ثقافة وفن

التعاضد التأويلي لصناعة المعنى الأنثوي في البحريات والوارفة

د. أميرة محارب العتيبي

في أغلب سردها الذي يأتي بصورة الساردة القادرة والمتحكمة في مسارات وخطابات السرد الروائي، والتي تستطيع أن تبني شخصيَّاتها وترهنها سردياً بما تريد أن تقول وتصف وتتحرك، تأتي روايات الروائية أميمة الخميس خصوصاً روايتي البحريات، الوارفة.

وباعتماد نظرية العوالم الممكنة عند الناقد الإيطالي (أمبرتو إيكو) بواسطة القارئ الأنموذجي شاعت المحكيات الأنثوية التي تحتاج لفهم عوالمها الممكنة إلى نشاط تعاضدي من القارئ النموذجي. كانت أهم العوالم التي صنعت المعنى الأنثوي كانت عالم الإقصاء، عالم الجسد، عالم العاطفة.

فكان عالم الإقصاء عالماً دينامياً حيوياً يتشابك في تفاصيل الشخصيات النسوية ويتحكم في مصائرهنّ. بعد ولوج القارئ للرواية من خلال العنوان: البحريات، سيبحث عن ماهية البحريات، وفي قراءته لمدخل الرواية، سيجد أن الكاتبة مكنته من العبور إلى مجتمع نجدي صحراوي بحت أسقطت فيه تشفيرات اجتماعية من قبيل قرائن نصية ظاهرة. حققت الكاتبة ثلاث استراتيجيات نصية (خصوصية المجتمع، عدم تمكين المرأة، واختلاف الهوية) تبعه سلسلة من التعضيدات التأويلية. أما في رواية (الوارفة) فقد عانت البطلة (الجوهرة) من صيرورة عالم الإقصاء؛ فلم تتمكن من القدرة على الاختيار، ظلت هذه العقدة تغذي محكياتها السردية، فاعتمدت الكاتبة استراتيجية (الخصوصية، تكثيف معاناة المرأة، ثمن الاختيار) مما فتح التأويل للقارئ في اشتراكه لصنع المعنى. أما عالم الجسد تمظهر بالتجذر والانغماس والحبس واللا رغبة، وقد استخدمت الكاتبة استراتيجياتها في (البحريات) (اختلاف مكون الجسد، عدم الرغبة) لتحصل على تأويل منفتح من قارئ يتعامل مع جسد مختلف. أما رواية الوارفة كان الجسد معطلاً لذا استخدمت الكاتبة استراتيجية الوصف لتنبيه كفايات القارئ الأيدولوجية بعدم التوغل في الجسد كثيراً.

وتشكل عالم العاطفة باللا خيار واللا رغبة والعدمية والتحريم والصراع، اتسقت تفاصيله في رواية البحريات على فكرة عدم الاختيار؛ فرهنت الكاتبة استراتيجياتها وفقاً لذلك (الخصوصية، اختلاف المكون البيئي)، وفي رواية الوارفة انطلقت الكاتبة من ذات الخصوصية، فانتهج القارئ مسار الحذر فهو يملك كفاية إيدلوجية تمكنه من التصور بصعوبة حصول الحب في بيئة تتسم بفكرة أن الحب عيب ويسيء للرجال. ثم ينتج تأويله بأن الحب قرار شجاع يحتاج لطرفين يؤمنان بجديته وشراكتهما سويا في بنائه. انتهت الورقة بنتائج عدة، أهمها: توقعت الكاتبة إن قارئها النموذجي في الرواية اللاحقة/‏‏ الوارفة بعد روايتها السابقة/‏‏ البحريات هو ذاته. كما استطاع القارئ النموذج الانفلات بتأويل منفتح.