معجب الزهراني: إبداعنا بلغ الكونية.. بالمتوسّط الجيّد
رجاء عالم تقتحم ملتقى الرواية بـ «الملحمية» و«الغرائبية»
الخميس / 21 / ذو القعدة / 1442 هـ الخميس 01 يوليو 2021 01:45
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
تُختتم اليوم فعاليات ملتقى الرواية السادس في أدبي الباحة، بثلاث جلسات متخصصة في تداخل الأجناس والرؤية والرؤيا، والبنية الحكائية، والتصنيف الاجناسي، والرواية السيرذاتية، وضمت جلسات مساء أمس الأول نخبة من النقاد السعوديين والعرب والفرنسيين، واقتحمت أعمال الروائية رجاء عالم فضاء الملتقى من خلال إشارة الناقد الفرنسي (لوك باربليسكو) إلى تفعيل عالِم صيغة الراوي الملحمي المحاط بهالة بطولية كما في الحكايات القديمة، لافتاً إلى أن الراوي الحديث سرعان ما يحضر ويتدخل في الفعل السردي منبهاً القارئ المفترض إلى ضرورة الوعي بمجمل الفروقات الزمنية والمكانية رغم تداخل الأحداث وتفاعلاتها، فيما عدّ الناقد الدكتور معجب سعيد الزهراني، فوز رواية (طوق الحمام)، بالبوكر مناصفة مع الكاتب المغربي البارز محمد الأشعري، اعترافاً بكاتبة متميزة ترجمت أعمالها إلى لغات عدة وفازت بجوائز مهمة في فرنسا وألمانيا، مشيراً إلى التباس فضاءاتها وغرابة عوالمها، وأكد الزهراني أن منجزات الإبداع الوطني وبلوغ روايتنا الوطنية أفق العالمية، رغم افتقار المشهد المحلي لمجلات أدبية- نقدية عامة أو متخصصة ترصد وتصاحب وتحاور المنتجات الإبداعية بانتظام لتشكل مرجعاً معتمداً للقراء والباحثين.
وعدّ الناقد الفرنكفوني سيرورة خطابنا الروائي منتجاً ثقافياً وثاباً وجذاباً يحضر ويحضرنا معه في قلب الجدل الإبداعي والثقافي المعاصر عربياً وعالمياً.
ونوّه صاحب (رقص) بتقدمنا عربياً في الفوز بالبوكر على دول سبقتنا في الكتابة الروائية، مؤكداً أن فوز رواية عبده خال «ترمي بشرر» بجائزة البوكر العربية المرموقة، تتويج مهم يستحقه قاص متمرس ظل وفيّا للكتابة السردية، ونصه استثنائي يزاوج بين الرؤى الاجتماعية الواقعية والملحمية الأسطورية بدءا بعنوانه. مشيراً إلى فوز رواية يوسف المحيميد الأولى «فخاخ الرائحة» بجائزة إيطالية مرموقة، وروايته الأخيرة «الحمام لا يطير في بريدة» بجائزة أبي القاسم الشابي في تونس، ما يعني أن المغامرات ظلت تتوالى والمنجزات تتراكم ودوائر التلقي تتسع ومعالم التميز تتنوع بنوع من الانتظام، وأوضح أن رواية محمد حسن علوان «موت صغير» قفزة نوعية في سياقها الوطني والجهوي واستحقت الجائزة العربية العالمية ذاتها، ونالت الترجمة الفرنسية لروايته «القندس» جائزة (لاغاردير) التي يشرف عليها معهد العالم العربي وتمنح سنويا لأفضل الأعمال العربية المترجمة. مضيفاً أن روايات أميمة الخميس