند تعاملها مع الدول الأخرى غير الأعضاء، ونلاحط أن التعاون الاقتصادي العربي بات ضرورة ملحة تمليها تحديات النظام العالمي الجديد المبني على تحرير المبادلات التجارية.
التجربة الخليجية
ويضيف أن هناك حديثا عن تجربة مجلس التعاون الخليجي وهى تجربة ناجحة بكل المقاييس ، وأوضح الدكتور الطيار أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت خلال الاجتماع الأول للجنة الفنية للقانون العربي الموحد، الذي شاركت فيه وفود 14 دولة، في أن تجعل القانون الجمركي الخليجي الموحد ورقة العمل الأساسية لعمل اللجنة الفنية للقانون الجمركي العربي الموحد التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بجامعة الدول العربية، في إطار عملية الإعداد للقانون العربي الموحد خلال الفترة المقبلة.
مشيرا إلى أن معدلات الأداء خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي العربي لا تلبي طموحات الشعوب العربية في هذا المجال، إلآ أن التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة العربية تؤكد أهمية الإسراع في معالجة القضايا العالقة ووضع الحلول الناجعة للمعوقات التي تواجه قيام المنطقة الحرة.
البداية من الرياض
الخبير الاقتصادي المعروف سليمان عبدالحليم منصور المدير العام السابق لبنك القاهرة تحدث باستفاضة عن منطقة التجارة العربية الكبرى والسوق العربية المشتركة قائلا لـ”عكاظ”: بادئ ذي بدء نعترف أن المواطن العربي محبط ولم يعد يثق بأي مشروع مشترك سواء أكان هذا المشروع على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي، بل إن البعض يقول بعدم جدوى وجود جامعة الدول العربية. وان مشروع الاتحاد الجمركي لن يرى النور.
التحديات
ولكن الخطوات التي حققها في هدوء مشروع السوق العربية المشتركة ستعالج كل مشكلات الماضي ليس لأن الخطوات التي قطعها المشروع تبعث على التفاؤل، ولكن لأن التحديات المحيطة بالوطن العربي فرضت على الزعامات العربية ضرورة اتخاذ المبادرات الكفيلة بتحقيق المصالح المشتركة وإيقاف الآلة الخارجية التي نجحت في الماضي في عرقلة سلسلة من المشاريع الاقتصادية والسياسية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية. والجديد في المشروع الاقتصادي العربي الكبير بعد قيام منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى أن أمير الكويت اقترح في القمة العربية التي عقدت في عام 2007 في العاصمة الرياض أن تعقد قمة عربية اقتصادية لمناقشة سلسلة من مشاريع التكامل الاقتصادي العربي. وقد وافقت قمة الرياض بإجماع الاراء على عقد أول قمة عربية اقتصادية لمناقشة المراحل التي قطعها مشروع السوق العربية المشتركة، والوسائل الكفيلة باستكمال المشروع.
ومنذ القرار الذي اتخذته قمة الرياض بعقد قمة اقتصادية فقد دب في أروقة الجامعة العربية نشاط غير عادي لوضع أجندة القمة الاقتصادية حتى تتخذ القمة مجموعة قرارات تبدأ بمشروع الاتحاد الجمركي بحلول عام 2015 والسوق العربية المشتركة بحلول عام 2020، بمعنى أن القمة العربية الاقتصادية الأولى في تاريخ العمل العربي المشترك هدفها إزالة العقبات من أمام مشاريع الوحدة الاقتصادية ووضع الآليات اللازمة لمباشرة تنفيذ البرامج والمشاريع، ويبدو من خلال مشاريع القرارات إن الإرادة العربية الحالية قادرة على التغلب على العقبات العربية ـ العربية والعربية ـ الخارجية.
ودعونا نقول أن العرب يتجهون إلى تحقيق مشروع السوق العربية المشتركة بنجاح ودون زفة إعلامية حاشدة، واعتقد أن غياب الزفة الإعلامية عن المشروع الاقتصادي العربي الكبير يساعد على الوصول بالمشروع إلى مراحله النهائية بعيداً عن العوائق الخارجية التي دأبت إلى وضع العراقيل أمام أي مشروع عربي هدفه تحقق المصالح العربية الكبرى.
