أخبار

الهيدروجين الأخضر.. مصدر طاقة المستقبل

كاوست تواصل أبحاثها لمواجهة تبعات تغيّر المناخ

من اليمين يبدو خريج الدكتوراه الفزازي، البروفيسور ماني ساراثي الأستاذ والمدير المشارك لمركز أبحاث الاحتراق النظيف في كاوست، وعالم الأبحاث زاندونغ وانغ. (كاوست)

«عكاظ» (جدة) okaz_online@

ظَل الهيدروجين مصدر الطاقة النظيفة المنسي منذ عقود، تحديداً منذ أن تم اقتراحه لأول مرة كمصدر للطاقة المتجددة، وساهمت في تهميشه تقنيات ارتبطت به مثل خلايا وقود الهيدروجين، التي فشلت في اللحاق بمصادر الطاقة النظيفة الأخرى المنتشرة اليوم مثل الرياح والطاقة الشمسية. ولكن بفضل بعض التطورات التكنولوجية الحديثة، والجهود البحثية التي قامت بها جهات عالمية بارزة مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، فضلاً عن استدراك أهمية مصادر الطاقة البديلة في الخطط الحكومية لمواجهة تبعات تغيّر المناخ، قد تكون الفرصة سانحة اليوم لاعتبار الهيدروجين مصدراً للطاقة البديلة أكثر من أي وقت مضى.

الهيدروجين الرمادي والهيدروجين الأخضر

انخفاض تكلفة إنتاج الطاقة

على الرغم من اعتبار الهيدروجين مصدراً نظيفاً للطاقة، إلا أن أكثر طرق إنتاجه اليوم تتضمن استخدام الغاز الطبيعي، مما يعني أن العملية ليست خالية تماماً من الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وغالباً ما يشار إلى هذه الطريقة باسم الهيدروجين الرمادي، وهو يختلف عن عملية استخراج الهيدروجين الأزرق، الذي يتم استخدام المرشحات (فلاتر) لالتقاط الغازات الدفيئة المنبعثة من العملية.

أما الهيدروجين الأخضر، فيتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة فقط، مما يعني أن العملية بأكملها خالية من الكربون وانبعاثاته، إضافة لكونها أكثر استدامة. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، ستكون منخفضة في المستقبل، الأمر الذي أيضاً يعززه انخفاض تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة. حيث من المتوقع أن تكون تكلفة الهيدروجين الأخضر تنافسية مع الهيدروجين الرمادي في غضون 10 سنوات، وأرخص بنسبة 20 إلى 40% بحلول عام 2050، بحسب مؤسسة بلومبيرغ للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية (BNEF).

وتعني هذه الأرقام والتقديرات أن المناطق الغنية بمصادر الطاقة البديلة كالرياح والطاقة الشمسية، مثل المملكة العربية السعودية وجنوب غرب الولايات المتحدة، ستكون بالغة الأهمية لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتطويره، ولهذا السبب يقود علماء كاوست أبحاث الهيدروجين الأخضر في المنطقة منذ سنوات.

يشار إلى أن جهود كاوست في هذا المجال لم تقتصر على الأبحاث في حرمها الجامعي، بل دخلت الجامعة أيضاً في شراكة مع نيوم؛ وهي مدينة مستقبلية متطورة على البحر الأحمر من المتوقع تشغيلها بالكامل من خلال الطاقة المتجددة، وسيكون الهيدروجين الأخضر جزءاً مهماً من اقتصاد المدينة، لذا فإن الابتكارات في مجال الهيدروجين ضرورية جداً على مدى العقود القادمة.

إزالة انبعاثات الكربون

من وسائل النقل

يعتمد إنتاج الهيدروجين الأخضر على عملية تسمى التحليل الكهربائي، يتم خلالها تمرير تيار كهربائي لفصل جزيئات الماء إلى ذرات هيدروجين وأكسجين. وعند إنتاج الهيدروجين بهذه الطريقة، فإن المنتج الثانوي الوحيد هو الماء، ومع ذلك نستطيع توليد طاقة نظيفة يمكن استخدامها في الصناعة والنقل وغير ذلك. لكن تكمن المعضلة في أن تقنيات التحليل الكهربائي للمياه اليوم مكلفة جداً، وتتطلب مياهاً محلاة عالية النقاء يصعب توفرها في المناطق الصحراوية.