نالت تلقيا محليا جيدا، وحازت روايتها المتميزة «مسرى الغرانيق في مدن العقيق» جائزة نجيب محفوظ، ما عده مؤشراً على اتصال القفزات الوثابة والجاذبية القوية لخطاب روائي تحول في غضون سنوات إلى رافد حيوي غني في النهر الكبير. ووصف صاحب سيرة الوقت رواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي رحمه الله، بمفاجأة كبيرة للقراء والنقاد في منطقة الخليج إذ لم يتعود الناس أن تبادر شخصية ثقافية واجتماعية معروفة مرموقة فتكتب عن تجارب الذات الإنسانية بقدر وافر من الصدقية والجرأة والعمق والروح الساخرة، مستعيداً ما أثارت رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع من سجال نقدي واسع فور صدورها قبل أعوام، وترجمتها إلى أكثر من لغة، رغم أن الكاتبة فتاة لم تكن معروفة في الوسط الثقافي حينها ولم تتصل مغامراتها إلا أنها أول من استثمر مدونات التقنيات الاتصالية الحديثة في نص سردي باهر لا تنقصه الجرأة والحميمية، مضيفاً أن صدور (الإرهابي 20) لعبدالله ثابت حظي باهتمام واسع لدى القراء والنقاد في الداخل والخارج. واحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي، وتُرجم لأكثر من لغة عالمية، لافتاً إلى أعمال تركي الحمد وبدرية البشر ونورة الغامدي ويحيى سبعي وأحمد الدويحي وعبدالله بخيت، ويرى أن هذه المنتجات عمقت المسار وأغنت السيرورة وأثّرتْ في القراء بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم الثقافية بحكم أنها تندرج كلها ضمن ما يعرف في لغة النقد الأدبي «المتوسط الجيد» الذي تستقر فيه جل الروايات في كل أنحاء العالم.
فيما تناول الناقد المغربي الدكتور جميل حمداوي ورقة عمل عن (حجاج الايتوس في الرواية العربية) من خلال أعمال الروائي العربي أحمد المخلوفي وأوضح أن اللوغوس يستند إلى مجموعة من الحجج الواصلة والفاصلة وشبه المنطقية ومنها حجة التتابع، وحجة التقسيم، وحجة المقارنة، وحجة التمثيل، وحجة المثال، وحجة الاستشهاد، وحجة المفارقة، وحجة السخرية، وحجة التخييل، وحجة الكم، وحجة الكيف، وحجة الوحدة.. إضافة إلى حجاج الباطوس، المتمثل في استمالة الآخر هوويا وعاطفيا ووجدانيا، بتطهيره نفسيا وجسديا من خلال إثارة الخوف والشفقة، مشيراً إلى تأثيرات السرد في أعمال المخلوفي بالخبرة والكفاءة، والتركيز على حجة المقصدية، وحجة الترغيب والترهيب، وحجة التأثير، وحجة الإقناع، وحجة الاقتناع، وغيرها من الحجج الأخرى الموجهة إلى المتلقي كحجة الدعاية، وحجة التواصل، وحجة الإشهار، وحجة التداول، لافتاً إلى أن الكاتب يستخدم حجج التأثير لاستمالة الناس انفعاليا، ووجدانيا، وقيميا، وعاطفيا، ما يوفّر التأثير في عمليتي الحجاج والمحاججة إلى جانب الإقناع العقلي.
