«البطالة» في السعودية مختلفة
الأحد / 17 / ذو القعدة / 1442 هـ الاحد 27 يونيو 2021 00:03
فهد إبراهيم الدغيثر
مؤشر البطالة من أهم مؤشرات التنمية في الدول المتقدمة، ومتابعة هذا المؤشر قد تخسف أو تقفز بالبورصات العالمية، ذلك أنه كلما قل عدد العاطلين عن العمل كلما وثق المهتمون أن الاقتصاد متعافٍ، وبالتالي يقبلون على شراء الأسهم والسندات وتحلق المؤشرات عالياً والعكس صحيح فيما عدا حالات استثنائية نادرة.
في المملكة نسبة البطالة أقل من 7% إذا تم قياسها على كامل عدد القوى العاملة في الدولة بصرف النظر عن الجنسيات، وهذا هو المؤشر الفعلي الذي يفترض أن يقاس الاقتصاد السعودي عليه. غير أننا في المملكة سمحنا بأن نضع نسبة البطالة بين السعوديين فقط وهي 12% المؤشر الكلي للاقتصاد، وأصبح هو الرقم الذي يتم تداوله مع الأسف في المنصات الإعلامية الكبرى ومراكز البحوث والبنوك العالمية والتقارير المالية وهذا غير دقيق. صحيح أن عمل السعوديين ومتابعة مؤشر البطالة بينهم مهم ويحظى بالأولوية في رؤية المملكة، لكن لا يجب أن يعتبر هو المؤشر الكلي لقوة الاقتصاد.
المملكة من الدول النامية التي تتمتع بعوامل مختلفة عن الدول المتقدمة، وأقصد بذلك التركيب الديموغرافي للسكان، إذ إن الغالبية العظمى من السكان هم من فئة الشباب، وبالتالي فإن أعداد المتخرجين الجدد كل عام كبيرة وتتفوق غالباً على عدد الفرص الجديدة في سوق العمل. بمعنى آخر لو أن السوق يخلق 100 ألف وظيفة جديدة كمعدل سنوي على سبيل المثال فقط، يلتحق بها 60% من السعوديين على الأكثر؛ أي 60 ألف سعودي، نجد في المقابل أن عدد المتخرجين الجدد يزيد على 100 ألف شاب وشابة. هذا يعني أن نسبة البطالة بين السعوديين ربما ترتفع سنوياً بدلاً من أن تنقص حتى مع خلق وظائف جديدة، وهذا في الغالب ما يحدث على أرض الواقع هنا وإن بنسب وأرقام مختلفة عن هذا المثال. الذي يجب أن نستوعبه أن هذا المشهد سيستمر لعقد أو عقدين ما لم نضع بعض المبادرات الجريئة غير المعتادة، وسآتي على ذكر بعضها، حتى تبدأ الخارطة الديموغرافية بالتغير. أقصد حتى يبدأ عدد الشباب بين السكان بالاقتراب من نصف عدد السكان بدلاً من الأغلبية الساحقة كنتيجة لتناقص عدد أفراد الأسرة الواحدة. عندئذ سنشاهد تساوياً معقولاً بين الوظائف الجديدة وعدد طلابها من أبناء وبنات الوطن.
هناك أيضاً عوامل أخرى تبقي على رقم البطالة بين السعوديين مرتفعاً، وأقصد بذلك التضييق على أبناء وبنات الوطن بواسطة المقيمين من الخارج. ما يساعد على ذلك التستر التجاري والعمالة الأجنبية السائبة التي تقبل بأجور متدنية لا يقبل بها السعوديون؛ كشاهد على ذلك اذهب إلى أي متجر للإضاءة مثلاً في شارع عام وسترى بعد خروجك منه عشرات الشبان العرب من دول شقيقة يعرضون خدماتهم عليك لتركيب ما يعتقدون بأنك قد اشتريته. نفس المشهد أمام متاجر الدهانات وقطع الغيار والأدوات الصحية، عماله سائبة لا أعرف كيف تكاثرت هنا ومن يراقبها. بينما لو لم توجد هذه الظاهرة لشاهدنا نمواً في منشآت خاصة للصيانة ومملوكة للمواطنين حتى لو عمل معهم أجانب. نفس المشهد يتكرر في تجارة التجزئة حيث لا تجد سعودياً واحداً يدير بقالة بنفسه كما يفعل الشاب اليمني هنا مثلاً، بل وكما يفعل أي مواطن في بلده. صحيح أن انتشار السعوديين في قطاع التجزئة في مراكز التسوق الكبرى أصبح واقعاً ملموساً لكنه اقتصر على ذلك ولم يتمكن من اختراق المتاجر الصغيرة الأكثر عدداً في مناطق المملكة الواسعة.