ويضيف سليمان عبد الحليم منصور: ان اندفاع الدول العربية نحو السوق العربية المشتركة يأتي في ظروف اقتصادية عربية جيدة، فقد تحسن أداء الاقتصاد العربي بسبب ارتفاع أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها معظم الدول العربية حتى تعدى الناتج المحلي الإجمالي العربي لأول مرة قيمة التريليون دولار مقارنة بنحو 600 مليار دولار كمتوسط سنوي، كما زادت التجارة العربية البينية إلى 850 مليار دولار مقارنة بنحو 400 مليار دولار كمتوسط سنوي، وأدى ذلك إلى زيادة الفوائض العربية وزيادة الاستثمار في البنى الأساسية والاعمار والتشييد.
ويرى أن أولى مراحل تحقق السوق العربية المشتركة قد بدأت في عام 2005 بإنشاء منطقة التجارة العربية الحـرة بانضمام 17 دولة عربية من 22 دولة عربية، ولقد حققت هذه المنطقة نجاحات ملموسة على الأرض والآن تسعى الدول العربية من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية إلى وضع اتفاقية عربية لتحرير تجارة الخدمات والتي تشمل النقل والتأمين والسياحة لتستكمل بها مشروع منطقة التجارة العربية الحرة.
إن الحلم الاقتصادي العربي الذي بـدأ عام 1950 بإصدار اتفاقية الدفاع المشترك والوحدة الاقتصادية, سيتحقق قريباً بعد أن شعر العرب أن الأسواق العالمية التي نشأت بعد السوق العربية المشتركة بعقود طويلة, بدأت تظهر إلى حيز الوجود مثل منظمات آسيان ونافتا ومنظمة التجارة العالمية. وتكاد تخطف هذه الأسواق من السوق العربية المشتركة كل المزايا والمنافع الاقتصادية التي ستعود على الاقتصادات العربية بالخير والفائدة.
ونتصور أنه في أجواء الانتعاش الاقتصادي الذي سيسود الدول العربية، فإن جميع مشاريع التضامن العربي ستكون سالكة وقابلة للتنفيذ مهما اشتدت شراسة العدو الخارجي.
وفي النهاية إذا تحققت السوق العربية المشتركة، فإن هذا يعني أن وحدة كونفدرالية عربية تتحقق بين الدول العربية دون أن يصدر بها قرار ولكن التفاعلات الاقتصادية بين الدول العربية الأعضاء في السوق المشتركة ستجعل العلاقات السياسية بين الدول الأعضاء علاقات ذات مصالح مشتركة ترقى إلى مستوى الكونفدراليات.
وفي النهاية يرد الدكتور احمد جويلى الأمين العام لمجلس الوحدة العربية على كل التساؤلات المثارة لا سيما حول هرولة العرب الى الأخر والتلكؤ نحو أنفسنا كعرب ويقول بداية نحن نتحدث بالارقام وكل الأرقام والمؤشرات تشير إلى ان هناك تطورا في الطريق لتطور اخر بفضل تعاون كل البلدان العربية وسعيها نحو تحقيق خطوات ملموسة.
وتشير اخر تقاريرنا التي اعدت من قبل خبراء ومتخصصين الى انه يستهدف رفع معدلات التجارة البينية العربية إلى نحو 20% خلال خمس سنوات وذلك مقابل معدل يتراوح حاليا مابين 8.5 إلى 10% حاليا، من خلال خطط وبرامج عمل المجلس، ومن بينها مشروع إنشاء بوابة المعلومات الالكترونية الخاصة بالتجارة العربية على شبكة الانترنت لتكون نقطة موحدة للمعلومات الاقتصادية الرسمية للدول العربية.
وحول هرولة الدول العربية تجاه الآخر يقول أن الدول العربية تعتمد على استيراد 90 % من احتياجاتها من الخارج وأن الواردات لكل دولة عربية تكاد تكون متشابهة مع الاخرى حيث تستورد الغذاء والمنتجات الصناعية والمعدات. ومن هنا ارى تأجيل الحديث عن الهرولة لان هذا طبيعي على الاقل في الوقت الراهن.
إن حركة النقل بكافة أشكالها مازالت في حاجة الى تطوير وأن هذا العائق يمنع عبور البضائع ويزيد من كلفة الانتاج بالدول العربية مشيرا الى أن الظروف الاقتصادية دفعت بالدول العربية الى التكامل الاقتصادي داعيا الى تحويل السوق العربية المشتركة الى واقع. ومن هنا يرى ضرورة استغلال الفوائض المالية المتوفرة لدى الدول العربية حاليا في دعم مشاريع البنية التحتية خاصة الطرق والموانئ التي تسهل حركة التجارة بين البلدان العربية.