وقدمت الناقدة الدكتورة رحمة الله أوريسي ورقة عمل عن تداولية التعالق النصي في العتبات النصية للرواية العربية المعاصرة استعرضت عبرها مقاربة التعالقات النصية تداوليا من خلال التركيز على بعض النظريات الخاصة بالدرس التداولي ومنها: نظرية أفعال الكلام، ونظرية الاستلزام الحواري، وطرحت عددا من الأسئلة حول كيفية تمثيل التعالقات النصية مقوما بنائيا في المنجز الروائي العربي المعاصر، وموضوعا تداوليا؟ وهل تؤثر بأنواعها المتباينة في تشكيل بنية المنجز الروائي العربي المعاصر من حيث بعده التداولي؟ وما هي المقاصد التداولية للتعالقات النصية؟ وما علاقتها التواصلية بالمتخيّل الروائي العربي المعاصر؟
وتناول الناقد الدكتور محمد مصطفى حسانين، الذاكرة الأسطورية والهوية التاريخية في «أنفس» الروائي عبده خال، وذهب إلى أن في الرواية طموحاً سردياً لعقد حوار دلالي وفكري وجدل جمالي وتأويلي للذاكرة الثقافية والتاريخية عبر تضفير الواقعي بالأسطوري والعجائبي لتكوين أسئلة الهوية فردية وجماعية، مشيراً إلى أن الرواية تطرح أسئلة حول الخير والشر والوجود والكينونة والهوية فيتعانق فيها الفكري والتأملي والفلسفي مع السردي والجمالي في صوغ مراوغات الهوية الذاتية وتقمصها بالهوية الجماعية وانفلاتها منها ومسائلتها في آن، لافتاً إلى وعي الروائي عبده خال بالأسطورة وجمعه لعدد وافر منها في كتابين له؛ فضلا عن اكتناز رواياته السابقة بأبعاد أسطورية ما مكنه في «أنفس» من تكوين عمل إبداعي تكويني على هذا النحو من اكتناز الأسئلة وتنوع مستويات التأويل، وعدّها مدخلاً لسؤال الهوية الفردية والجماعية، وقضية العلاقة بين الواقع والأسطورة، وتشكلات الزمن الذي ينفلت من التحديد لينزلق جماليا إلى مراتب الترميز السردي. مشيراً إلى تلبس الرواية بالأساطير والمرويات والحكايات الشعبية عبر التقاطع مع شذرات منها أو إلماعات إلى مكوناتها المركزية، وتجسدها في أفعال التسمية بوصفه فعلاً يغوص في طقوس الأسطورة ليدلل على طاقة الاسم والتسمية بوصفها أفعالا سحرية وفوق طبيعية، ما يمنح بعض أبطال الرواية مثل: وحي...د- ثَنْوَى- قدّار..) دلالات مشرعة على الثنائيات المضادة، وعلاقتها بأسئلة يتقاطع فيها الزمني مع الأبدي، وسؤال التكوين والسلالة والتاريخ والطقوس إلى سؤال الراهن ومآلاته وتحولاته. وتمازج البنى الخرافية والشعبية، من خلال حفر سردي وتشكيل روائي أسطورى لبطل الرواية وحبيبته، يبدأ من رحم مجدب وينطلق في صورة مضغة وينمو في ظل شجرة رمان وتصاحبه نبوءة العراف «قدار»، الذي يفرق بينه وبين حبيبته المحتجبة «ثنوى»!. لتتداخل الأسطورة في تجسيد ثنوى التي تتشاكل مع فينوس وأفروديت وعشتار، وأساطير الحب والخصب والوعد، في ظل حالة من الاغتراب والاحتجاب والتشوه.
منى العنزي تتقصى
الأنساق في (الكنز التركي)
تسعى الورقة لتقصي أنساق الثقافة المضمرة في رواية (الكنز التركي) للكاتب سيف الإسلام بن سعود، للكشف عن فاعلية الأنساق من مفاهيم وحدود النقد الثقافي، باعتباره واحداً من أبرز المناهج النقدية المعاصرة فيما يُعرف بمناهج النقد ما بعد البنيوي.
وإبراز الممارسات النسقية الخاصة بها، من نماذج مختارة من الرواية، مع ربط هذه الممارسات بالتشكيل الفني للراوية نفسها.
ويمكن القول: إن هذا التشكيل من الناحية الفنية الجمالية يتبادل التأثير والتأثر مع الممارسات النسقية في بنيتيها الظاهرة والمضمرة، الأمر الذي يجعل من هذه الأنساق انعكاسا جماليا لفاعلية التشكيل الفني للرواية في جانب، كما يجعل من التشكيل الفني وجها نسقيا ظاهرا لتلك الأنساق؛ يخفي تحته فاعليتها التي تحرّك الممارسات الدلالية في بنيتها المضمرة، في الجانب المقابل.