وللتغلب على ذلك، تجري كاوست أبحاثاً فريدة في طرق التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر لتجنب الحاجة لعملية التحلية أو استخدام المياه النقية، بالإضافة إلى قيامها بأبحاث تستهدف إنتاج مواد جديدة ومتينة للمحللات الكهربائية، تساهم في خفض تكلفة هذه العمليات، وتطويرها لخوارزميات مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي المخصصة لتحسين أداء أجهزة التحليل الكهربائي.

ولا تقتصر جهود كاوست البحثية على تطوير عملية التحليل الكهربائي فقط، بل تشمل أيضاً ابتكار طرق أخرى لاستخدام الهيدروجين بعد إنتاجه ووضع حلول لعملية نقل الهيدروجين، التي تعتبر التحدي الرئيسي لهذه العملية برمتها، حيث لا يمكن نقل الهيدروجين بسهولة، ويتمثل أحد الحلول المقترحة في تحويل الهيدروجين المنتج إلى وقود ومواد كيميائية، يمكن نقلها بسهولة أكبر.

يمكن تحويل الهيدروجين الأخضر إلى جزيئات حاملة مثل الأمونيا والميثانول وحمض الفورميك. ويبحث علماء كاوست في إنتاج واستخدام مختلف الجزيئات الحاملة للهيدروجين في مجال الصناعة وتوليد الطاقة وتطبيقات النقل.

ولا شك أن هذه الجهود والتطويرات في عملية الإنتاج ستنقل قطاع الهيدروجين الأخضر إلى مرحلة يكون فيها أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

وهذا يؤكد أنّ أحد الاستخدامات الرئيسية والواعدة للهيدروجين الأخضر، هو في مجال وسائل الموصلات والنقل النظيفة. في حين أن استخدام السيارات الكهربائية يساهم كثيراً في التقليل من انبعاثات الكربون، إلا أن تقنية وسائل النقل الكهربائية ليست عملية بما يكفي وغير قابلة للتطبيق حالياً في بعض وسائل النقل مثل الشحن البحري، وفي الشاحنات الثقيلة، وحتى الطائرات.

الطاقة النظيفة ومستقبل العالم

وعلى الرغم من إمكانية استخدام خلايا وقود الهيدروجين في بعض هذه القطاعات، مثل النقل بالشاحنات، إلا أن هناك إمكانات أكبر بكثير عند استخدام الوقود الإلكتروني (E-fuels)، وهو وقود اصطناعي ناتج عن مزيج من الهيدروجين الأخضر وثاني أكسيد الكربون المحتجز.

والوقود الإلكتروني هو مثال جيد لدور الهيدروجين الأخضر في مساعدة الدول على تحقيق أهدافها المناخية الطموحة. على سبيل المثال، لتحقيق أهداف «الصفقة الأوروبية الخضراء»، يحتاج قطاع النقل في دول الاتحاد الأوروبي إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 80% إلى 95% بحلول عام 2050، وهو أمر صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلاً بالاعتماد على التقنيات الكهربائية فقط، ولسد هذه الفجوة، تعمل كاوست بشكل مكثف على إنتاج وقود متجدد لوسائل المواصلات والنقل وتحسين أنظمة ومحركات الدفع عالية الكفاءة.

الهيدروجين الأخضر ومستقبل الطاقةتدرك الحكومات أهمية تطوير تقنية الهيدروجين الأخضر، وما يترتب عليه من التزامات تمويلية وسن اللوائح والسياسات. على سبيل المثال، تعهدت وزارة الطاقة الأمريكية في العام الماضي، بتقديم 100 مليون دولار على مدار 5 سنوات لتعزيز أبحاث وتطوير تقنية خلايا الهيدروجين وخلايا الوقود. كما أشارت حكومة الولايات المتحدة إلى أنه في غضون عقد من الزمن، يجب أن يكون الهيدروجين الأخضر متاحاً بنفس تكلفة الهيدروجين التقليدي. ويشكل الهيدروجين الأخضر أيضاً جزءاً مهماً من الصفقة الأوروبية الخضراء، التي تهدف إلى إنشاء اقتصاد محايد للكربون بحلول عام 2050، وتحتل المملكة العربية السعودية موقعاً ريادياً في اقتصاد الهيدروجين، مع استمرار الاستثمار في المشاريع الصناعية واسعة النطاق ودعم البحث والتطوير التقني في هذا المجال.

سيتطلب الأمر خطوات جريئة لإزالة انبعاثات الكربون في العديد من الصناعات، لتحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتين مئوية، ويمكن أن يلعب الهيدروجين الأخضر دوراً رئيسياً في هذه المعادلة، الأمر الذي يؤكد ضرورة التوجه الآن لجعله المصدر الأكثر أهمية في مزيج الطاقة النظيفة ومستقبل العالم.