من المبادرات التي أراها مهمة في مواجهة البطالة وقد تختصر علينا بعض المسافات، بجانب المشاريع الجديدة الكبرى القادمة التي ننتظر منها خلق الوظائف الواعدة، زرع مفهوم التدريب على رأس العمل ووضع آلية جديدة لتشجيعه. نتحدث هنا عن طالب عمل مستجد لا يملك الخبرة الكافية أو التأهيل العلمي أو لطالب عمل تخصصه العلمي وخبرته مختلفة عن الوظيفة الجديدة التي سيتقدم إليها. في هذه الحالات يصبح التدريب على العمل في المنشأة ضرورياً والزامياً، ولا مانع من مشاركة الموظف نفسه بتغطية هذه التكاليف من خلال قبوله بمرتب رمزي لعدة أشهر حتى يتم تثبيته كموظف مسؤول. هذه الممارسة منتشرة في كل الدول المتقدمة ولا يوجد هنا جديد في ممارستها. كم من مهندس فيزيائي مثلاً انتهى به الأمر ليصبح مديراً للتسويق في شركة للمواد الاستهلاكية. بل كم متخصص في التسويق أصبح رئيساً تنفيذياً في شركة لصناعة الكمبيوترات. سبب حديثي عن هذه المبادرة هو إصرار طالب العمل في كثير من الأحيان على وجود وظيفة تتصل بتخصصه العلمي.
ميدانياً هناك حاجة ملحة لغربلة كاملة لسوق العمل تأخذ صفة الاستمرارية وليس مجرد حمله مؤقتة. التسيب المرعب الذي سمحنا له لعدة عقود أن يتجذر في مدننا الكبيرة لا يضيق الخناق على عمل أبناء الوطن ويقدم خدمات رديئة الجودة فقط، بل يحمل مخاطر أمنية وصحية على المجتمع من خلال البيئة الرديئة الغامضة التي يعمل بها في الأحياء القديمة ولست بحاجة لتكرار مئات الحالات التي يتم كشفها والتي لا تشكل إلا النزر الضئيل مما هو واقع على الأرض.
لو نولي مثل هذه المبادرات ويوجد الكثير غيرها، فسنكتشف أن اقتصادنا الذي يأوي أكثر من 13 مليون أجنبي ربما قادر بشكل لم نتصوره من قبل على استيعاب مليونين من السعوديين والسعوديات العاطلين عن العمل، وبالتالي الوصول إلى النسبة المرسومة ضمن أهداف الرؤية وأكثر مع الاعتراف بالطبع بأننا لا يمكن بأي حال الاستغناء كلياً عن الأجانب في الكثير من المهن.
في المملكة نسبة البطالة أقل من 7% إذا تم قياسها على كامل عدد القوى العاملة في الدولة بصرف النظر عن الجنسيات، وهذا هو المؤشر الفعلي الذي يفترض أن يقاس الاقتصاد السعودي عليه. غير أننا في المملكة سمحنا بأن نضع نسبة البطالة بين السعوديين فقط وهي 12% المؤشر الكلي للاقتصاد، وأصبح هو الرقم الذي يتم تداوله مع الأسف في المنصات الإعلامية الكبرى ومراكز البحوث والبنوك العالمية والتقارير المالية وهذا غير دقيق. صحيح أن عمل السعوديين ومتابعة مؤشر البطالة بينهم مهم ويحظى بالأولوية في رؤية المملكة، لكن لا يجب أن يعتبر هو المؤشر الكلي لقوة الاقتصاد.
المملكة من الدول النامية التي تتمتع بعوامل مختلفة عن الدول المتقدمة، وأقصد بذلك التركيب الديموغرافي للسكان، إذ إن الغالبية العظمى من السكان هم من فئة الشباب، وبالتالي فإن أعداد المتخرجين الجدد كل عام كبيرة وتتفوق غالباً على عدد الفرص الجديدة في سوق العمل. بمعنى آخر لو أن السوق يخلق 100 ألف وظيفة جديدة كمعدل سنوي على سبيل المثال فقط، يلتحق بها 60% من السعوديين على الأكثر؛ أي 60 ألف سعودي، نجد في المقابل أن عدد المتخرجين الجدد يزيد على 100 ألف شاب وشابة. هذا يعني أن نسبة البطالة بين السعوديين ربما ترتفع سنوياً بدلاً من أن تنقص حتى مع خلق وظائف جديدة، وهذا في الغالب ما يحدث على أرض الواقع هنا وإن بنسب وأرقام مختلفة عن هذا المثال. الذي يجب أن نستوعبه أن هذا المشهد سيستمر لعقد أو عقدين ما لم نضع بعض المبادرات الجريئة غير المعتادة، وسآتي على ذكر بعضها، حتى تبدأ الخارطة الديموغرافية بالتغير. أقصد حتى يبدأ عدد الشباب بين السكان بالاقتراب من نصف عدد السكان بدلاً من الأغلبية الساحقة كنتيجة لتناقص عدد أفراد الأسرة الواحدة. عندئذ سنشاهد تساوياً معقولاً بين الوظائف الجديدة وعدد طلابها من أبناء وبنات الوطن.