تتناول الرواية الفترة التاريخية التي انهارت فيها الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما نتج عن هذا الانهيار من تأثير على مجريات الأحداث في المنطقة العربية.
وقامت الأحداث على صورة «كنز تركي» مكوّن من سبائك وعملات ذهبية تركية، تم إخفاؤها في لحظات الاضطراب الأخيرة من انهيار الدولة العثمانية، وانسحاب هيمنتها من المنطقة العربية، خصوصاً في واحدة من أبرز مناطقها: المدينة المنورة، ما كان سببا مباشرا في التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية في كامل الولايات العثمانية السابقة، مع كل التحولات العالمية اللاحقة، بتأثيراتها المختلفة على المنطقة العربية.
وما أعطى لهذا الارتباط قيمته الجمالية المميزة، اقترانه بمصير بطلي القصة الرئيسيين: مختار بك العثماني؛ كبير مهندسي الدولة العثمانية المنقضية، ومهند السعدي؛ الكاتب العربي السعودي، والأكاديمي اللامع في عصرنا الحاضر، والذي يشترك مع مختار بك العثماني في سمة رئيسة، تتمثّل في تلك المسحة الوجودية التي تجعلهما يعيدان التفكير مرة بعد مرة في مجريات الأحداث، وفي دلالتها؛ ماضيا وحاضرا.
وأعطت قصة الحب التي عاشها مختار بك العثماني، مع ناجية العربية الحجازية، للرواية، طابعا رومانسيا، يستعيد قصص الحب العربية، والمشرقية عامة. فيما أعطى الطابع العملي لمهند السعدي في عصرنا الحاضر، لهذه الشخصية العربية المثقفة، طابعا متناقضا، بخصائصها التي تعود إلى الثقافة، ككاتب صحافي وروائي، يثير الأسئلة والتحفظ بما يكتبه في طابعه الإشكالي الذي يفكك بنى الفساد في المجتمع، من جانب، وكأكاديمي يهتم ببحث مشكلات المجتمع من وجهة نظر الفلسفة الاجتماعية، مع الحرص على المكانة الاجتماعية، والاستفادة من هذه المكانة ومن تحولات المجتمع نفسه، ولعل من أبرزها تحوّل رجال السياسة إلى رجال أعمال، يستفيدون من تحولات الاقتصاد المحلي، في جانب، ومن مواقعهم الوظيفية والسياسية في جانب، في تحقيق مكاسب شخصية متعددة. وهو الأمر الذي انعكس على أغلب فئات المجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، في صورة الانكباب على حياة البذخ واللهو، في مقابل انقياد الشباب «الفقير»، أو المحاصر فكريا، إلى دعاوى الإرهاب والكره لكل مظاهر الحياة. وهذا الاختلاط ما بين ما هو سياسي واجتماعي، أو ما هو ثقافي وديني، يعد في ذاته واحدا من أبرز الخصائص الفنية التي يتميز بها التشكيل الفني في الرواية، تعبيرا عن اختلاط القيم نفسها في المجتمعات العربية.
وكان لطابع الاختلاط وتداخل الأنساق في ظهورها النصي، متضمنا في الوقت نفسه (نقد النسق) أي النسق المضمر، الذي يتجلى في التعليقات التي تأتي على لسان الراوي؛ متضمنة نقدا للذات ونقدا للممارسات المجتمعية بكل أشكالها. وعلى هذا النحو تكشف الرواية في تركيبها الفني الأبعاد النسقية المتداخلة، كما تكشف ضعف هذه الأنساق وتخفيها خلف ممارسات مجتمعية ودعاوى سياسية دينية.
وصلت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج البارزة، لعل من أهمها: تعبير اختلاط القيم الثقافية في المجتمع العربي المعاصر عن بنية قلقة غير مستقرة اجتماعيا في هذا المجتمع، كما تعبر عن حاجتنا إلى مراجعة فعلية ومخلصة لكل الأنساق التي تتحكم في سلوكياتنا المعاصرة، سعيا إلى نفي المزيّف والمصطنع منها.
ـ كان للتحول الاقتصادي تأثير كبير في تحول القيم السياسية والمجتمعية، في حين انعكست هذه التأثيرات السياسية، خاصة مع الأحداث العالمية المتوالية في صورة تبني أفكار الغازي الغربي في جانب، ومقاومتها في صورة تطرف ديني في الجانب المقابل، الأمر الذي حوّل المجتمع العربي إلى فرق وفئات متناحرة.
ـ كان للدين دور واضح في هذه التحولات، فالفقهاء هم الذين شرعوا الجهاد ضد الغرب، وهم الذين شرعوا التعامل معه، فكانوا بذلك سببا في اندفاع أفراد المجتمع في اتجاهين متناقضين، مرة تحت دعوى المقاومة لكل ما هو غربي، ومرة تحت دعاوى السلم والتسامح.
وعدّ الناقد الفرنكفوني سيرورة خطابنا الروائي منتجاً ثقافياً وثاباً وجذاباً يحضر ويحضرنا معه في قلب الجدل الإبداعي والثقافي المعاصر عربياً وعالمياً.
ونوّه صاحب (رقص) بتقدمنا عربياً في الفوز بالبوكر على دول سبقتنا في الكتابة الروائية، مؤكداً أن فوز رواية عبده خال «ترمي بشرر» بجائزة البوكر العربية المرموقة، تتويج مهم يستحقه قاص متمرس ظل وفيّا للكتابة السردية، ونصه استثنائي يزاوج بين الرؤى الاجتماعية الواقعية والملحمية الأسطورية بدءا بعنوانه. مشيراً إلى فوز رواية يوسف المحيميد الأولى «فخاخ الرائحة» بجائزة إيطالية مرموقة، وروايته الأخيرة «الحمام لا يطير في بريدة» بجائزة أبي القاسم الشابي في تونس، ما يعني أن المغامرات ظلت تتوالى والمنجزات تتراكم ودوائر التلقي تتسع ومعالم التميز تتنوع بنوع من الانتظام، وأوضح أن رواية محمد حسن علوان «موت صغير» قفزة نوعية في سياقها الوطني والجهوي واستحقت الجائزة العربية العالمية ذاتها، ونالت الترجمة الفرنسية لروايته «القندس» جائزة (لاغاردير) التي يشرف عليها معهد العالم العربي وتمنح سنويا لأفضل الأعمال العربية المترجمة. مضيفاً أن روايات أميمة الخميس نالت تلقيا محليا جيدا، وحازت روايتها المتميزة «مسرى الغرانيق في مدن العقيق» جائزة نجيب محفوظ، ما عده مؤشراً على اتصال القفزات الوثابة والجاذبية القوية لخطاب روائي تحول في غضون سنوات إلى رافد حيوي غني في النهر الكبير. ووصف صاحب سيرة الوقت رواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي رحمه الله، بمفاجأة كبيرة للقراء والنقاد في منطقة الخليج إذ لم يتعود الناس أن تبادر شخصية ثقافية واجتماعية معروفة مرموقة فتكتب عن تجارب الذات الإنسانية بقدر وافر من الصدقية والجرأة والعمق والروح الساخرة، مستعيداً ما أثارت رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع من سجال نقدي واسع فور صدورها قبل أعوام، وترجمتها إلى أكثر من لغة، رغم أن الكاتبة فتاة لم تكن معروفة في الوسط الثقافي حينها ولم تتصل مغامراتها إلا أنها أول من استثمر مدونات التقنيات الاتصالية الحديثة في نص سردي باهر لا تنقصه الجرأة والحميمية، مضيفاً أن صدور (الإرهابي 20) لعبدالله ثابت حظي باهتمام واسع لدى القراء والنقاد في الداخل والخارج. واحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي، وتُرجم لأكثر من لغة عالمية، لافتاً إلى أعمال تركي الحمد وبدرية البشر ونورة الغامدي ويحيى سبعي وأحمد الدويحي وعبدالله بخيت، ويرى أن هذه المنتجات عمقت المسار وأغنت السيرورة وأثّرتْ في القراء بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم الثقافية بحكم أنها تندرج كلها ضمن ما يعرف في لغة النقد الأدبي «المتوسط الجيد» الذي تستقر فيه جل الروايات في كل أنحاء العالم.