هناك أيضاً عوامل أخرى تبقي على رقم البطالة بين السعوديين مرتفعاً، وأقصد بذلك التضييق على أبناء وبنات الوطن بواسطة المقيمين من الخارج. ما يساعد على ذلك التستر التجاري والعمالة الأجنبية السائبة التي تقبل بأجور متدنية لا يقبل بها السعوديون؛ كشاهد على ذلك اذهب إلى أي متجر للإضاءة مثلاً في شارع عام وسترى بعد خروجك منه عشرات الشبان العرب من دول شقيقة يعرضون خدماتهم عليك لتركيب ما يعتقدون بأنك قد اشتريته. نفس المشهد أمام متاجر الدهانات وقطع الغيار والأدوات الصحية، عماله سائبة لا أعرف كيف تكاثرت هنا ومن يراقبها. بينما لو لم توجد هذه الظاهرة لشاهدنا نمواً في منشآت خاصة للصيانة ومملوكة للمواطنين حتى لو عمل معهم أجانب. نفس المشهد يتكرر في تجارة التجزئة حيث لا تجد سعودياً واحداً يدير بقالة بنفسه كما يفعل الشاب اليمني هنا مثلاً، بل وكما يفعل أي مواطن في بلده. صحيح أن انتشار السعوديين في قطاع التجزئة في مراكز التسوق الكبرى أصبح واقعاً ملموساً لكنه اقتصر على ذلك ولم يتمكن من اختراق المتاجر الصغيرة الأكثر عدداً في مناطق المملكة الواسعة.
من المبادرات التي أراها مهمة في مواجهة البطالة وقد تختصر علينا بعض المسافات، بجانب المشاريع الجديدة الكبرى القادمة التي ننتظر منها خلق الوظائف الواعدة، زرع مفهوم التدريب على رأس العمل ووضع آلية جديدة لتشجيعه. نتحدث هنا عن طالب عمل مستجد لا يملك الخبرة الكافية أو التأهيل العلمي أو لطالب عمل تخصصه العلمي وخبرته مختلفة عن الوظيفة الجديدة التي سيتقدم إليها. في هذه الحالات يصبح التدريب على العمل في المنشأة ضرورياً والزامياً، ولا مانع من مشاركة الموظف نفسه بتغطية هذه التكاليف من خلال قبوله بمرتب رمزي لعدة أشهر حتى يتم تثبيته كموظف مسؤول. هذه الممارسة منتشرة في كل الدول المتقدمة ولا يوجد هنا جديد في ممارستها. كم من مهندس فيزيائي مثلاً انتهى به الأمر ليصبح مديراً للتسويق في شركة للمواد الاستهلاكية. بل كم متخصص في التسويق أصبح رئيساً تنفيذياً في شركة لصناعة الكمبيوترات. سبب حديثي عن هذه المبادرة هو إصرار طالب العمل في كثير من الأحيان على وجود وظيفة تتصل بتخصصه العلمي.
ميدانياً هناك حاجة ملحة لغربلة كاملة لسوق العمل تأخذ صفة الاستمرارية وليس مجرد حمله مؤقتة. التسيب المرعب الذي سمحنا له لعدة عقود أن يتجذر في مدننا الكبيرة لا يضيق الخناق على عمل أبناء الوطن ويقدم خدمات رديئة الجودة فقط، بل يحمل مخاطر أمنية وصحية على المجتمع من خلال البيئة الرديئة الغامضة التي يعمل بها في الأحياء القديمة ولست بحاجة لتكرار مئات الحالات التي يتم كشفها والتي لا تشكل إلا النزر الضئيل مما هو واقع على الأرض.
لو نولي مثل هذه المبادرات ويوجد الكثير غيرها، فسنكتشف أن اقتصادنا الذي يأوي أكثر من 13 مليون أجنبي ربما قادر بشكل لم نتصوره من قبل على استيعاب مليونين من السعوديين والسعوديات العاطلين عن العمل، وبالتالي الوصول إلى النسبة المرسومة ضمن أهداف الرؤية وأكثر مع الاعتراف بالطبع بأننا لا يمكن بأي حال الاستغناء كلياً عن الأجانب في الكثير من المهن.