فيما تناول الناقد المغربي الدكتور جميل حمداوي ورقة عمل عن (حجاج الايتوس في الرواية العربية) من خلال أعمال الروائي العربي أحمد المخلوفي وأوضح أن اللوغوس يستند إلى مجموعة من الحجج الواصلة والفاصلة وشبه المنطقية ومنها حجة التتابع، وحجة التقسيم، وحجة المقارنة، وحجة التمثيل، وحجة المثال، وحجة الاستشهاد، وحجة المفارقة، وحجة السخرية، وحجة التخييل، وحجة الكم، وحجة الكيف، وحجة الوحدة.. إضافة إلى حجاج الباطوس، المتمثل في استمالة الآخر هوويا وعاطفيا ووجدانيا، بتطهيره نفسيا وجسديا من خلال إثارة الخوف والشفقة، مشيراً إلى تأثيرات السرد في أعمال المخلوفي بالخبرة والكفاءة، والتركيز على حجة المقصدية، وحجة الترغيب والترهيب، وحجة التأثير، وحجة الإقناع، وحجة الاقتناع، وغيرها من الحجج الأخرى الموجهة إلى المتلقي كحجة الدعاية، وحجة التواصل، وحجة الإشهار، وحجة التداول، لافتاً إلى أن الكاتب يستخدم حجج التأثير لاستمالة الناس انفعاليا، ووجدانيا، وقيميا، وعاطفيا، ما يوفّر التأثير في عمليتي الحجاج والمحاججة إلى جانب الإقناع العقلي.
وقدمت الناقدة الدكتورة رحمة الله أوريسي ورقة عمل عن تداولية التعالق النصي في العتبات النصية للرواية العربية المعاصرة استعرضت عبرها مقاربة التعالقات النصية تداوليا من خلال التركيز على بعض النظريات الخاصة بالدرس التداولي ومنها: نظرية أفعال الكلام، ونظرية الاستلزام الحواري، وطرحت عددا من الأسئلة حول كيفية تمثيل التعالقات النصية مقوما بنائيا في المنجز الروائي العربي المعاصر، وموضوعا تداوليا؟ وهل تؤثر بأنواعها المتباينة في تشكيل بنية المنجز الروائي العربي المعاصر من حيث بعده التداولي؟ وما هي المقاصد التداولية للتعالقات النصية؟ وما علاقتها التواصلية بالمتخيّل الروائي العربي المعاصر؟
وتناول الناقد الدكتور محمد مصطفى حسانين، الذاكرة الأسطورية والهوية التاريخية في «أنفس» الروائي عبده خال، وذهب إلى أن في الرواية طموحاً سردياً لعقد حوار دلالي وفكري وجدل جمالي وتأويلي للذاكرة الثقافية والتاريخية عبر تضفير الواقعي بالأسطوري والعجائبي لتكوين أسئلة الهوية فردية وجماعية، مشيراً إلى أن الرواية تطرح أسئلة حول الخير والشر والوجود والكينونة والهوية فيتعانق فيها الفكري والتأملي والفلسفي مع السردي والجمالي في صوغ مراوغات الهوية الذاتية وتقمصها بالهوية الجماعية وانفلاتها منها ومسائلتها في آن، لافتاً إلى وعي الروائي عبده خال بالأسطورة وجمعه لعدد وافر منها في كتابين له؛ فضلا عن اكتناز رواياته السابقة بأبعاد أسطورية ما مكنه في «أنفس» من تكوين عمل إبداعي تكويني على هذا النحو من اكتناز الأسئلة وتنوع مستويات التأويل، وعدّها مدخلاً لسؤال الهوية الفردية والجماعية، وقضية العلاقة بين الواقع والأسطورة، وتشكلات الزمن الذي ينفلت من التحديد لينزلق جماليا إلى مراتب الترميز السردي. مشيراً إلى تلبس الرواية بالأساطير والمرويات والحكايات الشعبية عبر التقاطع مع شذرات منها أو إلماعات إلى مكوناتها المركزية، وتجسدها في أفعال التسمية بوصفه فعلاً يغوص في طقوس الأسطورة ليدلل على طاقة الاسم والتسمية بوصفها أفعالا سحرية وفوق طبيعية، ما يمنح بعض أبطال الرواية مثل: وحي...د- ثَنْوَى- قدّار..) دلالات مشرعة على الثنائيات المضادة، وعلاقتها بأسئلة يتقاطع فيها الزمني مع الأبدي، وسؤال التكوين والسلالة والتاريخ والطقوس إلى سؤال الراهن ومآلاته وتحولاته. وتمازج البنى الخرافية والشعبية، من خلال حفر سردي وتشكيل روائي أسطورى لبطل الرواية وحبيبته، يبدأ من رحم مجدب وينطلق في صورة مضغة وينمو في ظل شجرة رمان وتصاحبه نبوءة العراف «قدار»، الذي يفرق بينه وبين حبيبته المحتجبة «ثنوى»!. لتتداخل الأسطورة في تجسيد ثنوى التي تتشاكل مع فينوس وأفروديت وعشتار، وأساطير الحب والخصب والوعد، في ظل حالة من الاغتراب والاحتجاب والتشوه.
منى العنزي تتقصى
الأنساق في (الكنز التركي)
تسعى الورقة لتقصي أنساق الثقافة المضمرة في رواية (الكنز التركي) للكاتب سيف الإسلام بن سعود، للكشف عن فاعلية الأنساق من مفاهيم وحدود النقد الثقافي، باعتباره واحداً من أبرز المناهج النقدية المعاصرة فيما يُعرف بمناهج النقد ما بعد البنيوي.
وإبراز الممارسات النسقية الخاصة بها، من نماذج مختارة من الرواية، مع ربط هذه الممارسات بالتشكيل الفني للراوية نفسها.
ويمكن القول: إن هذا التشكيل من الناحية الفنية الجمالية يتبادل التأثير والتأثر مع الممارسات النسقية في بنيتيها الظاهرة والمضمرة، الأمر الذي يجعل من هذه الأنساق انعكاسا جماليا لفاعلية التشكيل الفني للرواية في جانب، كما يجعل من التشكيل الفني وجها نسقيا ظاهرا لتلك الأنساق؛ يخفي تحته فاعليتها التي تحرّك الممارسات الدلالية في بنيتها المضمرة، في الجانب المقابل.
تتناول الرواية الفترة التاريخية التي انهارت فيها الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما نتج عن هذا الانهيار من تأثير على مجريات الأحداث في المنطقة العربية.
وقامت الأحداث على صورة «كنز تركي» مكوّن من سبائك وعملات ذهبية تركية، تم إخفاؤها في لحظات الاضطراب الأخيرة من انهيار الدولة العثمانية، وانسحاب هيمنتها من المنطقة العربية، خصوصاً في واحدة من أبرز مناطقها: المدينة المنورة، ما كان سببا مباشرا في التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية في كامل الولايات العثمانية السابقة، مع كل التحولات العالمية اللاحقة، بتأثيراتها المختلفة على المنطقة العربية.
وما أعطى لهذا الارتباط قيمته الجمالية المميزة، اقترانه بمصير بطلي القصة الرئيسيين: مختار بك العثماني؛ كبير مهندسي الدولة العثمانية المنقضية، ومهند السعدي؛ الكاتب العربي السعودي، والأكاديمي اللامع في عصرنا الحاضر، والذي يشترك مع مختار بك العثماني في سمة رئيسة، تتمثّل في تلك المسحة الوجودية التي تجعلهما يعيدان التفكير مرة بعد مرة في مجريات الأحداث، وفي دلالتها؛ ماضيا وحاضرا.
وأعطت قصة الحب التي عاشها مختار بك العثماني، مع ناجية العربية الحجازية، للرواية، طابعا رومانسيا، يستعيد قصص الحب العربية، والمشرقية عامة. فيما أعطى الطابع العملي لمهند السعدي في عصرنا الحاضر، لهذه الشخصية العربية المثقفة، طابعا متناقضا، بخصائصها التي تعود إلى الثقافة، ككاتب صحافي وروائي، يثير الأسئلة والتحفظ بما يكتبه في طابعه الإشكالي الذي يفكك بنى الفساد في المجتمع، من جانب، وكأكاديمي يهتم ببحث مشكلات المجتمع من وجهة نظر الفلسفة الاجتماعية، مع الحرص على المكانة الاجتماعية، والاستفادة من هذه المكانة ومن تحولات المجتمع نفسه، ولعل من أبرزها تحوّل رجال السياسة إلى رجال أعمال، يستفيدون من تحولات الاقتصاد المحلي، في جانب، ومن مواقعهم الوظيفية والسياسية في جانب، في تحقيق مكاسب شخصية متعددة. وهو الأمر الذي انعكس على أغلب فئات المجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، في صورة الانكباب على حياة البذخ واللهو، في مقابل انقياد الشباب «الفقير»، أو المحاصر فكريا، إلى دعاوى الإرهاب والكره لكل مظاهر الحياة. وهذا الاختلاط ما بين ما هو سياسي واجتماعي، أو ما هو ثقافي وديني، يعد في ذاته واحدا من أبرز الخصائص الفنية التي يتميز بها التشكيل الفني في الرواية، تعبيرا عن اختلاط القيم نفسها في المجتمعات العربية.
وكان لطابع الاختلاط وتداخل الأنساق في ظهورها النصي، متضمنا في الوقت نفسه (نقد النسق) أي النسق المضمر، الذي يتجلى في التعليقات التي تأتي على لسان الراوي؛ متضمنة نقدا للذات ونقدا للممارسات المجتمعية بكل أشكالها. وعلى هذا النحو تكشف الرواية في تركيبها الفني الأبعاد النسقية المتداخلة، كما تكشف ضعف هذه الأنساق وتخفيها خلف ممارسات مجتمعية ودعاوى سياسية دينية.
وصلت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج البارزة، لعل من أهمها: تعبير اختلاط القيم الثقافية في المجتمع العربي المعاصر عن بنية قلقة غير مستقرة اجتماعيا في هذا المجتمع، كما تعبر عن حاجتنا إلى مراجعة فعلية ومخلصة لكل الأنساق التي تتحكم في سلوكياتنا المعاصرة، سعيا إلى نفي المزيّف والمصطنع منها.
ـ كان للتحول الاقتصادي تأثير كبير في تحول القيم السياسية والمجتمعية، في حين انعكست هذه التأثيرات السياسية، خاصة مع الأحداث العالمية المتوالية في صورة تبني أفكار الغازي الغربي في جانب، ومقاومتها في صورة تطرف ديني في الجانب المقابل، الأمر الذي حوّل المجتمع العربي إلى فرق وفئات متناحرة.
ـ كان للدين دور واضح في هذه التحولات، فالفقهاء هم الذين شرعوا الجهاد ضد الغرب، وهم الذين شرعوا التعامل معه، فكانوا بذلك سببا في اندفاع أفراد المجتمع في اتجاهين متناقضين، مرة تحت دعوى المقاومة لكل ما هو غربي، ومرة تحت دعاوى السلم والتسامح.